للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا أَنْ يَكُونَ بَادِيَ الْعَوْرَةِ، وَخَرَجَ بِالثُّقْبَةِ أَيْ: الضَّيِّقَةِ مَا لَوْ نَظَرَ مِنْ كُوَّةٍ وَاسِعَةٍ، أَوْ بَابٍ مَفْتُوحٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ لِتَقْصِيرِهِ إلَّا أَنْ يُنْذِرَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَاتِحُ لِلْبَابِ هُوَ النَّاظِرُ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ رَبُّ الدَّارِ مِنْ غَلْقِهِ جَازَ الرَّمْيُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَالنَّظَرِ مِنْ الثُّقْبَةِ النَّظَرُ مِنْ سَطْحٍ، وَمَنَارَةٍ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْ رَبِّ الدَّارِ، وَبِقَوْلِهِ: إذْ لَا عُرْسَ، وَلَا مَحْرَمَ ثَمَّ مَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَمَّ ذَلِكَ، وَكَذَا مَتَاعٌ، فَلَا يَرْمِي لِشُبْهَةِ النَّظَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْرَمَةٌ مُجَرَّدَةٌ، فَيَرْمِي إذْ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ، وَبِالْحَصَاةِ، وَنَحْوِهَا مَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، أَوْ نُشَّابٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا، فَيَضْمَنُ إنْ أَمْكَنَ رَدْعُهُ بِنَحْوِ حَصَاةٍ، ثُمَّ مَحَلُّ رَمْيِهِ إذَا تَعَمَّدَ النَّظَرَ فَلَوْ نَظَرَ خَطَأً، أَوْ اتِّفَاقًا، وَعَلِمَ رَبُّ الدَّارِ الْحَالَ لَمْ يَرْمِهِ فَلَوْ رَمَاهُ فَقَالَ لَمْ أَقْصِدْ النَّظَرَ، أَوْ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ، فَلَا ضَمَانَ لِوُجُودِ الِاطِّلَاعِ، وَقَصْدُهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَهَذَا ذَهَابٌ إلَى تَجْوِيزِ الرَّمْيِ بِلَا تَحَقُّقِ قَصْدِهِ، قَالَا: وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِهِ، وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى وَأَيَّدَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّاظِرِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَنْظُرُنِي لَطَعَنْت بِهِ عَيْنَك»

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ غَالِبًا فِي الْخَبَرِ، وَالْفِقْهِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ (وَإِنْ عَمَى) أَيْ: يُدْفَعُ النَّاظِرُ، وَإِنْ عَمَى بِرَمْيِهِ (أَوْ) أُصِيبَ (حَوْلَ عَيْنٍ) لَهُ بِلَا قَصْدٍ (فَسَرَى) إلَى نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا ضَمَانَ بِذَلِكَ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِقُرْبِ الْخَطَأِ فِي الثَّانِي، وَخَرَجَ بِحَوْلِ الْعَيْنِ مَا بَعُدَ عَنْهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِبُعْدِ الْخَطَأِ مِنْهَا إلَيْهِ (وَقَبْلَهُ لِفَتْحِ بَابٍ أَنْذَرَا) أَيْ: وَأَنْذَرَ رَبُّ الدَّارِ عِنْدَ فَتْحِ بَابِهَا النَّاظِرَ مِنْهُ قَبْلَ رَمْيِهِ، فَلَا يَرْمِيهِ قَبْلَ إنْذَارِهِ لِتَفْرِيطِهِ فَعُلِمَ أَنَّ لَهُ مَعَ رَدِّ الْبَابِ أَنْ يَرْمِيَهُ قَبْلَ الْإِنْذَارِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ قَدْ يُفِيدُ، وَقَدْ لَا يُفِيدُ إمَامًا يُوثَقُ بِكَوْنِهِ دَافِعًا مِنْ تَخْوِيفٍ، وَزَعْقَةٍ مُزْعِجَةٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي وُجُوبِ الِابْتِدَاءِ بِهِ خِلَافٌ قَالَ الشَّيْخَانِ وَهَذَا أَحْسَنُ قَالَا كَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ وَضَعَ أَعْمَى عَيْنَهُ بِشِقِّ الْبَابِ فَرَمَاهُ ضَمِنَهُ، وَإِنْ جَهِلَ عَمَاهُ قَالَ الْمَرْوَزِيِّ، وَكَذَا بَصِيرٌ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِنَظَرِهِ.

(قُلْتُ وَ) سَاكِنِ الْمَكَانِ (إنْ يَغْصِبْهُ) مِنْ النَّاظِرِ (أَوْ يَسْتَعِرْ) ذَلِكَ (مِنْهُ، فَلَا) يَرْمِيهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاسَرْجِسِيُّ فِي الْغَاصِبِ، وَحَكَى فِي الْمُسْتَعِيرِ، وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَرْمِيهِ قَالَ: وَقَرَّبَهُ الْقَاضِي مِنْ السَّرِقَةِ، وَالصَّحِيحُ فِيهَا الْقَطْعُ، وَالْمَكَانُ الْمُسْتَأْجَرُ كَالْمَمْلُوكِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا عَنْ الْمَاسَرْجِسِيِّ (وَالسَّمْعُ دُونَ الْبَصَرِ) أَيْ: لَيْسَ كَالْبَصَرِ فِيمَا مَرَّ فَلَوْ أَلْقَى أُذُنَهُ بِشِقِّ الْبَابِ لِيَسْمَعَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْبَصَرِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ أَمْرُهُ بِالْخُرُوجِ، وَدَفْعُهُ كَمَا يَدْفَعُهُ عَنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَلَا يَدْفَعُهُ قَبْلَ إنْذَارِهِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ قَصْدُ رِجْلِهِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَهُ قَصْدُ عَيْنِهِ، وَالدَّفْعُ بِمَا تَيَسَّرَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ قَصْدُ عُضْوٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهِيمَةُ مِنْ زَرْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ: (، وَمُتْلِفُ الْبَهِيمَةِ الْمُسَرَّحَهْ) بِلَا رَاعٍ فِي مَرْعًى (جِوَارَ زَرْعٍ) لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا (وَالْمَرَاعِي فَسِحَهْ) أَيْ: مُتَّسِعَةٌ (أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ غَيْرُ فَسِحَةٍ يَضْمَنُهُ مُرْسِلُهَا لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِلَا رَاعٍ سَوَاءٌ الْمَالِكُ، وَالْمُودِعُ، وَالْأَجِيرُ، وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ حِفْظَهَا لَيْلًا، وَنَهَارًا بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَحَتْ بِنَفْسِهَا بِلَا تَقْصِيرٍ بِأَنْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ، أَوْ فَتَحَ اللِّصُّ الْبَابَ، أَوْ قَطَعَتْ الْحَبْلَ، أَوْ سَرَّحَهَا هُوَ فِي مَرْعًى بَعِيدٍ عَنْ الزَّرْعِ، فَلَا يَضْمَنُ مُتْلَفَهَا مِنْهُ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِهِ، وَكَذَا لَوْ قَصَّرَ لَكِنْ حَضَرَ مَالِكُ الزَّرْعِ، وَتَهَاوَنَ فِي دَفْعِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ، وَزَادَ النَّاظِمُ قَوْلَهُ: أَوْ لَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ اتِّسَاعَ الْمَرَاعِي قَيْدٌ، وَإِنْ عُرِفَ بِالتَّأَمُّلِ أَنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ مَعَ اتِّسَاعِهَا فَمَعَ ضِيقِهَا، أَوْلَى.

(وَ) مُتْلَفُهَا مِنْ زَرْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ (لَيْلًا) يَضْمَنُهُ مُرْسِلُهَا لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا بِخِلَافِ مُتْلَفُهَا نَهَارًا إنْ أَرْسَلَهَا فِي الصَّحْرَاءِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ عَلَى، وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ، وَنَحْوِهِ نَهَارًا، وَالدَّابَّةُ لَيْلًا فَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَلَدٍ بِالْعَكْسِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَلَدٍ بِحِفْظِهَا لَيْلًا، وَنَهَارًا ضَمِنَ مُتْلَفَهَا بِإِرْسَالِهَا مُطْلَقًا، أَمَّا لَوْ أَرْسَلَهَا

ــ

[حاشية العبادي]

عَلَيْهِ ثَمَّ أَيْ: إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِالِاسْتِغَاثَةِ لَهُ ضُرِبَ بِسِلَاحٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ بَادِيَ الْعَوْرَةِ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ بُدُوِّ الْعَوْرَةِ، وَاعْتِبَارِ كَوْنِ النَّاظِرِ مَمْنُوعًا مِنْ النَّظَرِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّاظِرُ امْرَأَةً، وَالْمَنْظُورُ امْرَأَةً مَسْتُورَةً مَا بَيْنَ السُّرَّةِ، وَالرُّكْبَةِ، فَلَا رَمْيَ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّاشِرِيِّ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ) نَعَمْ إنْ لَمْ يَجِدْ نَحْوَ الْحَصَاةِ جَازَ رَمْيُهُ بِمَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الصِّيَالِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ) لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَافَقَ عَلَى النَّظَرِ مِنْ الشِّقِّ لَكِنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مَعَ النَّظَرِ لَمْ يَرَ شَيْئًا، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ، أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ النَّظَرِ مِنْ الشِّقِّ، فَكَيْفَ يُهْدَرُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الرَّامِي، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاسَرْجِسِيُّ فِي الْغَاصِبِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لِحُرْمَةِ دُخُولِهِ لَهَا. اهـ. وَقَضِيَّتُهُ كَإِطْلَاقِ الْمَتْنِ عَدَمَ رَمْيِ الْأَجْنَبِيِّ النَّاظِرِ أَيْضًا

(قَوْلُهُ: أَوْلَى) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهَا إذَا اتَّسَعَتْ كَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ إبْعَادِهَا عَنْ الزَّرْعِ، فَتَسْرِيحُهَا بِجِوَارِهِ تَقْصِيرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاقَتْ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: فَلَوْ رَمَاهُ إلَخْ.) فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ أَنَّ حِلَّ الرَّمْيِ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِالْقَرِينَةِ الْقَوِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ نَظَرًا مُحَرَّمًا، وَأَمَّا إسْقَاطُ الضَّمَانِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اعْتِرَافِ النَّاظِرِ، أَوْ حَلِفِ الرَّامِي فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا لِأَنَّ الشَّارِعَ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ الْقَطْعِ لِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ كَذِبِهِمَا، أَوْ ظُهُورِهِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>