بِرِدَّتِهِ، أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَلَا، وَمَثَّلَ النَّاظِمُ لِلْفِعْلِ الصَّرِيحِ بِقَوْلِهِ: (كَالْإِلْقَاءِ لِلْمُصْحَفِ الْعَزِيزِ فِي الْقَاذُورَهْ، وَسَجْدَةٍ لِكَوْكَبٍ، وَصُورَهْ) مِنْ صَنَمٍ، وَنَحْوِهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِالشَّمْسِ، وَالصَّنَمِ، وَمَثَّلَ لِلتَّكَلُّمِ الصَّرِيحِ بِقَوْلِهِ: (وَجَحْدِهِ لِمُجْمَعِ) عَلَيْهِ كَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَاوِي تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، وَزَادَ عَلَيْهِ النَّاظِمُ قَوْلَهُ (مَا خَفِيَا) تَبَعًا لِاعْتِرَاضِ النَّوَوِيِّ عَلَى الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَالزِّنَا، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَقِدَمِ الصَّانِعِ بِخِلَافِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِلْعُذْرِ، بَلْ يُعَرَّفُ الصَّوَابَ لِيَعْتَقِدَهُ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي إنْ أَرَادَ النَّوَوِيُّ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَكْفُرُ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا عَرَفَهُ، وَجَحَدَهُ كَفَرَ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْجَحْدَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ، بَلْ لَوْ أَنْكَرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ خَفِيًّا كَانَ جَحْدُهُ مِنْ الْعَالِمِ بِهِ لَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَلَيْسَ لِقَوْلِهِ: فَلَا يَكْفُرُ لِلْعُذْرِ إلَى آخِرِهِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَارِفَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ. اهـ.
وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا عَرَفَ مَعَ الْحُكْمِ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَفَ الْحُكْمَ فَقَطْ لَا يَكْفُرُ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ قَالَ: وَكَيْفَ نُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ، وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ، وَأُوِّلَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا، ثُمَّ حَلَّلَهُ فَإِنَّهُ رَدٌّ لِلشَّرْعِ حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشُّرْبِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ، أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ لَا نُكَفِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ، بَلْ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْإِجْمَاعُ، وَالنَّصُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ حَدِيثِ «التَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ كَافِرٌ، وَقَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ بِالْهَيِّنِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ إنْ صَحِبَهَا التَّوَاتُرُ كَالصَّلَاةِ كُفِّرَ مُنْكِرُهَا لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا التَّوَاتُرُ لَمْ يُكَفَّرْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ: وَعَلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي عَدُّ جَحْدِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَلَا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ:، وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ. اهـ. قِيلَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَسِيرِ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا لَهُ عُذِرَ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْقَاضِي، وَالدَّاخِلُ لَهَا لِنَحْوِ تِجَارَةٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ (قَوْلُهُ: فِي الْقَاذُورَةِ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْقَاذُورَةِ النَّجَاسَةُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مُسْتَقْذَرٍ كَالْبُصَاقِ، وَالْمُخَاطِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِقَوْلِهِ إلَخْ.) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ كَوْنُهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخْفَى، وَإِنْ عُلِمَ بِالْفِعْلِ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: بَلْ يُعَرَّفُ الصَّوَابَ أَيْ: إنْ جَهِلَهُ (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ إلَخْ.) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَحَدَ يَكْفُرُ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ، وَلَا يُسَلِّمُهُ لِاشْتِرَاطِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدَّيْنِ بِالضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِمُجَرَّدِ عِلْمِ الشَّخْصِ بِأَنَّ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى بِرّ
(قَوْلُهُ: وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ) أَيْ: بِأَنْ يَقُولَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِرّ (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ) لَعَلَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَا ثَبَتَ (قَوْلُهُ: إنْ صَحِبَهَا تَوَاتُرٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّين بِالضَّرُورَةِ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: لِمُجْمَعٍ) مِثْلُهُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. اهـ. طب. اهـ. سم (قَوْلُهُ: مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ) ، وَهُوَ مَا يَعْرِفُهُ مِنْهُ الْخَوَاصُّ، وَالْعَوَامُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ التَّشْكِيكِ فَالْتَحَقَ بِالضَّرُورِيَّاتِ. اهـ. شَرْحُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الْمَشْهُورُ بَيْنَ النَّاسِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ كَحِلِّ الْبَيْعِ جَاحِدُهُ كَافِرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا لِجَوَازِ أَنْ يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى إلَخْ.) أَيْ: بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ ظَاهِرًا لَكِنْ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا جَحَدَهُ حَقِيقَةً عُذِرَ بَاطِنًا هَذَا حَاصِلٌ مَا فِي م ر وع ش عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُمَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ إلَخْ.) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. مِنْ حَوَاشِي م ر (قَوْلُهُ: بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ) حَاصِلُهُ أَنَّ جَحْدَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ كُفْرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إذَا عَرَفَ مَعَ الْحُكْمِ إلَخْ.) هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يُفِيدُ، بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَعِبَارَةُ الْهِنْدِيِّ فِي النِّهَايَةِ جَاحِدُ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَنَحْوِهَا يَكْفُرُ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، بَلْ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ؛ لِأَنَّ جَاحِدَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ لَا يَكْفُرُ وِفَاقًا. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا إذَا صُدِّقَ إلَخْ.) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ إلَخْ)
الْجَوَابُ الْأَوَّلُ جَوَابُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي التَّكْفِيرِ كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا، وَهَذَا جَوَابُ مَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ كَذَا قَالَهُ حَجَرٌ فِي بَابِ الْأَشْرِبَةِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً) أَيْ: لِتَوَاتُرِ ثُبُوتِهِ عَنْ الشَّارِعِ بِحَيْثُ صَارَ كَالضَّرُورِيِّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْبَغِي إلَخْ.) يُرَدُّ بِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَعَدُّهُ وَاضِحٌ، أَوْ بِكَلَامِ النَّوَوِيِّ فَالتَّكْفِيرُ لَمْ يَأْتِ مِنْ مُطْلَقِ الْجَحْدِ بَلْ مِنْ جَحْدِ الضَّرُورِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute