بِعَيْنِ الْمَالِ، وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ، وَالِاسْتِقْلَالِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، أَوْ بِبَلَدِهِ، أَوْ قَبِيلَتِهِ إبِلٌ اُعْتُبِرَ (بِأَدْنَى) أَيْ بِإِبِلِ أَقْرَبِ (بَلَدٍ) إلَيْهِ (قُلْتُ) هَذَا (لِمَا دُونَ مَسِيرِ) أَيْ مَسَافَةِ (الْقَصْرِ) بِخِلَافِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْإِبِلِ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ، وَضَبْطُ الْبَعِيدِ بِهَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ نَقَلَا عَنْ الْإِمَامِ ضَبْطَهُ بِمَا لَخَّصَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ أَنْ تَزِيدَ قِيمَتُهَا مَعَ مُؤْنَةِ إحْضَارِهَا عَلَى قِيمَتِهَا بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ إبِلٌ، أَوْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ (قُوِّمَا) أَيْ: الْإِبِلُ يَوْمَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فِي مَكَانِ الْإِعْوَازِ لَوْ كَانَتْ فِيهِ وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهَا فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهَا أَخَذَ وَقِيمَةَ الْبَاقِي، وَالْعِبْرَةُ فِي التَّقْوِيمِ بِنَقْدِ مَكَانِ الْإِعْوَازِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ عِنْدَ الْإِعْوَازِ الصَّبْرَ حَتَّى تُوجَدَ الْإِبِلُ.
قَالَ الْإِمَامُ الظَّاهِرُ امْتِثَالُهُ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَجَوَّزُوا الْعُدُولَ عَنْ الْإِبِلِ عِنْدَ وُجُودِهَا إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ مِنْ نَوْعٍ، أَوْ قِيمَةٍ بِالتَّرَاضِي.
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلْيَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ وَجَزَمَا بِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي الْعَفْوِ لَكِنَّهُمَا نَقَلَا عَنْ الْجُمْهُورِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِالتَّرَاضِي لِجَهَالَتِهَا وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتَهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ نَوْعٌ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى مَا فَوْقَهُ إلَّا بِالتَّرَاضِي كَمَا لَوْ عَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي وَسُلَيْمٌ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازُ الْعُدُولِ إلَى مَا فَوْقَهُ
(وَوُزِّعَتْ) أَيْ الدِّيَةُ (عَلَى جِرَاحِ جَانِي مُخْتَلِفَاتِ الْحُكْمِ) فَلَوْ جَرَحَهُ عَمْدًا، ثُمَّ خَطَأً وَمَاتَ بِهِمَا أَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ مِنْ الْجَانِي وَنِصْفَ الْمُخَفَّفَةِ مِنْ عَاقِلَتِهِ وَلَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ قَوَدًا، أَوْ سَرِقَةً، أَوْ صِيَالًا، أَوْ بَغْيًا، ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا هُدِرَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَوَجَبَ نِصْفُهَا وَلَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا عَمْدًا وَثَالِثًا خَطَأً هُدِرَ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَوَجَبَ ثُلُثُهَا مُغَلَّظًا عَلَى الْجَانِي وَثُلُثُهَا مُخَفَّفًا عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَ) عَلَى (الْأَبَدَانِ) لَا الْجِرَاحَاتِ (إنْ شَارَكَ الْجَانِي) غَيْرَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَلَوْ قَتَلَ جَمِيعٌ وَاحِدًا بِجِرَاحَاتٍ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ أَبْدَانِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ جِرَاحَةُ بَعْضِهِمْ أَفْحَشَ، أَوْ عَدَدُ جِرَاحَاتِهِ أَكْثَرُ، أَوْ أَرْشُهَا غَيْرَ مُقَدَّرٍ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْجِرَاحَاتِ لَا يَنْضَبِطُ وَقَدْ تَزِيدُ نِكَايَةُ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى نِكَايَاتِ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ وَلَوْ ضَرَبَهُ وَاحِدٌ ضَرْبَةً وَآخَرُ ضَرَبَاتٍ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ فَقِيلَ تُوَزَّعُ عَلَى عَدَدِ الْأَبَدَانِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ، وَالْأَرْجَحُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ فَإِنَّهَا تُلَاقِي الظَّاهِرَ وَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ (وَلَوْ) شَارَكَ الْجَانِي (كَالْحَيَّةِ) ، أَوْ نَحْوِهَا مِنْ سَبُعٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تُوَزَّعُ عَلَى الْأَبَدَانِ فَلَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَمَاتَ بِهِمَا فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ جَرَحَهُ مَعَ ذَلِكَ سَبُعٌ فَعَلَى الْجَانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ
(وَ) لَوْ شَارَكَ الْجَارِحَ (خَائِطًا) لِلْجُرْحِ (فِي اللَّحْمِ غَيْرِ الْمَيِّتِ) فَإِنَّ الدِّيَةَ تُوَزَّعُ عَلَى الْأَبْدَانِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْجَارِحِ غَيْرُ نِصْفِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ الْخَائِطُ هُوَ
ــ
[حاشية العبادي]
بِعَيْنِ الْمَالِ) فَأَجْزَأَ الْمَعِيبُ إذَا كَانَ الْمَالُ مَعِيبًا (قَوْلُهُ: فَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ، وَالِاسْتِقْلَالِ) وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ) يَنْبَغِي عَلَى ضَبْطِ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُزَادَ، أَوْ كَانَتْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ مَعَ مُؤْنَةِ الْإِحْصَارِ أَزْيَدُ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا بِمَوْضِعِ الْغِرَّةِ.
(قَوْلُهُ: فِي مَكَانِ الْإِعْوَازِ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِمَكَانِ الْإِعْوَازِ وَقَدْ يُتَّجَهُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَحَلُّ الْجَانِي إنْ كَانَ وُجِدَ فِيهِ بَلْ قَبْلَ ذَلِكَ لَكِنَّهَا عُدِمَتْ كَمَا عُدِمَتْ مِنْ الْأَقْرَبِ إلَيْهَا، وَأَقْرَبُ مَحِلٍّ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَوَجَبَ بِالْأَقْرَبِ لَكِنَّهُ عُدِمَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ لَا بِمَحِلِّهِ وَلَا بِالْأَقْرَبِ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْوُجُودِ فِيهِ لَكِنْ أَيُّ إبِلٍ تُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنْوَاعُ الْإِبِلِ لَا تَنْضَبِطُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الْغَالِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ غَالِبِ النَّاسِ؟ هَذَا وَلَكِنْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَهَلْ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوُجُودِ أَمْ بَلَدُ الْإِعْوَازِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ إبِلٌ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ: أَوْ مَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ تُعْدَمَ الْإِبِلُ فِي بَلَدِ الْجَانِي وَفِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَتُوجَدَ فِي بَلَدٍ لَا يَجِبُ النَّقْلُ مِنْ مِثْلِهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ مَوْضِعُ الْوُجُودِ الَّذِي لَا يَجِبُ النَّقْلُ مِنْ مِثْلِهِ أَمْ مَوْضِعُ الْإِعْوَازِ وَهُوَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ؟ قَالَ: وَاعْتِبَارُ مَوْضِعِ الْوُجُودِ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَمَوْضِعُ الْإِعْوَازِ مُشْكِلٌ إذْ لَيْسَ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ بِهِ مَعِيبًا فَيُقَوَّمُ سَلِيمًا بِاعْتِبَارِ مَوْضِعِ الْإِعْوَازِ اهـ.
فَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ قَطُّ فِي مَحَلِّهِ وَوُجِدَ فِي الْأَقْرَبِ ثُمَّ عُدِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ ابْنِ عَجْلُونَ فِي التَّصْحِيحِ وَيُقَوَّمُ الْإِبِلُ الَّتِي لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَجَبَ تَسْلِيمُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إبِلٌ قُوِّمَتْ مِنْ صِنْفِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ قِيمَةِ مَوْضِعِ الْإِعْوَازِ لَوْ كَانَ فِيهِ إبِلٌ اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَمَوْضِعُ الْإِعْوَازِ مُشْكِلٌ قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ: وَإِشْكَالُهُ هُوَ الْمُشْكِلُ فَإِنَّ الْقِيمَةَ تَعْتَبِرُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِفَرْضِ الْوُجُودِ كَمَا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ فِي الْمَعِيبِ بِفَرْضِ السَّلَامَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ سَلِيمٌ أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْجَوْجَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.
(قَوْلُهُ: جَوَازُ الْعُدُولِ إلَى مَا فَوْقَهُ) هَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى مَا كَانَ بِالتَّرَاخِي
ــ
[حاشية الشربيني]
أَيْ بِإِبِلِ إلَخْ) أَيْ بِغَالِبِ إبِلٍ إلَخْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُهَا مِنْ الْغَالِبِ وَإِنْ لَزِمَتْ بَيْتَ الْمَالِ الَّذِي لَا إبِلَ فِيهِ فِيمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ سِوَاهُ وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ دَفْعُهَا مِنْ غَالِبِ إبِلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَزِمَهُ ذَلِكَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِ مَحَلٍّ وَبِذَلِكَ عُلِمَ رَدُّ بَحْثِ الْبُلْقِينِيِّ تَعَيُّنُ الْقِيمَةِ حِينَئِذٍ لِتَعَذُّرِ الْأَغْلَبِ حِينَئِذٍ إذْ اعْتِبَارُ