مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةُ خَاصَّةً فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِعِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ. قَالَ أَئِمَّتُنَا وَإِنَّمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَى إنْكَارِهِ لَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَرَى الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ فَكَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْإِنْكَارِ إذَا لَمْ يَرَ الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ بِحَدِّنَا لِلْحَنَفِيِّ بِشُرْبِهِ النَّبِيذَ مَعَ أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ لَمْ يَفْعَلْ مُنْكَرًا، وَالْحَدُّ لَا يُفِيدُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِالْقَوْلِ كَمَا لَا يُنْكِر عَلَى الْمَالِكِيِّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَإِنَّمَا حَدُّهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ أَدِلَّةَ عَدَمِ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَاهِيَةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ حَدِّنَا لِشَارِبِهِ وَعَدَمِ حَدِّنَا لِلْوَاطِئِ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ.
(وَمُهِمِّ الْحِرَفْ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ وَهِيَ مَا بِهِ قِيَامُ الْمَعَاشِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْكُنَاسَةِ، وَالْحِجَامَةِ وَقَدْ جُبِلَتْ النُّفُوسُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَثِّ عَلَيْهَا لَكِنْ لَوْ فُرِضَ امْتِنَاعُ النَّاسِ مِنْهَا أَثِمُوا لِكَوْنِهِمْ حِينَئِذٍ سَاعِينَ فِي هَلَاكِ أَنْفُسِهِمْ (وَرَدِّ تَسْلِيمٍ لِجَمْعٍ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَى جَمْعٍ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحَيْثُ يَكُونُ اتِّصَالُهُ بِهِ كَاتِّصَالِ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ. قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] وَرَوَى أَبُو دَاوُد «يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ» وَهَذَا إذَا سُنَّ السَّلَامُ فَإِنْ لَمْ يُسَنُّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ الْبَابِ لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْوَاحِدِ فَفَرْضُ عَيْنٍ (لَا) رَدُّ السَّلَامِ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى (نِسَا) جَمْعٍ أَوْ مُفْرَدَاتٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ كَمَا فِي عَكْسِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَالرَّدُّ فِيهِ حَرَامٌ، وَفِي عَكْسِهِ مَكْرُوهٌ وَمَحَلُّهُمَا إذَا حُرِّمَ النَّظَرُ كَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ، وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا مِلْكٌ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا خَارِجَةً عَنْ مَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَصِيغَةُ الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، أَوْ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ وَسَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَيَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ وَالْمِيمِ وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ قَالَ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِمَامُ: الرَّأْيُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلسَّلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ جَوَابًا لِلْعَطْفِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مَا قَالَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ ذِمِّيٌّ لَمْ يَزِدْ فِي الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكَ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ ثَمَّةَ السَّلَامَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَنَا ابْتِدَاؤُهُ بِهِ بَلْ الْغَرَضُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ (وَكَجَهَازِ الْمَيْتِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ غُسْلًا، وَتَكْفِينًا وَصَلَاةً وَحَمْلًا وَدَفْنًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ (بِالتَّرْكِ أَسَا وَلَوْ لِجَاهِلٍ مَعَ التَّقْصِيرِ) أَيْ: بِتَرْكِ الْجِهَازِ أَثِمَ
(كُلْ مُكَلَّفٍ) وَلَوْ جَاهِلًا بِفَرْضِيَّتِهِ أَوْ بِتَرْكِ غَيْرِهِ لَهُ مَعَ تَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ كَمَا فِي تَرْكِ سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (حُرٍّ لَهُ عَيْنٌ) يَعْنِي بِتَرْكِهِ أَثِمَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ بَصِيرٍ (رَجُلْ وَاجِدِ لَأْمَةٍ) أَيْ: سِلَاحٍ (وَإِنْفَاقٍ) ذَهَابًا وَإِيَابًا وَرَاحِلَةٍ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ كَذَلِكَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا مَرَّ فِي الْحَجِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَحَجْ) فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْ ثَلَاثٍ وَلَا الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْجِهَادِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالذِّمِّيُّ بَذَلَ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا وَلَا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَيُجَابُ أَيْضًا إلَخْ) قَدْ يَقْتَضِي هَذَا الْجَوَابُ نَهْيَ الْآحَادِ لِلْحَنَفِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَرَدُّ تَسْلِيمٍ لِجَمْعٍ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَفِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَجْهَانِ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعُ لِأَنَّ السَّلَامَ عِبَادَةٌ وَهِيَ لَا تُقْصَدُ مِنْهُمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: اتِّصَالُهُ بِهِ) قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَاحِدِ) مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى نِسَاءٍ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامِ. (قَوْلُهُ: جَمْعٍ أَوْ مُفْرَدَاتٍ) يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى جَمْعِهِنَّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ (فَرْعٌ) وَسُنَّ السَّلَامُ لِلنِّسَاءِ مَعَ بَعْضِهِنَّ وَغَيْرِهِنَّ إلَّا مَعَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ أَفْرَادًا وَجَمْعًا فَيَحْرُمُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّابَّةِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَيُكْرَهَانِ أَيْ: ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ عَلَيْهَا نَعَمْ لَا يُكْرَهُ سَلَامُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الرِّجَالِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً ذَكَرَهُ فِي الْأَذْكَارِ لَا عَلَى جَمْعِ نِسْوَةٍ أَوْ عَجُوزٍ أَيْ: لَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ عَلَيْهِنَّ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ بَلْ يُنْدَبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْهُنَّ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَعَكْسُهُ وَيَجِبُ الرَّدُّ كَذَلِكَ وَذِكْرُ الِابْتِدَاءِ مِنْهُنَّ مَا عَدَا الْعَجُوزَ مِنْ زِيَادَتِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ) عُطِفَ عَلَى حَرُمَ النَّظَرُ وَقَوْلُهُ: عَجُوزًا يُفِيدُ وُجُوبَ رَدِّهَا وَالرَّدَّ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ وَالْمِيمِ) فِيهِ إطْلَاقٌ وَفِي الرَّوْضِ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِيغَةِ الِابْتِدَاءِ وَيَجُوزُ الْإِفْرَادُ لِلْوَاحِدِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَالْأَوْلَى مُرَاعَاةُ صِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَهُ لِيَحْصُلَ بِهَا التَّعْظِيمُ، أَمَّا الْإِفْرَادُ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يَكْفِي وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَاحِدِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ فِي صِيغَةِ جَمْعِ الرَّدِّ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِيغَةِ الرَّدِّ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ وَعَلَيْك السَّلَامُ لِلْوَاحِدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ الرَّأْيُ عِنْدَنَا إلَخْ) هَذَا فِي الْجَوَابِ، أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ، أَمَّا لَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَيْسَ بِسَلَامٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْمُتَوَلِّي. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِتَرْكِ غَيْرِهِ لَهُ) بَقِيَ الْجَهْلُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا الْكَافِرُ إلَخْ) هَلْ يُشْكِلُ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْإِثْمُ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الصَّلَاةِ) تَنْظِيرٌ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ لَا لِعَدَمِ الْإِثْمِ أَيْضًا لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ وَالْعِقَابُ عَلَيْهَا فَرْعُ الْعِصْيَانِ وَالْإِثْمِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: مِمَّا قَبْلَهُ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ فِيهِ حَرَامٌ) لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِ الشَّارِحِ إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ جَمْعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ الرَّجُلُ جَازَ