فَالتَّشْدِيدَاتُ فِي مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ كَخَبَرِ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَخَبَرِ «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُخَالِفِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا تَأْوِيلٍ، وَعَرَّفَ النَّاظِمُ الْبُغَاةَ بِقَوْلِهِ: (إنَّ الْبُغَاةَ فِرْقَةٌ مُخَالِفَهْ إمَامَنَا) الْأَعْظَمَ بِخُرُوجِهَا عَنْ أَمْرِهِ، أَوْ مَنْعِهَا الْحَقَّ كَمَا، أَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ (عَنْ انْقِيَادٍ) إلَيْهِ (صَادَفَهْ) أَيْ: مُعْرِضَةٌ يُقَالُ: صَدَفَ عَنْ كَذَا أَيْ: أَعْرَضَ عَنْهُ سَوَاءٌ نَصَبَتْ لَهَا إمَامًا أَمْ لَا قَالَ الْعِمْرَانِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ الْقَفَّالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ إمَامُنَا عَادِلًا أَمْ جَائِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْجَوْرِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ، وَلَوْ كَانَ جَائِرًا، وَمِنْ ثَمَّ عَدَلَ فِيهَا عَنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ كَغَيْرِهِ الْبَاغِي هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ إلَى قَوْلِهِ: الْبَاغِي هُوَ الْمُخَالِفُ لِإِمَامِ الْعَدْلِ أَيْ: لِإِمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ بَيَانًا لِمُرَادِهِمْ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِالْعَادِلِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِمَامِ الْبَاغِي، وَإِنْ كَانَ نَصْبُ الْبَاغِي لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ
(بِبَاطِلِ التَّأْوِيلِ غَيْرِ الْقَطْعِ) أَيْ: فِرْقَةٌ مُخَالِفَةٌ بِتَأْوِيلِ بَاطِلٍ ظَنًّا كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ، وَتَأْوِيلُ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ، وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمُخَالِفَةُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا، أَوْ بِتَأْوِيلِ بَاطِلٍ قَطْعًا كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ، وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ، وَالْخَوَارِجِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (لَا) ذُو (رِدَّةٍ، وَمَنْعِ حَقِّ الشَّرْعِ) لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِآدَمِيٍّ (وَ) لَا (خَارِجِيٌّ) فَلَيْسُوا كَالْبُغَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ لِعَدَمِ التَّأْوِيلِ، أَوْ عَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَالْخَوَارِجُ صِنْفٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ يُكَفِّرُونَ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، وَيَطْعَنُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ، وَالْجَمَاعَاتِ، وَحُكْمُهُمْ أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُقَاتِلُوا، وَكَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ تُرِكُوا نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ إنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ، أَوْ وَاحِدٍ مِنَّا عُزِّرُوا، وَإِنْ عَرَّضُوا بِهِ فَفِي تَعْزِيرِهِمْ، وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ لَا، وَإِنْ قَاتَلُوا فَهُمْ فَسَقَةٌ، وَأَصْحَابُ نَهْبٍ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ، وَأَصْلِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ.
، وَمَحَلُّهُ إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ لِنَقْلِهِمَا عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ إلَيْهِمْ، وَالِيًا فَقَتَلُوهُ فَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ، وَهَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُ قَاتِلِهِ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ شَهَرَ السِّلَاحَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إخَافَةَ الطَّرِيقِ، وَجْهَانِ زَادَ النَّوَوِيُّ أَصَحُّهُمَا لَا يَتَحَتَّمُ (بِمُطَاعِ) أَيْ: الْبُغَاةُ فِرْقَةٌ مُتَّصِفَةٌ بِمَا مَرَّ مَعَ مُطَاعِ (الْكَلِمَهْ) فِيهِمْ لِتَحْصُلَ بِهِ قُوَّةُ الشَّوْكَةِ (وَشَوْكَةٍ يُمْكِنُهَا) أَيْ:، وَبِشَوْكَةٍ لَهُمْ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ مَعَهَا (الْمُقَاوَمَهْ) لِلْإِمَامِ، وَيَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى احْتِمَالِ كُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ، وَإِعْدَادِ رِجَالٍ، وَنَصْبِ قِتَالٍ لِيَرُدَّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ فَلَيْسُوا بُغَاةً؛ لِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ قَتَلَ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ وَكِيلُ امْرَأَةٍ قَتَلَ عَلِيٌّ أَبَاهَا فَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطَ حُكْمَهُمْ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَكَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ يَقْتَضِي حُصُولَ الشَّوْكَةِ بِدُونِ مُطَاعٍ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَتْبُوعٌ مُطَاعٌ إذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ مُطَاعٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الشَّوْكَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُطَاعٍ
(وَ) الْبُغَاةُ (فِي) نُفُوذِ
ــ
[حاشية العبادي]
جَائِرًا عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ التَّشْدِيدَاتُ الْمَذْكُورَةُ (قَوْلُهُ: وَلَا تَأْوِيلَ) أَيْ: مُعْتَبَرٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَالتَّأْوِيلُ الْوَاضِحُ الْبُطْلَانُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُهَا)
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ) أَيْ: غَيْرُ قَطْعِيِّ الْبُطْلَانِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلٌ، أَوْ كَانَ قَطْعِيَّ الْبُطْلَانِ، وَسَوَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ قُوَّةُ الِاجْتِهَادِ، أَوْ لَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مُخَالَفَةُ إمَامِنَا) ، وَلَوْ بِقِتَالِهَا طَائِفَةً أُخْرَى لَيْسَ فِيهَا الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهَا، وَامْتِنَاعِهَا مِنْ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ التَّرَافُعُ إلَى الْإِمَامِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. اهـ. عَمِيرَةُ سم فَانْدَفَعَ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: سَكَنٌ لَهُمْ) أَيْ تَسْكُنُ لَهَا نُفُوسُهُمْ، وَتَطْمَئِنُّ بِهَا قُلُوبُهُمْ. اهـ.
بَيْضَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: يَكْفُرُونَ إلَخْ.) ، وَيَأْثَمُونَ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَّ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَاحِدٌ قَطْعًا كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَأَنَّ مُخَالِفَهُ آثِمٌ غَيْرُ مَعْذُورٍ. اهـ. تُحْفَةٌ (قَوْلُهُ: بِمُطَاعٍ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوبًا م ر (قَوْلُهُ: وَشَوْكَةٍ) ، وَلَوْ حَصَلَتْ لَهُمْ الْقُوَّةُ بِتَحَصُّنِهِمْ بِحِصْنٍ اسْتَوْلَوْا بِهِ عَلَى نَاحِيَةٍ فَهُوَ كَالشَّوْكَةِ. اهـ. زي (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الشَّوْكَةَ) أَيْ: الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الْبَغْيُ بِدُونِهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُطَاعٍ، أَمَّا مُطْلَقُ الشَّوْكَةِ فَتَحْصُلُ بِدُونِهِ. اهـ. بج فَذَكَرَ الْمِنْهَاجُ كَالْمُصَنَّفِ الْمُطَاعَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلشَّوْكَةِ الْمُرَادَةِ هُنَا لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُسْتَقِلٌّ، وَلِذَا قَالَ الْمَحَلِّيُّ بِشَرْطِ شَوْكَةٍ، وَمُطَاعٍ تَحْصُلُ بِهِ قُوَّةُ الشَّوْكَةِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّخَالُفُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute