للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُوَجَّهُ بِاعْتِمَادِ الْقَرَائِنِ وَقَدْ يُمْنَعُ وَطُرُوِّ إسْلَامِ الْأَصْلِ بَعْدَ السَّفَرِ كَرُجُوعِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَجَدُّدُ الدَّيْنِ كَرُجُوعِ رَبِّ الدَّيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَيَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْأُولَى بِأَنْ يَأْمُرَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالْعَوْدِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي الثَّانِيَةِ فَلَا يَأْثَمُ بِاسْتِمْرَارِ السَّفَرِ عِنْدَ سُكُوتِ الْأَصْلِ وَرَبِّ الدَّيْنِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ (لَا مِنْ قِتَالٍ) أَيْ: لَا يَعُودُ مِنْهُ (لَوْ شَرَعْ) فِيهِ بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ وَقَدْ بَلَغَهُ خَبَرُ الرُّجُوعِ لِوُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: ٤٥] ؛ وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ يُشَوِّشُ أَمْرَ الْقِتَالِ (وَحَلَّ قَرْيَةً لِعَجْزِ آيِبُ) أَيْ: وَأَقَامَ وُجُوبًا الْعَائِدُ فِي قَرْيَةٍ فِي طَرِيقِهِ بِبُلُوغِ خَبَرِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ لِخَوْفِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يَعُودَ الْجَيْشُ لِحُصُولِ غَرَضِ الرَّاجِعِ مِنْ عَدَمِ حُضُورِ الْقِتَالِ

(وَيُنْصِفُ الْإِمَامُ إذْ يُنَاوِبُ) أَيْ: فِي الْمُنَاوَبَةِ فَلَا يَتَحَامَلُ عَلَى طَائِفَةٍ فَيُلْزِمُهَا بِالْخُرُوجِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَعَ تَرْكِهِ غَيْرَهَا

(وَيَسْتَعِينُ كَافِرًا) أَيْ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِكَافِرٍ (إنْ أُمِنَا) خِيَانَتَهُ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَيَفْعَلُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ أَفْرَادِهِمْ فِي جَانِبِ الْجَيْشِ أَوْ اخْتِلَاطِهِمْ بِهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

(وَ) يَسْتَعِينُ (بِمُرَاهِقٍ) وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى فِيهِمْ غِنَاءٌ فِي الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ كَسَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْقَفَّالُ عَنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي جَوَازَ إحْضَارِ الذُّرِّيَّةِ مُطْلَقًا إلَّا مَنْ لَا يُمَيِّزُ كَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِلْهَلَاكِ بِلَا نَفْعٍ.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ حَيٌّ مُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ فَإِذْنُهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْبَالِغِ فَفِي الْمُرَاهِقِ أَوْلَى وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ قَوْلِهِ (وَعَبْدٍ أُذِنَا) بِجَعْلِ الْأَلْفِ لِلتَّثْنِيَةِ أَيْ: وَيَسْتَعِينُ بِالْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ إنْ أَذِنَ لِلْمُرَاهِقِ وَلِيُّهُ وَلِلْعَبْدِ سَيِّدُهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ مُكَاتَبًا كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إنْ كَانَا حُرَّيْنِ فَكَالْمُرَاهِقِ فِي اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ أَوْ رَقِيقَيْنِ فَكَالْعَبْدِ فِي اسْتِئْذَانِ السَّيِّدِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الرَّقِيقَ يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِ لَا أَصْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُبَعَّضِ إذْنُ أَصْلِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَإِذْنُ سَيِّدِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ

(وَمَنْجَنِيقٍ) أَيْ: وَيَسْتَعِينُ بِمَنْجَنِيقٍ (وَبِنَارٍ وَبِمَا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ بِهِ النَّارُ وَالْمَاءُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ فَلَوْ تَحَصَّنَ بِحَرَمِهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا) فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ صِيَانَةً لِلْأَكْثَرِ وَلِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً؛ وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ فَلَا يَحْرُمُ الْقِتَالُ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِ فِيهَا كَمَا لَا تَحِلُّ دَارُنَا بِكَوْنِ الْمُشْرِكِ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ مَنْ فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنْ هَلَكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ رُزِقَ الشَّهَادَةَ

(وَلِلْإِمَامِ وَلِغَيْرِهِ طَلَبْ تَرْغِيبِ مُسْلِمٍ) فِي الْجِهَادِ (بِبَذْلِهِ الْأُهَبْ) لَهُ أَيْ: الْعُدَّةَ مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ فَيَنَالُ ثَوَابَ الْإِعَانَةِ لِخَبَرِ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا» وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَلَا يَجُوزُ تَرْغِيبُهُ إلَّا لِلْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى اجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَخُونُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ لِلْإِمَامِ اسْتِئْجَارَ الذِّمِّيِّ لِذَلِكَ دُونَ الْآحَادِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ طَلَبُ تَكْمِلَةٍ

(وَلَوْ قَهَرَ الْإِمَامُ ذِمِّيًّا) أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا (عَلَى خُرُوجِهِ) لِلْجِهَادِ فَخَرَجَ وَقَاتَلَ فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ وَاجِبَةٌ لَهُ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَهَا (لَا) إنْ قَهَرَ (مُسْلِمًا) حُرًّا عَلَى ذَلِكَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ قَاتَلَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَذَا أَطْلَقُوهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ الذَّهَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، أَمَّا الْقِنُّ فَتَجِبُ أُجْرَتُهُ مِنْ وَقْتِ إخْرَاجِهِ إلَى عَوْدِهِ إلَى سَيِّدِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَذَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْنِيَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِئْجَارِهِ إنْ قُلْنَا لَا فَهُوَ كَالْحُرِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ إذَا وَطِئَ الْكُفَّارُ بِلَادَنَا وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ تَعَيُّنُهُ عَلَيْهِ فِيمَا ذُكِرَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي الْحُرِّ يُقَالُ هُنَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِلَّا

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: بَعْدَ السَّفَرِ) أَيْ: لِلْجِهَادِ وَقَوْلُهُ: كَرُجُوعِهِ أَيْ: عَنْ الْإِذْنِ

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُرَاهِقِ وَقَدْ يَشْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَدَمَ النَّفْعِ لَكِنْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فَلَا نَفْعَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْجَوَازِ) أَيْ: فِي الْمُرَاهِقِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ: الْمُرَاهِقِ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ إنْ أَذِنَ إلَخْ) وَنِسَاءٌ بِإِذْنِ الْأَزْوَاجِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِ) الْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ إذْنِهِ (قَوْلُهُ: فِي اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَفِي مَعْنَى الْمُرَاهِقِينَ النِّسَاءُ الْأَقْوِيَاءُ بِإِذْنِ مَالِكِ أَمْرِهِنَّ. اهـ.

وَيُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَاتِ وَأَنَّ الْمُتَزَوِّجَاتِ يُعْتَبَرُ إذْنُ أَزْوَاجِهِنَّ أَيْضًا

(قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِهِ النَّارُ وَالْمَاءُ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ إتْلَافِهِمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنْ الظَّاهِرُ خِلَافُهُ شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ) إلَّا لِضَرُورَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ خُرُوجُ قِتَالِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا دُخُولُهُ

(قَوْلُهُ: مُدَّةَ الذَّهَابِ) أَيْ: فَقَطْ حَجَرٌ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: وَقَدْ يُمْنَعُ) جَرَى فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَلَى الْمَنْعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ قِتَالٌ كَمَا فِي الْعِرَاقِيِّ

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) بِأَنْ وَطِئَ الْكُفَّارُ بِلَادَنَا أَوْ كَانُوا فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>