النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ الدِّيَةَ بِقِصَاصِ الْيَدَيْنِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّسَاوِي كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَلَوْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ، أَوْ يَدَيْهِ فَاقْتُصَّ مِنْهُ وَمَاتَ الْمُسْلِمُ سِرَايَةً وَعَفَا وَلِيُّهُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ فِي الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَفِي الثَّانِيَةِ ثُلُثَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ بِقَطْعِ يَدِ الذِّمِّيِّ إلَّا قَدْرَ سُدُسِ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَبِقَطْعِ يَدَيْهِ إلَّا قَدْرَ ثُلُثِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ امْرَأَةً، وَالْمَقْطُوعُ رَجُلًا فَلَهُ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ نِصْفُهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَفْوُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ بَلْ بِحَزِّ الرَّقَبَةِ مِنْ الْجَانِي فَالظَّاهِرُ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوَ عَلَى مَالٍ لِعَدَمِ التَّدَاخُلِ إذَا فَرَّعْنَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ مَا سِوَى الشَّرْطِ الْقَوَدَ (عَلَى امْرِئٍ مُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا وَلَوْ مُرْتَدًّا فَلَا قَوَدَ عَلَى حَرْبِيٍّ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَإِنْ صَارَ مُلْتَزِمًا بَعْدَهَا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ عِنْدَهَا وَلَا عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ عِنْدَهَا وَإِنْ صَارَ مُكَلَّفًا بَعْدَهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِالْتِزَامِ عِنْدَهَا وَلِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ كَمَا رُفِعَ عَنْ النَّائِمِ نَعَمْ يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى تَعَدٍّ بِسُكْرٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، ثُمَّ جُنَّ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ مُوجِبُهُ بِالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ، ثُمَّ جُنَّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ لَا فِي الْقَوَدِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ رَمَى حَرْبِيٌّ إلَى مُسْلِمٍ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَجَبَ الضَّمَانُ مِنْ قَوَدٍ، أَوْ دِيَةٍ وَفِيهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ.
وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقَوَدِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ) الْمُلْتَزِمُ (لَمْ يَفْضُلْهُ) أَيْ: الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِحُرِّيَّةٍ أَوْ أَصْلِيَّتِهِ لَدَى إصَابَةٍ، وَ) لَا (سَيِّدَته) فَإِنْ فَضَلَهُ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا قَوَدَ وَإِنْ مَاثَلَهُ بَعْدَهَا فَلَا يُقَادُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَلَا حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَهَا وَلَا مَنْ فِيهِ حُرِّيَّةٌ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَا حُرٌّ ذِمِّيٌّ بِرَقِيقٍ مُسْلِمٍ، أَوْ عَكْسُهُ وَلَا أَصْلٌ بِفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا سَيِّدٌ بِرَقِيقِهِ كَأَنْ قَتَلَ مُكَاتَبٌ رَقِيقَهُ وَلَوْ أَبَاهُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «لَا يُقَادُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ، وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ «لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِ فَرْعِهِ فَلَا يَكُونُ الْفَرْعُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ.
وَأَمَّا خَبَرُ «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ جَدَعْنَاهُ» فَمُنْقَطِعٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ بِثَابِتٍ وَإِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وَلَا يُقَادُ النَّافِي بِالْمَنْفِيِّ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ مُقْتَضَى نُسَخِ الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ، وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَفْوُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ إلَخْ) يَنْبَغِي التَّأَمُّلُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَثَلًا اقْتَصَّ مَقْطُوعُ الْيَدِ مِنْ قَاطِعِهِ وَمَاتَ سِرَايَةً فَعَفَا الْوَلِيُّ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِأَرْشِ السِّرَايَةِ فَيَصِحُّ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُ الْبَدَلِ أَيْضًا فَهَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ حَتَّى يُحِيلَهُ عَلَى مَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي هُوَ الْمَقْتُولُ، وَالْمُوصِي هُنَا الْوَلِيُّ فَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهَا مِنْهُ وَأَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الْبَدَلِ، وَالْمَوْجُودُ فِيهَا الْإِيصَاءُ بِالْبَدَلِ لِلْقَاتِلِ ثُمَّ كَيْفَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْأَرْشِ؟ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الْأَرْشِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْمَقْطُوعِ عَفَا عَنْ السِّرَايَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً لِقَاتِلٍ فَهُوَ لَا يُطَابِقُ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ بَعْدَ حُصُولِ السِّرَايَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ الْبُلْقِينِيِّ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْجَانِيَ بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ فِي الْقَطْعِ لَوْ عَادَ فَحَزَّ رَقَبَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْهَا مَا يُقَابِلُ أَرْشَ الْقَطْعِ كَنِصْفِ الدِّيَةِ إذَا كَانَ الْقَطْعُ لِلْيَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ قَبْلَ الْحَزِّ اسْتَقَرَّ الْقَطْعُ وَانْفَصَلَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَيْهِ) أَيْ: التَّدَاخُلِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِصَابَةِ) كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَدَى إصَابَةٍ (قَوْلُهُ: وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ الْقَوَدُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ مُلْتَزِمًا عِنْدَ الْإِصَابَةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْفِعْلِ
[حاشية الشربيني]
أَوْ الْعَفْوِ، وَالْمُرَادُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِيمَا سَبَقَ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ، أَوْ عَنْ أَرْشِهِ
(قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيحٍ) نَقَلَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ تَرْجِيحَ وُجُوبِ الضَّمَانِ اعْتِبَارًا بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْإِصَابَةُ دُونَ مُقَدِّمَاتِهَا قَالَ: وَلَا يُشْكِلُ أَنَّ الْفَضْلَ عِنْدَ الرَّمْيِ فَقَطْ يَمْنَعُ الْقَوَدَ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ تَمَيُّزَ الرَّامِي بِفَضِيلَةٍ عِنْدَ الرَّمْيِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي فِعْلِهِ فَدَرَأَتْ الْقَوَدَ بِخِلَافِ حِرَابَةٌ عِنْدَ الرَّمْيِ فَقَطْ فَإِنَّهَا نَقِيصَةٌ فَلَا تُفْضِي بِشُبْهَةٍ لَا سِيَّمَا وَهُوَ عِنْدَ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْإِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ وَأَمَّا وُجُودُهَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّمَا أَثَرٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَقْصُودَ وُجِدَ وَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ لِلضَّمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ اهـ.
، وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالدِّيَةِ لَا بِالْقَوَدِ اهـ.
م ر (قَوْلُهُ:، وَالْأَشْبَهُ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute