الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ. اهـ.
وَعَلَى عَدِّهِ فِيهَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ بِلَا تَأْوِيلٍ لِيَخْرُجَ الْبُغَاةُ، وَالْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا وُجُوبَ الزَّكَاةِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّأْوِيلِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ (مَثَّلَهُ) أَيْ: مَثَّلَ الْحَاوِي الِارْتِدَادَ أَيْضًا (بِقَذْفِ بَعْضِ الْأَنْبِيَا) صَرِيحًا، أَوْ تَعْرِيضًا، وَمِثْلُهُ سَائِرُ أَنْوَاعِ السَّبِّ كَالِاسْتِخْفَافِ (لَكِنْ مَتَى أَسْلَمَ) قَاذِفُ النَّبِيِّ (يَسْلَمْ) مِنْ الْقَتْلِ، وَغَيْرِهِ كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ كَمَا نَقَلَ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) الْمَرْوَزِيِّ، وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي، وَجِيزِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُقْرِي عَنْ الْأَصْحَابِ وَ (قَالَ) أَبُو بَكْرٍ (الْفَارِسِيُّ مَذْهَبِي) قَاضٍ (بِأَنَّ هَذَا) أَيْ: مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ قَذْفِهِ النَّبِيَّ (مُسْلِمٌ) لَكِنَّهُ (يُقْتَلُ حَدْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ قَذْفِ النَّبِيِّ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَادَّعَى فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَوَافَقَهُ الْقَفَّالُ، وَصَوَّبَهُ الدَّمِيرِيِّ (وَ) قَالَ (الصَّيْدَلَانِيُّ) هُوَ مُسْلِمٌ لَكِنْ (ثَمَانِينَ جُلِدْ) أَيْ: جَلَدَهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ ارْتَفَعَتْ بِإِسْلَامِهِ، وَبَقِيَ جَلْدُهُ فَعَلَيْهِ لَوْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ بَنِي أَعْمَامِ النَّبِيِّ فَفِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، وَقَوْلُ النَّظْمِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ
(وَيُقْبَلُ التَّوْبُ) أَيْ: تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ أَيْ: إسْلَامُهُ (وَلَوْ) كَانَ (زِنْدِيقَا) يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ، أَوْ سَكْرَانَ، أَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ» ، وَيُعَزَّرُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ لِزِيَادَةِ تَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ
(وَتَجِبُ اسْتِتَابَةٌ) لِلْمُرْتَدِّ قَبْلَ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ، وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَالُ (تَضْيِيقَا) أَيْ: فَوْرًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» لَكِنْ لَا يُقْتَلُ فِي جُنُونِهِ، أَوْ سُكْرِهِ فَرُبَّمَا رَجَعَ فَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ فَمُسِيءٌ يُعَزَّرُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ تَوْبَةُ السَّكْرَانِ إلَى إفَاقَتِهِ.
(وَلَمْ يُنَاظَرْ) أَيْ: الْمُرْتَدُّ فِيمَا لَوْ قَالَ عَرَضَتْ لِي شُبْهَةٌ فَنَاظِرُونِي (وَلْيُسْلِمْ) أَوَّلًا (وَيُحَلْ) بَعْدَهُ (رَيْبٌ) أَيْ: شُبْهَتُهُ إذْ الشُّبْهَةُ لَا تَنْحَصِرُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَفِي، وَجْهٍ يُنَاظَرُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّيْفِ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَاسْتَبْعَدَ الْخِلَافَ كَذَا فِي الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ عَكْسُ ذَلِكَ فَجَعَلَ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْمُنَاظَرَةَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ النَّصِّ عَدَمُهَا، وَفِيهَا كَأَصْلِهَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَوْ قَالَ أَنَا جَائِعٌ فَأَطْعِمُونِي، ثُمَّ نَاظِرُونِي، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَشْغُولًا بِأَهَمَّ مِنْهُ أُخِّرَ، وَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِإِحْدَاهُمَا، وَيَكْفِيَانِ مِمَّنْ يُنْكِرُ الرِّسَالَةَ إلَّا مَنْ خَصَّهَا بِالْعَرَبِ، فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَقُولَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، وَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ بِجُحُودِ فَرْضٍ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مُحَرَّمٍ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيَرْجِعَ عَمَّا اعْتَقَدَهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْتَحَنَ عِنْدَ إسْلَامِهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْبَعْثِ، وَفِي مِنْهَاجِ الْحَلِيمِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ، أَوْ سِوَى اللَّهِ، أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ، أَوْ مَا مِنْ إلَهٍ إلَّا اللَّهُ، أَوْ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ، أَوْ لَا رَحْمَانَ إلَّا اللَّهُ، أَوْ لَا إلَهَ إلَّا الْبَارِئُ، أَوْ لَا بَارِئَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: مِنْ الْقَتْلِ، وَغَيْرِهِ) شَامِلٌ لِحَدِّ الْقَذْفِ، وَقَدْ يُقَالُ: هَلَّا حُدَّ بِطَلَبِ الْوَارِثِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُوَرَّثُونَ (قَوْلُهُ: حَدِّ الْقَذْفِ) قَدْ تَقَرَّرَ فِي حَدِّ قَذْفِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ، فَلِلْبَاقِي كُلُّهُ، فَمَا الْفَرْقُ حَتَّى أَطْلَقَ الْإِمَامُ احْتِمَالَيْنِ (قَوْلُهُ: احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ) أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ م ر
(قَوْلُهُ: أَوْ سَكْرَانَ) أَيْ: تَعَدِّيًا
(قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يُقْتَلُ إلَخْ.) صَرِيحُ الصَّنِيعِ فَرْضُ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضِ:، وَشَرْحِهِ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ سُكْرِهِ) شَامِلٌ لِمَنْ ارْتَدَّ صَاحِيًا، وَلِمَنْ ارْتَدَّ سَكْرَانَ بِأَنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ نَاظِرُونِي) وَقُلْنَا بِتَقْدِيمِ الْمُنَاظَرَةِ، أَوْ بِتَأْخِيرِهَا، وَأَسْلَمَ كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ: (قَوْلُهُ: وَفِي مِنْهَاجِ الْحَلِيمِيِّ إلَخْ)
الْمُعْتَمَدُ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْمُسْتَلْزِمِ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ إنْ جَحَدَهُ ارْتَدَّ. اهـ. حَجَرٌ كَذَا فِي تَقْرِيرِ الْمَنْهَجِ لِلْمَرْصَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ ضَرُورَةٌ بِسَبَبِ التَّوَاتُرِ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ الْإِجْمَاعَ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فَتَدَبَّرْ. نَعَمْ أَجَابَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ بِأَنَّ وَجْهَ عَدِّ جَحْدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ كَوْنُ الْغَالِبِ عَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ التَّوَاتُرَ، وَعِلْمُهُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ:، وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ) اعْتَمَدَهُ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَكَأَنَّهُ لَا يُجَابُ قَذْفُهُ أَعْظَمُ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْقَتْلُ إنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ يُوجِبْ الْأَدْوَنَ، وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ، أَوْ لِكَوْنِ النَّبِيِّ مَعْصُومًا لَا يُؤَثِّرُ قَذْفُهُ عَارًا (قَوْلُهُ: وَبَقِيَ إلَخْ.) جَزَمَ بِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسْلِمْ يُجْلَدُ ثُمَّ يُقْتَلُ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ إلَخْ.) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: الْأَوْلَى اسْتِتَابَتُهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فِيهِ، ثُمَّ بَعْدَ إفَاقَتِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهَا فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَجِبْ إلَّا بَعْدَ إفَاقَتِهِ. اهـ.
وَكَلَامُهُمْ هُنَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَدُّ بِأَقْوَالِهِ كَالصَّاحِي، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَمْيِيزٌ
(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْقَوْلِ إلَخْ.) ، وَفِي التُّحْفَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ النَّجَاةِ فِي الْآخِرَةِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ، وَأَمَّا النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ» ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ