للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْضًا (لِلذِّمِّيِّ) أَيْ: لِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَلِزِنَاهُ بِالذِّمِّيَّةِ (إنْ تَرَافَعَا) إلَيْنَا، وَلَوْ بِرَفْعِ أَحَدِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الرِّضَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَمَا فِي التَّهْذِيبِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا إذَا أَلْزَمْنَا حَاكِمَنَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ لَا يُنَافِي ذَلِكَ.

(لَا لِمُعَاهَدٍ) ، أَوْ مُسْتَأْمَنٍ كَمَا يُفْهَمُ بِالْأُولَى (هُنَاكَ) أَيْ: فِي الزِّنَا (وَهُنَا) أَيْ: فِي السَّرِقَةِ أَيْ: لَا يُحَدُّ، وَلَا يُقْطَعُ لِأَجْلِهِ الْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ كَعَكْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَلَا يُقْطَعُ لِأَجْلِهِمَا، وَإِنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِسَرِقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ كَالْحَرْبِيِّ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُحَدُّ بِالزِّنَا لِلْمُعَاهَدِ يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ، وَطِئَ حَرْبِيَّةً لَا بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ حُدَّ، فَإِنْ قَيَّدَ مَا هُنَا بِالذِّمِّيِّ حَيْثُ لَا تَرَافُعَ، فَلَا مُخَالَفَةَ

، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ السَّارِقُ (بِطَلَبِ الْمَالِكِ) مِنْهُ مَا سَرَقَهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ، وَمَالِكُهُ غَائِبٌ انْتَظَرَ حُضُورَهُ، وَطَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْمَالَ (إلَّا فِي الزِّنَا) بِأَمَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ مَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ حَضَرَ، وَقَالَ: أَبَحْتهَا لَهُ، أَوْ قَالَ: بِعْتهَا، أَوْ، وَهَبْتهَا مِنْهُ فَأَنْكَرَ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ حَدُّ الزِّنَا (وَسُمِعَتْ شَهَادَةٌ) عَلَى السَّرِقَةِ حِسْبَةً، وَلَوْ (بِغَيْبَتِهْ) أَيْ: الْمَالِكِ تَغْلِيبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِطَلَبِهِ مَالَهُ كَمَا مَرَّ (ثُمَّ لْتُعَدْ) أَيْ: الشَّهَادَةُ إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ (لِمَالِهِ) أَيْ: لِثُبُوتِهِ لَا لِثُبُوتِ الْقَطْعِ (بِحَضْرَتِهْ) بَعْدَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ لَا تُقْبَلُ فِي الْمَالِ فَيُقْطَعُ بَعْدَ حُضُورِهِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّا قَدْ سَمِعْنَاهَا أَوَّلًا، وَإِنَّمَا انْتَظَرْنَا لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ مُسْقِطٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ (وَمَالُهُ يَثْبُتُ بِاَلَّتِي تُرَدْ) أَيْ: بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ (عَلَيْهِ مِنْ دُونِ ثُبُوتِ قَطْعِ يَدْ) ، أَوْ رِجْلٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَكْرَهَ فُلَانٌ أَمَتِي عَلَى الزِّنَا فَأَنْكَرَ، وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَهْرُ دُونَ حَدِّ الزِّنَا، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُقْطَعُ، وَهَذَا قَدْ أَنْكَرَ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فِي الدَّعَاوَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ قَطْعُ السَّارِقِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ إقْرَارُهُ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ كَأَصْلَيْهِمَا هُنَا ثُبُوتَ الْقَطْعِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيِّنَةِ، أَوْ كَالْإِقْرَارِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقْطَعُ بِهِ

، وَيَجُوزُ (لِلْحَاكِمِ التَّعْرِيضُ) بِالْجَحْدِ لِمَنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَةً مِنْ سَرِقَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا حَيْثُ (يَرْجُو) قَبُولَ جَحْدِهِ (لَوْ نَطَقْ بِجَحْدِهِ) لِخَبَرِ مَاعِزٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ الزِّنَا، وَسَتْرًا لِلْقَبِيحِ فَقَوْلُهُ بِجَحْدِهِ تَنَازَعَهُ التَّعْرِيضُ، وَنَطَقَ (كَمَا إخَالُهُ سَرَقْ) أَيْ: وَالتَّعْرِيضُ كَقَوْلِهِ: مَا إخَالُك أَيْ: مَا أَظُنُّك سَرَقْت، أَوْ رُبَّمَا غَصَبْت، أَوْ أَخَذْته بِإِذْنِ الْمَالِكِ (قُلْتُ لِجَاهِلٍ قَرِيبًا أَسْلَمَا، أَوْ نُشُوِّ بَدْوٍ نَازِحٍ عَنْ عُلَمَا) مِنْ نَزَحْت الدَّارَ نُزُوحًا إذَا بَعُدَتْ أَيْ: قُلْتُ إنَّمَا يَعْرِضُ بِذَلِكَ لِجَاهِلٍ بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِأَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ يَرْجُو لَوْ نَطَقَ مَا إذَا لَمْ يَرْجُ قَبُولَ جَحْدِهِ كَأَنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَقَّ آدَمِيٍّ مِنْ عُقُوبَةٍ، وَغَيْرِهَا، فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِجَحْدِهِ حَتَّى لَا يُعَرِّضُ فِي السَّرِقَةِ بِمَا يُسْقِطُ الْغُرْمَ، وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي دَفْعِ الْقَطْعِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يُغْنِي عَنْهَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: (كَذَاك) لَهُ التَّعْرِيضُ (فِي الزِّنَا، وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ) بِجَحْدِهِمَا كَقَوْلِهِ: فِي الزِّنَا لَعَلَّك فَاخَذْتَ، أَوْ لَمَسْت، أَوْ قَبَّلْت، وَفِي الشُّرْبِ لَعَلَّك لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْته مُسْكِرٌ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: لِلْحَاكِمِ التَّعْرِيضُ بِالْجَحْدِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصْرِيحُ بِهِ، وَأَنَّ التَّعْرِيضَ بِهِ لَيْسَ مَنْدُوبًا؛ لِأَنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ (وَلَمْ يَجُزْ) لِلْحَاكِمِ (تَعْرِيضُهُ إنْ تَظْهَرْ) أَيْ: الْمَذْكُورَاتُ مِنْ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَالشُّرْبِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ قَيَّدَ مَا هُنَا إلَخْ.) كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّقْيِيدُ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا لِمُعَاهَدٍ مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِلذِّمِّيِّ إنْ تَرَافَعَا الْمُفِيدُ أَنَّ الذِّمِّيَّ عِنْدَ عَدَمِ التَّرَافُعِ لَا يُقْطَعُ، فَيَلْزَمُ هَذَا كَمَا تَرَى اتِّحَادَ الْمُخْرَجِ، وَالْمُخْرَجِ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُرُلُّسِيِّ، وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا لِمُعَاهَدٍ لَيْسَ مُخْرَجًا مِنْ قَوْلِهِ: لِلذِّمِّيِّ، بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ يُقْطَعُ، وَيُحَدُّ الذِّمِّيُّ لِلذِّمِّيِّ إنْ تَرَافَعَا لَا لِلْمُعَاهَدِ إنْ لَمْ يَتَرَافَعَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الِاتِّحَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ

(قَوْلُهُ: فَأَنْكَرَ) يَنْبَغِي رُجُوعُهُ لِصُورَةِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِإِعَادَةِ قَالَ: إذْ لَا فَرْقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ السُّقُوطِ فِي صُورَةِ الْإِبَاحَةِ بَيْنَ الْإِنْكَارِ، وَعَدَمِهِ إذْ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِالْإِبَاحَةِ مَعَ جَهْلِ التَّحْرِيمِ مَعَهَا، وَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ رُجُوعُ التَّقْيِيدِ بِالْإِنْكَارِ لَهَا أَيْضًا، فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الرَّوْضِ:، وَهِيَ، وَكَذَا أَيْ: لَا تَسْقُطُ إنْ قَالَ: أَبَحْتهَا، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الشَّهَادَةِ) لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ مَالَهُ كَمَا تَقَرَّرَ

(قَوْلُهُ: أَسْلَمَا) ضَبَّبَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: قَرِيبًا، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ صِفَةُ جَاهِلٍ، وَقَوْلُهُ، أَوْ نُشُوِّ بَدْوٍ صِفَةٌ أُخْرَى لِجَاهِلٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ صِفَةً مُشَبَّهَةً، فَوَاضِحٌ، أَوْ مَصْدَرًا، فَعَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: ذُو نُشُوٍّ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ) أَيْ: قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: إنْ تَرَافَعَا) هَذَا قَيْدٌ فِي قَطْعِ الذِّمِّيِّ، أَوْ حَدِّهِ لِلذِّمِّيِّ، أَمَّا لِلْمُسْلِمِ، فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى التَّرَافُعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الرِّضَا) أَيْ: بِحُكْمِنَا فَالْمَدَارُ عَلَى التَّرَافُعِ فَقَطْ

(قَوْلُهُ: فَيُقْطَعُ بَعْدَ حُضُورِهِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: لَا لِثُبُوتِ الْقَطْعِ أَيْ: يُقْطَعُ بَعْدَ حُضُورِهِ، وَطَلَبِهِ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الشَّهَادَةِ، وَثُبُوتِ الْمَالِ عَمَلًا بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ) ، وَلَا يُنْدَبُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ واعْتَمَدَهُ زي، وَقَدْ مَرَّ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ) ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الرُّجُوعُ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَرُمَ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلًا عَلَى مُحَرَّمٍ فَهُوَ كَتَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ التَّصْرِيحُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْكَذِبِ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ، وَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَالَ اُغْتُفِرَ تَضَمُّنُ التَّعْرِيضِ لِذَلِكَ الْأَمْرِ لِلتَّشَوُّفِ لِدَرْءِ الْحَدِّ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>