للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَشْحَنُ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِجَمَاعَةٍ يُكَافِئُونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ.

الثَّانِي: أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ دَارَ الْكُفْرِ غَازِيًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَيْشٍ يُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَصْلُحْ لِذَلِكَ (كَمَا تُزَارُ) أَيْ تُحْيَا (الْكَعْبَهْ) فَإِنَّ إحْيَاءَهَا بِالْحَجِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَالِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَالْحَجِّ لِحُصُولِ الْإِحْيَاءِ بِهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَجِّ إحْيَاءُ بِقَاعٍ أُخَرَ مِنْ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ فَكَانَ بِهِ إحْيَاؤُهَا (فَرْضٌ عَلَى كِفَايَةٍ) أَيْ الْجِهَادُ كُلُّ سَنَةٍ كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ وَقَوْلُهُ (كَالْحِسْبَهْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: كَالْقِيَامِ بِهَا فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ مُطْلَقًا كَالْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ وَ (مِثْلُ قِيَامِ الْحُجَجِ) أَيْ: الْقِيَامِ بِالْحُجَجِ (الْعِلْمِيَّهْ) كَإِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى صَحِيحِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَصِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَالْمُعَادِ، وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِالْحُجَجِ الْقَهْرِيَّةِ بِالسَّيْفِ (وَ) كَالْقِيَامِ (بِالْعُلُومِ إنْ تَكُنْ شَرْعِيَّهْ) بِأَنْ يَكُونَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّرِيعَةِ كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ وَأَسْمَاءِ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَوِفَاقِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا كَالْهَنْدَسَةِ وَالْهَيْئَةِ (وَ) كَالْقِيَامِ (بِالْفَتَاوَى) وَلَا يَكْفِي مُفْتٍ وَاحِدٌ لِلْإِقْلِيمِ لِعُسْرِ مُرَاجَعَتِهِ بَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَزِيدَ بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ (وَ) كَالْقِيَامِ (بِدَفْعِ الشَّكِّ) الْمُعَارِضِ فِي الِاعْتِقَادِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ مِثْلَ قِيَامِ الْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ (وَ) كَالْقِيَامِ بِدَفْعِ (الضُّرِّ عَنَّا) وَعَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ بِإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَسَتْرِ الْعَارِي وَغَيْرِهِمَا إذَا لَمْ تَفِ بِذَلِكَ الزَّكَوَاتُ وَبَيْتُ الْمَالِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُوسِرِينَ.

قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهَلْ يَكْفِي سَدُّ الضَّرُورَةِ أَمْ يَجِبُ تَمَامُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ فِيهِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمَا فِي الْأَطْعِمَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ (وَالْقَضَاءِ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ بِأَنْ يَقُومَ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ بِقَضَاءِ نَاحِيَتِهِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُنْصِفٍ (وَالْمِلْكِ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْمِلْكِ أَيْ: بِالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى الْحَامِيَةِ بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ بِأَمْرِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ (وَالْحَمْلِ وَالْأَدَاءِ لِشَاهِدٍ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَبِأَدَائِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا (وَفِي أَمْرٍ بِعُرْفٍ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُحَرَّمَاتِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، ثُمَّ حَكَى تَبَعًا لَهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَنَّ أَمْرَهُ بِهَا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَجْهَانِ وَزَادَ قُلْت الصَّحِيحُ وُجُوبُهُ وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَ شِعَارًا ظَاهِرًا. قَالَ الشَّارِحُ فِي تَحْرِيرِهِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ. اهـ.

وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ الثَّانِيَ مَحَلُّهُ فِي الْمُحْتَسِبِ

ــ

[حاشية العبادي]

صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ اجْتِمَاعِ الشَّيْئَيْنِ وَقَدْ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ فِي تَأْلِيفٍ لَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا تَخَلُّصَ مِنْهُ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: الْحُجَجِ) أَيْ: الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ: عَلَى أَقَلِّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ إقَامَةِ الْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ قَدْ لَا تُزِيلُ الشَّكَّ الْعَارِضَ لِغَيْرِ الْعَالِمِ بَلْ يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى التَّخَيُّلِ فِيهِ بِتَفَهُّمِ تِلْكَ الْحُجَجِ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ، وَبَيَانُ فَسَادِ تِلْكَ الشُّبَهِ الَّتِي أَوْرَثَتْ ذَلِكَ الشَّكَّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ أَوْجَهُ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) أَيْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ إنْ عَلِمَ فَرْضِيَّتَهُ، وَإِنْ غَيْرُهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَإِنْ بَعُدَ مَحَلُّهُ، أَوْ قَصَّرَ فِي الْبَحْثِ عَنْ فَرْضِيَّتِهِ أَوْ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ لِقُرْبِ مَحَلِّهِ مِنْهُ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي جَهْلِهِ بِهِ إذْ لَوْ بَحَثَ لَعَلِمَ. اهـ. حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ: كَالْحِسْبَةِ) قَالَ الشَّارِحُ الْعِرَاقِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مَخْصُوصًا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقَامُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ أَيْ: احْتِسَابِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ وَظِيفَةَ الْمُحْتَسِبِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَهُوَ مَذْكُورٌ بَعْدُ، وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةَ الْمُحْتَسِبِ لِذَلِكَ فَهُوَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَالْقِيَامِ بِالْفَتَاوَى) وَلَوْ لَمْ يُفْتِ وَهُنَاكَ مَنْ يُفْتِي وَهُوَ عَدْلٌ لَمْ يَأْثَمْ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِفْتَاءُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ بِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ بِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ بِخِلَافِهِ. اهـ.

شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَالْحَمْلِ) أَيْ: إنْ لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ. اهـ.

حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ فَرَاجِعْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَدَاءَ كَالتَّحَمُّلِ وَفِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ لمر يُشْتَرَطُ لِكَوْنِ التَّحَمُّلِ فَرْضَ كِفَايَةٍ حُضُورُ الْمُتَحَمِّلِ فَإِنْ دَعَا لَهُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي قَاضِيًا أَوْ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: مَحَلُّهُ فِي الْمُحْتَسِبِ) وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَسِبِ. اهـ.

شَرْحُ الرَّوْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>