فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ بِلَا تَغْرِيرٍ وَإِنْ جَهِلَهُ فَخِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ بَاشَرَ مَا هَلَكَ بِهِ بِغَيْرِ إلْجَاءٍ وَأَنَّهُ يَجِبُ الدِّيَةُ لِلتَّغْرِيرِ وَحَكَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ عَنْ مَيْلِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ قَالَ: هُوَ قِيَاسٌ فِي مَسَائِلِ الْغُرُورِ، وَالْمُبَاشَرَةِ وَحُكِيَ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ تَرْجِيحُ وُجُوبِ الْقَوَدِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ رَجَّحَهُ فَقَالَ فِي الْأُمِّ: إنَّهُ أَشْبَهَهُمَا وَكَغَيْرِ فِيمَا ذُكِرَ أَعْجَمِيٌّ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ وَكَالْمُكَلَّفِ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ، وَالْمُضِيفُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَنْ أَضَافَهُ إذَا أَنْزَلَهُ ضَيْفًا وَيُقَالُ: فِيهِ أَيْضًا ضَيَّفَهُ فَأَمَّا ضَافَهُ فَمَعْنَاهُ نَزَلَ عَلَيْهِ ضَيْفًا وَكَذَا تَضَيَّفَهُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ
(وَ) مِثْلُ (قَتْلِ مَنْقُولِ الْحَشَا) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ: الْمِعَى مِنْ مَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ وَإِنْ تَيَقَّنَ مَوْتَهُ عَادَةً بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ أَزْهَقَ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَمِثْلُهُ مَنْ أَصَابَ حَشَاهُ خَرْقٌ، أَوْ قَطْعٌ أَمَّا قَتْلُ مَنْقُولِ الْحَشَا مِنْ جَوْفِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ لِانْتِهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ (وَ) كَقَتْلِ مَرِيضٍ (مُشْرِفِ) عَلَى الْهَلَاكِ وَإِنْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يُظَنُّ بِهِ الِانْتِهَاءُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، ثُمَّ يُشْفَى بِخِلَافِ مَنْ انْتَهَى إلَيْهَا بِجِنَايَةٍ وَأَيْضًا فَلَمْ يَسْبِقْ فِي الْمَرِيضِ فِعْلٌ يُحَالُ عَلَيْهِ (أَوْ) كَقَتْلِهِ مَرِيضًا (ظَنِّ) فِيهِ (صِحَّةٍ بِضَرْبٍ أَضْعَفِ) أَيْ ضَعِيفٍ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ الصَّحِيحَ وَيَقْتُلُ الْمَرِيضَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ لِوُجُودِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَظَنُّ الصِّحَّةِ لَا يُبِيحُ الضَّرْبَ بِخِلَافِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الضَّرْبُ كَالْمُؤَدِّبِ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَمَعَ الْعِلْمِ يَجِبُ الْقَوَدُ قَطْعًا، وَالْفَرْقُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ وُجُوبِ الْقَوَدِ هُنَا وَعَدَمِ وُجُوبِهِ فِيمَا إذَا أَجَاعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ لَا يَعْلَمُهُ أَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَرَضِ فَيُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ ضَعُفَ مِنْ الْجُوعِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ وَجَبَ الْقَوَدُ
(وَقَاتِلًا وَكَافِرًا لَا عَهْدَا لَهُ بِحَرْبِيَّتِهِ وَعَبْدَا) أَيْ: وَكَقَتْلِهِ مَنْ ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ، أَوْ كَافِرًا لَمْ يَعْهَدْهُ حَرْبِيًّا كَأَنْ عَهِدَهُ ذِمِّيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا، أَوْ مَنْ ظَنَّهُ عَبْدًا وَإِنْ عَهِدَهُ كَذَلِكَ فَبَانَ خِلَافُهُ أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ التَّثَبُّتُ وَأَمَّا فِي الْبَقِيَّةِ؛ فَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَالظَّنُّ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ أَمَّا فِي الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ، وَالْعَبْدِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الْمُرْتَدِّ؛ فَلِأَنَّ قَتْلَهُ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى الْآحَادِ فَأَشْبَهَ لَوْ زَنَى عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيمَا لَوْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا بِدَارِهِمْ، أَوْ صَفِّهِمْ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ لَا عَهْدَ لَهُ بِحَرْبِيَّتِهِ مَا لَوْ عَهِدَهُ حَرْبِيًّا وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ بِأَنْ كَانَ عَلَى زِيِّ الْكُفَّارِ بِدَارِنَا فَبَانَ مُسْلِمًا فَلَا قَوَدَ، أَوْ بِدَارِهِمْ، أَوْ صَفِّهِمْ فَهَدَرٌ (لَا) كَقَتْلِ الْوَكِيلِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ الْجَانِي بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ عَنْهُ (حَيْثُ يَجْهَلُ الْوَكِيلُ الْعَفْوَ) فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ وَلَا عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا، أَوْ حَرْبِيًّا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَوَدِ فِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ ثَمَّةَ مُقَصِّرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُخَلَّى بَلْ يُحْبَسُ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى دُخُولِ دَارِنَا بِلَا أَمَانٍ فَكَانَ حَقُّهُ التَّثَبُّتَ، وَالْوَكِيلُ مَعْذُورٌ هُنَا (بِغُرْمِهِ) أَيْ: مَعَ غُرْمِ الْوَكِيلِ الدِّيَةَ لِوَرَثَةِ الْجَانِي وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَكُونُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ يُمْكِنُ إعْلَامُ الْوَكِيلِ بِالْعَفْوِ فِيهَا فَلَوْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعَفَا الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْقَوَدِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا لَا حُكْمَ لَهُ قَالَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَجَبَ الْقَوَدُ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْجُوعِ
(قَوْلُهُ: بِدَارِنَا) أَيْ: وَلَيْسَ فِي صَفِّهِمْ (قَوْلُهُ: فَلَا قَوَدَ) اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْقَوَدِ خُصُوصًا مَعَ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: فَهَدَرٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الدِّيَةِ وَهُوَ قَضِيَّةُ الْإِرْشَادِ وَارْتَضَاهُ صَاحِبُ الْإِسْعَادِ (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَوَدِ) وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَكَتَبَ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمُرْتَدِّ وَ، أَمَّا فِي الْحَرْبِيِّ إذَا كَانَ بِدَارِنَا فَهُوَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ فَقَوْلُهُ: وَقُلْنَا إلَخْ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُرْتَدِّ، وَالْحَرْبِيِّ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْحَرْبِيِّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَالْحَرْبِيُّ لَا يَجْتَرِئُ إلَخْ) هَذَا لَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ عُهِدَ أَيْضًا دُخُولُهُ بِلَا أَمَانٍ وَعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ هَذَا التَّقْيِيدِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ م ر
ــ
[حاشية الشربيني]
بِإِحْكَامِهِ أَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ بِآلَةٍ قَوِيَّةٍ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ لَهَا فِي الْعَادَةِ وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُصَيِّرُهُ لَاصِقًا بِمَحَلِّهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ لِغَيْرِهِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ يَدِهِ لَكِنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْعَدْوِ وَلَا يَتَأَتَّى الْهَرَبُ مِنْهُ فَيَضْمَنُ بِالْقَوَدِ حِفْظَهُ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَإِنَّمَا أَنْتَجَ لَنَا هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْمُبَالِغَةَ فِي تَتَبُّعِ كَلَامِهِمْ وَتَقَصِّي مَدَارِكِهِ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ جَهِلَهُ فَخِلَافٌ) لَكِنَّ مَحَلَّهُ الْخِلَافُ كَمَا قَالَ، وَالِدُ م ر أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ أَكْلَهُ مِنْهُ إلَّا بِأَنْ نَدَرَ أَكْلُهُ مِنْهُ، أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَالْوَاجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ.
م ر ع ش (قَوْلُهُ:، وَالْأَظْهَرُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فِي مَسَائِلِ الْغُرُورِ، وَالْمُبَاشَرَةِ) أَيْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا غُرُورٌ لِمَنْ بَاشَرَ مَا هَلَكَ بِهِ
(قَوْلُهُ: فَلِأَنَّ قَتْلَهُ إلَى الْإِمَامِ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ هُنَا الْإِمَامَ ثُمَّ رَأَيْت ع ش نَقَلَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ التَّصْرِيحَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَبِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ) أَيْ