نَعَمْ حَكَيَا الْأَوَّلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، ثُمَّ قَالَا، وَيُنْسَبُ إلَى النَّصِّ
(وَعَزَّرَ الْإِمَامُ رِدْءًا) أَيْ: عَوْنًا لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ (يُرْعِبُ) الرُّفْقَةُ أَيْ: يُخَوِّفُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَخْذِ نِصَابٍ، وَلَا قَتْلٍ حَالَةَ كَوْنِ الْإِمَامِ (مُجْتَهِدًا) فِي تَعْزِيرِهِ بِحَبْسٍ، أَوْ تَغْرِيبٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي سَائِرِ الْجَرَائِمِ، وَلَا يَحُدُّهُ كَمَا فِي مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأُولَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِرْعَابِ (وَشُرِّدُوا) أَيْ: قُطَّاعُ الطَّرِيقِ بِاتِّبَاعِهِمْ (إنْ هَرَبُوا) لِتَنْحَلَّ شَوْكَتُهُمْ، وَمَنْ ظَفِرْنَا بِهِ مِنْهُمْ أَقَمْنَا عَلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ الْمَعْنَى أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قُتِلُوا، أَوْ يُصْلَبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا، وَأَخَذُوا الْمَالَ، أَوْ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ، وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمْلُ كَلِمَةِ، أَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: ١٣٥] أَيْ: قَالَتْ: الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا، وَقَالَتْ: النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى إذْ لَمْ يُخَيَّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ.
(وَقَطْعُهُ) ، وَتَعْزِيرُهُ (وَقَتْلُهُ الْحَتْمُ فَقَطْ إنْ تَابَ قَبْلَ ظَفْرٍ بِهِ سَقَطْ) كُلٌّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: ٣٤] الْآيَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَابَ بَعْدَهُ لِمَفْهُومِهَا، وَلِتُهْمَةِ الْخَوْفِ وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ سَائِرُ الْحُدُودِ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَلَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْإِصْرَارُ عَلَى التَّرْكِ لَا التَّرْكُ الْمَاضِي، وَكَالْقَتْلِ فِيمَا ذُكِرَ الصَّلْبُ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ لَكِنْ زِيَادَتُهُ فَقَطْ قَدْ تُوهِمُ إخْرَاجَهُ فَلَوْ تَرَكَهَا كَانَ، أَوْلَى لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ مَا يُرَادُ إخْرَاجُهُ بِهَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَا الْقِصَاصُ سَاقِطَا) بِالتَّوْبَةِ (وَالْمَغْرَمُ) أَيْ: وَلَا الْغُرْمِ لِلْمَالِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي قَتْلِهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ (وَغَيْرَ قَتْلٍ) مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ عَلَى شَخْصٍ (فَرَّقُوا) فَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدُّ قَذْفٍ، وَقَطْعٍ، أَوْ حَدُّ قَذْفٍ لِاثْنَيْنِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يَمُوتَ بِالْمُوَالَاةِ، أَمَّا الْقَتْلُ فَيُوَالِي بَيْنَهُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ (وَقَدَّمُوا) غَيْرَ الْقَتْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَتْلُ لِيَحْصُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقٌّ غَيْرَهُ حَقَّهُ تَعَذَّرَ الْقَتْلُ، وَعَلَى مُسْتَحِقِّهِ الصَّبْرُ لِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَلَوْ مُكِّنَ مِنْهُ، وَقِيلَ لِمُسْتَحِقٍّ غَيْرَهُ بَادِرْ، وَإِلَّا ضَاعَ حَقُّك لَمْ يَبْعُدْ لَكِنْ لَا صَائِرَ إلَيْهِ فَلَوْ بَادَرَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَتُهُ (فَلِلْعِبَادِ) أَيْ: فَإِنْ كَانَ فِي الْعُقُوبَاتِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقُّ الْعِبَادِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْقَتْلُ قَدَّمُوا مِنْهَا مَا لِلْعِبَادِ عَلَى مَا لِلَّهِ، وَإِنْ كَانَ مَا لِلَّهِ أَخَفَّ لِبِنَاءِ حَقِّهِمْ عَلَى الضِّيقِ فَيُقَدَّمُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ، وَالزِّنَا، وَيُقَدَّمُ قَتْلُ الْقِصَاصِ عَلَى قَتْلِ الزِّنَا
(فَالْأَخَفَّ مَوْقِفَا) أَيْ: فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْعِبَادِ قَدَّمُوا الْأَخَفَّ فَالْأَخَفَّ، وَقْعًا فَيُقَدَّمُ حَدُّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الزِّنَا، وَحَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَطْعِ قِصَاصًا (فَالْأَسْبَقَ الْأَسْبَقَ) أَيْ: فَإِنْ اسْتَوَتْ خِفَّةً، وَغِلَظًا كَقَتْلِ جَمَاعَةٍ، أَوْ قَذْفِهِمْ عَلَى التَّرْتِيبِ قَدَّمُوا الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ، وَلِلْبَاقِينَ فِيمَا فِيهِ دِيَةٌ الدِّيَةُ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ أَسْبَقَ مُعَيَّنًا بِأَنْ، وَقَعَتْ مَعًا، أَوْ شَكَّ فِي الْمَعِيَّةِ، أَوْ عُلِمَ سَبْقٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ السَّابِقِ (أَقْرَعَا) وُجُوبًا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ اسْتَوْفَى لَهُ، وَدِيَةُ الْبَاقِينَ فِي الْقَتْلِ فِي ذِمَّةِ الْقَاتِلِ (وَلَوْ) كَانَ (رَقِيقًا) كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ، وَلَوْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بِلَا شُبْهَةٍ مِنْ حِرْزٍ. اهـ. فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ السَّرِقَةِ جَمِيعِهَا، وَمِنْهَا طَلَبُ الْمِلْكِ م ر
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى، وَقَالُوا إلَخْ.) تَنْظِيرٌ لِلتَّنْوِيعِ.
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ: وَلَا بُدَّ فِي كَوْنِ ذَلِكَ مُرَادًا فِي الْآيَةِ مِنْ كَوْنِهِ تَوْقِيفًا
(قَوْلُهُ: وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ) شَامِلٌ لِلْمُخْتَصِّ مِنْهَا بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَحَدِّ زِنًا، وَسَرِقَةٍ، وَشُرْبِ مُسْكِرٍ، وَمَحِلُّهُ فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَحَيْثُ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ سَقَطَ بِهَا سَائِرُ الْحُدُودِ قَطْعًا. اهـ.
شَرْحُ م ر عَلَى ج (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا صَائِرَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ تَأْخِيرِ مُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ لَا إلَى غَايَةٍ فَيُفَوِّتُ الْقَتْلَ غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهِ إذْ مَبْنَى الْقَوَدِ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ مَا أَمْكَنَ. اهـ. شَرْحُ م ر عَلَى ج (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ إلَخْ.) إشَارَةٌ إلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مُقَدَّمٌ مُطْلَقًا إنْ لَمْ يُفَوِّتْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كَانَا قَتْلًا، أَوْ قَطْعًا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّهُ لِلْأَغْلَبِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. اهـ. وَمُرَادُهُ بِمَا يَأْتِي مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ قَطْعُ سَرِقَةٍ، وَقَطْعُ مُحَارَبَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لَهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ قَطْعًا إذْ الْمُغَلَّبُ فِي الْمُحَارَبَةِ الْقَوَدُ، وَرِجْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ. اهـ. لَا تَقْدِيمَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ مَعَ عَدَمِ تَفْوِيتِ حَقِّ اللَّهِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَتْ إلَخْ.) مَا صُورَةُ الِاسْتِوَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فَكَقَذْفِ اثْنَيْنِ سم عَلَى حَجّ ع ش (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَتْ خِفَّةً إلَخْ.) ظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ، وَلَوْ كَانَ حَقَّيْنِ لِلَّهِ لَكِنْ فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ قَتْلُ زِنًا، وَقَتْلُ رِدَّةٍ عَمِلَ الْإِمَامُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي أَيِّهِمَا يُقَدَّمُ لِاسْتِوَائِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute