للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ: لِشُرْبِهِ (الْحَنَفِيّ) ، وَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ، وَلِأَنَّ الطَّبْعَ يَدْعُو إلَيْهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، وَبِهَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ فَارَقَ ذَلِكَ عَدَمَ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ بِلَا، وَلِيٍّ، وَمَعَ حَدِّهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْحَدِّ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ، وَفِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِعَقِيدَةِ الشَّاهِدِ، وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً، وَوَطِئَهَا بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَزْنِي بِهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَسَقَ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ، وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقَيَّدَ بِالنَّبِيذِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا الْخَمْرُ فَيُحَدُّ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ تَدَاوِيًا لَا يُحَدُّ لِاجْتِمَاعِ شُبْهَتَيْ اعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ، وَالتَّدَاوِي (بِالسَّوْطِ) أَيْ: يَضْرِبُهُ بِالسَّوْطِ (أَرْبَعِينَ) ضَرْبَةً فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ» ، وَفِيهِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ» ، وَهَذَا فِي الْحُرِّ، أَمَّا غَيْرُهُ فَعَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ كَنَظَائِرِهِ (بِاعْتِدَالِ) أَيْ: حَالَةَ كَوْنِ السَّوْطِ مُعْتَدِلًا فِي حَجْمِهِ، فَيَكُونُ بَيْنَ الْقَضِيبِ، وَالْعَصَا، وَفِي صِفَتِهِ، فَلَا يَكُونُ رَطْبًا، فَيَشُقُّ الْجَلْدَ بِثِقَلِهِ، وَلَا شَدِيدَ الْيُبُوسَةِ، فَلَا يُؤْلِمُ، وَفِي خَبَرٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ مَالِكٌ «الْأَمْرُ بِسَوْطٍ بَيْنَ الْخَلِقِ، وَالْجَدِيدِ» (أَوْ خَشَبٍ) أَيْ: أَوْ يَضْرِبُهُ أَرْبَعِينَ بِخَشَبَةٍ مُعْتَدِلَةٍ فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: بِاعْتِدَالٍ عَنْ الْخَشَبِ، أَوْ قَدَّمَهُ عَلَى السَّوْطِ كَانَ، أَوْلَى (وَلَا) بِالْقَصْرِ لِلْوَزْنِ، فَلَا يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى الْأَيَّامِ، وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الزَّاجِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ عَدَدًا فَفَرَّقَهُ عَلَى الْأَيَّامِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ هُنَاكَ مُوجِبُ اللَّفْظِ، وَفِي الْحُدُودِ الزَّجْرُ، وَالتَّنْكِيلُ فَلَوْ حَصَلَ مَعَ التَّفْرِيقِ هُنَا إيلَامٌ قَالَ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مَا يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى، وَإِلَّا، فَلَا (وَ) لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ أَرْبَعِينَ (بِالنِّعَالِ) ، وَالْأَيْدِي (وَطَرَفِ الثَّوْبِ) فَفِي الْبُخَارِيِّ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» ، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي، وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ ضَرْبًا (قَرِيبًا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ، أَوْ الْخَشَبَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ، وَلَا عَنْ جَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ كَانَ، أَوْلَى.

(قَدْ قَامَ، وَالْأُنْثَى جَلَسَتْ) أَيْ: يَضْرِبُ الْإِمَامُ الذَّكَرَ قَائِمًا، وَالْأُنْثَى جَالِسَةً فَلَوْ عَكَسَ أَسَاءَ، وَأَجْزَأَهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَغَيُّرُ حَالٍ لَا زِيَادَةُ ضَرْبٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (مِنْ غَيْر مَدْ) لَهُمَا هَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ (مَلْفُوفَةً) أَيْ: الْأُنْثَى (بِالثَّوْبِ) حَذَرًا مِنْ تَكَشُّفِهَا، وَيَتَوَلَّى اللَّفَّ امْرَأَةٌ، أَوْ مَحْرَمٌ، أَوْ نَحْوُهُمَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى فِيمَا قَالَهُ، وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَحْدُودِ قَمِيصٌ، أَوْ قَمِيصَانِ لَا مَا يَدْفَعُ الْأَلَمَ كَالْفَرْوَةِ، وَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ (دُونَ رَفْعِ يَدْ مِنْ فَوْقِ رَأْسٍ) بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إبِطِهِ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ أَلَمُهُ، وَدُونَ أَنْ يَضَعَ السَّوْطَ عَلَيْهِ، وَضْعًا لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ (وَالْيَدَانِ) لَهُ (لَا تُشَدْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْهُمَا بَلْ يُتْرَكَانِ لِيَتَّقِيَ بِهِمَا الضَّرْبَ فَإِنْ، وَضَعَهُمَا، أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى مَوْضِعٍ عَدَلَ عَنْهُ إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ أَلَمِهِ بِالضَّرْبِ فِيهِ (فَرَّقَهُ فِي بَدَنٍ) أَيْ: وَيُفَرِّقُ الْإِمَامُ الضَّرْبَ عَلَى أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، وَلَا يَجْمَعُهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَيَجْتَنِبُ مَقْتَلَهُ) كَثُغْرَةِ نَحْرٍ، وَفَرْجٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ (وَالْوَجْهَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» ، وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ الرَّأْسَ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ، وَغَيْرِهِ غَالِبًا، فَلَا يَخَافُ تَشْوِيهَهُ بِخِلَافِ الْوَجْهِ، وَقِيلَ يُجْتَنَبُ؛ لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ، وَيُخَافُ مِنْهُ الْعَمَى، وَاخْتَارَهُ الْمَاسَرْجِسِيُّ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ إلَخْ.) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا قُلْنَا يُحَدُّ الشَّافِعِيُّ، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، فَلَا حَاجَةَ لِبَحْثِ هَذَا، وَالتَّعْبِيرُ فِيهِ بِالظَّاهِرِ، فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ: الْأَرْبَعُونَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْكَمَالُ فِي الْإِسْعَادِ مَعَ حِكَايَةِ الْقِصَّةِ بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِرّ (قَوْلُهُ: فَرَّقَهُ فِي بَدَنٍ) أَيْ: وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ح ج، وَقَوْلُهُ: وَيَجْتَنِبُ أَيْ: وُجُوبًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ ضَرْبُ الْمَقَاتِلِ، وَالْوَجْهِ ح ج

ــ

[حاشية الشربيني]

الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ) أَيْ: فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ، أَمَّا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ فَيَحْرُمُ إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجَرٌ وق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَأَوْرَدَ عَدَمَ حَدِّ الْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ بِجَامِعِ أَنَّ هَذَا مَعْذُورٌ بِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ تَقْلِيدًا لِمَنْ يُجَوِّزُ تَقْلِيدَهُ كَمَا أَنَّ ذَاكَ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، وَضَعْفُ أَدِلَّةِ هَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَنْ انْتِفَاءِ أَدِلَّةِ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْجَاهِلَ غَافِلٌ عَنْ الْمُعَارِضِ لِاعْتِقَادِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ، وَأَدِلَّتِهِ فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ، وَصُورَةِ الْمُعَانِدَةِ سم عَلَى حَجَرٍ، وَقَوْلُنَا فِيمَا مَرَّ عَنْ حَجّ فَيَحْرُمُ إجْمَاعًا أَيْ: لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ م ر كُفْرُ مُسْتَحِلِّهِ رَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَعُمَرُ ثَمَانِينَ) أَيْ بِاجْتِهَادِهِ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ النَّصَّ، وَقِيلَ إنَّ النَّصَّ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنْ كَانَ فِي مُسْلِمٍ رَاجِعْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>