مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالْجِهَادِ كَمَا فِي الْحَجِّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ، وَالْمِلْكُ لَا يَقْتَضِي عُرْضَتَهُ لِلْهَلَاكِ نَعَمْ لِلسَّيِّدِ اسْتِصْحَابُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِلْخِدْمَةِ كَمَا فِي الْحَضَرِ وَلَا الْأَعْمَى لِعَجْزِهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا الْمَرْأَةُ لِضَعْفِهَا عَنْ الْقِتَالِ غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ»
وَلَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لِاحْتِمَالِهِ الْأُنُوثَةَ وَلَا الْعَاجِزُ عَنْ مُؤْنَةِ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا يُقَالُ هَذَا سَفَرُ مَوْتٍ فَلَا تُعْتَبَرُ مُؤْنَةُ الْإِيَابِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ غَالِبًا فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مُؤْنَةَ الْإِيَابِ انْكَسَرَ نَشَاطُهُ، وَلَا الْجَاهِلُ بِمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْبَحْثِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ كَمَا قَالَ (بِلَا ظُهُورِ مَرَضٍ مَا) بِزِيَادَةِ مَا لِلتَّعْمِيمِ وَالتَّأْكِيدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ أَوْ بِهِ مَرَضٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْ: خَفِيفٌ كَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ مَرَضُهُ بِأَنْ تَعَذَّرَ مَعَهُ الْقِتَالُ أَوْ شَقَّ مَعَهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ (أَوْ) بِلَا ظُهُورِ (عَرَجْ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عَرَجٌ أَوْ بِهِ عَرَجٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ الْمَشْيَ، وَمُكَادَحَةُ الْقَرْنِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ وَكَانَتْ الدَّابَّةُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَعَطَّلُ فَيَتَعَذَّرُ الْفِرَارُ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ أَيْضًا الْأَقْطَعُ وَالْأَشَلُّ وَفَاقِدُ مُعْظَمِ الْأَصَابِعِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَقْدَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ مَعًا أَوْ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ كَفَقْدِ مُعْظَمِ الْأَصَابِعِ، وَفَقْدُ الْأَنَامِلِ كَفَقْدِ الْأَصَابِعِ (وَ) بِلَا (مَنْعِ) رَبِّ الدَّيْنِ لِغَرِيمِهِ (ذِي الْيُسْرِ) مِنْ السَّفَرِ لِلْجِهَادِ (بِدَيْنٍ حَلَّا) بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مَنَعَ الْمُعْسِرَ بِدَيْنٍ حَالٍّ إذْ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْحَالِّ فَخَرَجَ مَا إذَا مَنَعَ الْمُوسِرَ مِنْهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ فِي الْفَلَسِ كَمَنْعِ السَّفَرِ وَقَوْلُهُ ذِي الْيُسْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَ) بِلَا (مَنْعِ مُسْلِمٍ يَكُونُ أَصْلَا) لَهُ مِنْ السَّفَرِ لِلْجِهَادِ بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ إذْ لَا مَانِعَ حِينَئِذٍ أَوْ مَنَعَهُ أَصْلُهُ الْكَافِرُ لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ لِأَهْلِ دِينِهِ فَخَرَجَ مَا إذَا مَنَعَهُ مِنْهُ أَصْلُهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ عَلَا وَكَانَ رَقِيقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ بِرَّهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُسْتَأْذِنِهِ فِي الْجِهَادِ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْجِهَادِ عِنْدَ سُكُوتِ رَبِّ الدَّيْنِ وَالْأَصْلِ الْمُسْلِمِ عَنْ الْمَنْعِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا
(كَمِنْ بَوَادٍ) جَمْعُ بَادِيَةٍ أَيْ: كَمَا أَنَّ لِلْأَصْلِ مَنْعَ فَرْعِهِ مِنْ سَفَرِهِ فِي بَادِيَةٍ (أَخْطَرَتْ) أَيْ: مُخْطِرَةٌ (وَالْيَمِّ) أَيْ: الْبَحْرِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ (لِلِاتِّجَارِ) كَمَا فِي الْجِهَادِ (لَا) سَفَرُهُ (لِكَسْبِ الْعِلْمِ) فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِالْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ فَكَسَفَرِ الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَحَبْسَهُ بَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي الْجِهَادِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ، وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ بِبَلَدِهِ وَيَجُوزُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَتَوَقَّعَ فِي السَّفَرِ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادَ أُسْتَاذٍ أَوْ غَيْرَهُمَا كَمَا لَمْ يُقَيَّدُ الْحُكْمُ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ بِمَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا بِبَلَدِهِ بَلْ اكْتَفَى بِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رِبْحٍ أَوْ رَوَاجٍ أَمَّا السَّفَرُ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَيْ لَا يَنْقَطِعَ مَعَاشُهُ وَيَضْطَرِبَ أَمْرُهُ (وَلَوْ) كَانَ أَصْلُهُ (كَفُورًا) أَيْ: كَافِرًا فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرِهِ فِي الْبَادِيَةِ الْمُخْطِرَةِ وَالْيَمِّ وَنَحْوِهِمَا لِلتِّجَارَةِ لَا لِلْعِلْمِ وَسَوَاءٌ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ لِشُمُولِ مَعْنَى الْبِرِّ وَالشَّفَقَةِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّفَرِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ شَامِلٌ لِلْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إنَّ الْقَصِيرَ لَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ (وَيَعُودُ) الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْ الْغَرِيمِ وَالْفَرْعِ مِنْ سَفَرِهِ (إنْ رَجَعْ) أَيْ: الْآذِنُ لَهُ عَنْ إذْنِهِ (بِخَبَرٍ) أَيْ: يَعُودُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِ خَبَرِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ إنْ أَمِنَ نَفْسًا وَمَالًا وَانْكِسَارَ قُلُوبِنَا وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْإِمَامِ بِجُعْلٍ
، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ الِاكْتِفَاءُ بِبُلُوغِ الْكِتَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْإِثْمِ وَلُزُومَ التَّرْكِ ثَابِتَانِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِنَابَةِ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْهَا كَوُجُودِهَا (قَوْلُهُ: مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ) دَخَلَ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ) وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ الْأَمْنُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الصَّنِيعِ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ كَذَا سَفَرُ خَطَرٍ لِتِجَارَةٍ لَا عِلْمٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ: يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَصْلِ لَكِنْ عَبَّرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِقَوْلِهِ أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ أَيْ: لِطَلَبِ الْعِلْمِ مَعَ الْأَمْنِ إذْنُهُمْ أَيْ: أُصُولُ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ) وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِ السَّفَرِ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ ظَاهِرٌ بِحَيْثُ يَسْقُطُ وُجُوبُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا السَّفَرُ الَّذِي يَغْلِبُ الْأَمْنُ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا لِكَسْبِ الْعِلْمِ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ إذَا غَلَبَ الْهَلَاكُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ: كَافِرًا) أَيْ: فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُبَالَغَةُ
ــ
[حاشية الشربيني]
لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ
(قَوْلُهُ: يَكُونُ أَصْلًا لَهُ) وَلَوْ أَبْعَدَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ وَإِذْنِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ طَوِيلًا بِلَا عُذْرٍ فَيَحْرُمُ إلَّا بِالْإِذْنِ. اهـ.
حَجَرٌ وَسَمِّ