للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ جَازَ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ الْأَرْضِ لَمَا عَدَلَ عَنْهَا إلَى التُّرَابِ وَطَهَارَةُ التَّيَمُّمِ تَعَبُّدِيَّةٌ فَاخْتَصَّتْ بِمَا وَرَدَ فِي الدَّلِيلِ كَالْوُضُوءِ بِخِلَافِ الدِّبَاغِ فَإِنَّهُ نَزْعُ الْفُضُولِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ وَسَوَاءٌ فِي التُّرَابِ الْأَعْفَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ وَالسَّبِخُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْبُتُ دُونَ الَّذِي يَعْلُوهُ مِلْحٌ (طَاهِرًا) فَيَمْتَنِعُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمُتَنَجِّسِ كَمَا فِي الْمَاءِ وَلِأَنَّ الطَّيِّبَ فِي الْآيَةِ مُفَسَّرٌ بِالطَّاهِرِ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا مَرَّ.

وَلَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ لَمْ يَصِحَّ إنْ عَلِمَ الْتِصَاقَهُ بِرُطُوبَةٍ وَكَذَا بِتُرَابِ الْمَقْبَرَةِ إنْ عَلِمَ نَبْشَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَلَوْ وَقَعَ الْمَطَرُ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهَا؛ لِأَنَّ الصَّدِيدَ لَا يُذْهِبُهُ الْمَطَرُ كَمَا لَا يُذْهِبُ التُّرَابَ وَكَذَا كُلُّ مَا اخْتَلَطَ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالتُّرَابِ مِمَّا يَصِيرُ كَالتُّرَابِ وَلَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ غَيْرِ الْمَنْبُوشَةِ لِطَهَارَتِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَدْفِنُ النَّجَاسَةِ (مَحْضًا) أَيْ خَالِصًا مِنْ خَلِيطٍ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ كَدَقِيقٍ وَرَمْلٍ نَاعِمٍ يَلْصَقُ لِمَنْعِهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ لِكَثَافَتِهِ قَلَّ الْخَلِيطُ أَوْ كَثُرَ فَلَا يَكْفِي إلَّا مَحْضُ تُرَابٍ (وَإِنْ) كَانَ (غُبَارَ رَمْلٍ) لَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ (وَ) إنْ كَانَ نَقْلُهُ التُّرَابَ (بِمَعْكِ نَفْسِهِ) فِيهِ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ فَيَكْفِي التَّيَمُّمُ بِهِ لِتَحَقُّقِ الْقَصْدِ بِهِ إلَى التُّرَابِ (وَ) إنْ كَانَ النَّقْلُ (مِنْ يَدٍ لِلْوَجْهِ أَوْ بِعَكْسِهِ) بِأَنْ نَقَلَ مِنْ الْوَجْهِ لِلْيَدِ كَأَنْ نَفَضَ مَا عَلَى الْوَجْهِ فَسَفَّتْ الرِّيحُ عَلَيْهِ تُرَابًا ثُمَّ نَقَلَهُ لِلْيَدِ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِتَحَقُّقِ النَّقْلِ بِذَلِكَ بَلْ لَوْ نَقَلَهُ مِنْ الْعُضْوِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ كَفَى كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ.

(لَا إنْ يُرَدِّدْ مَا سَفَتْ) أَيْ تُرَابًا سَفَّتْهُ (رِيحٌ عَلَى عُضْوِ تَيَمُّمٍ) فَلَا يَكْفِي وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التُّرَابَ وَإِنَّمَا التُّرَابُ أَتَاهُ لَمَّا قَصَدَ الرِّيحَ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرَزَ لِلْمَطَرِ فِي الطُّهْرِ بِالْمَاءِ فَانْغَسَلَتْ أَعْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِيهِ

ــ

[حاشية العبادي]

وَصَلَتْ يَدَاهُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَدَثِ أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ لِيَتَحَقَّقَ النَّقْلُ حِينَئِذٍ ثُمَّ إذَا جَدَّدَهَا لَا يَضُرُّهُ عُزُوبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْمَسْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَالْوُضُوءِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ وَهُوَ أَحَدُ الرَّأْيَيْنِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لَمَا عَدَلَ عَنْهَا) أَيْ: وَاقْتَصَرَ عَلَى وَطَهُورًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ) فَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَا وَرَدَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِالتُّرَابِ الْمُتَنَجِّسِ إلَخْ) قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ وَقَعَتْ ذَرَّةٌ مِنْ نَجَاسَةٍ فِي صُبْرَةِ تُرَابٍ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَحَلُّهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَتَيَمَّمَ اهـ وَأَقَرَّهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُزَجَّدُ فِي تَجْرِيدِهِ فِي جَوَازِ التَّحَرِّي نَظَرٌ. اهـ.

أَيْ: لِعَدَمِ التَّعَدُّدِ الْمُشْتَرَطِ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ وَأَقُولُ هَلَّا جَازَ الْهُجُومُ عَلَى التَّيَمُّمِ مِنْ الْكَبِيرَةِ بِلَا اجْتِهَادٍ كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ مَكَانِ وَاسِعٍ أَوْ بِسَاطٍ كَبِيرٍ حَيْثُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى بَعْضِهِ بِلَا اجْتِهَادٍ وَقَدْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً عَلَى كَبِيرَةٍ نِسْبِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا مَرَّ) أَيْ: أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْصَقُ) أَيْ: الرَّمَلُ قَدْ يُقَالُ أَوْ يَلْصَقُ إذَا كَانَ مُغْبَرًّا إذْ بِالْتِصَاقِهِ يَنْتَقِلُ الْغُبَارُ الَّذِي عَلَيْهِ إلَى الْعُضْوِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ إلَخْ) بَلْ لَوْ نَقَلَهُ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ الْآخَرِ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

قَصْدُ الْمَسْحِ بِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ فِي التُّرَابِ الْأَعْفَرُ إلَخْ) وَلَوْ مُحْرَقًا مَا لَمْ يَصِرْ رَمَادًا. اهـ. مَجْمُوعٌ. (قَوْلُهُ: دُونَ الَّذِي يَعْلُوهُ مِلْحٌ) قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ الْإِنْبَاتِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ السَّبِخُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يُنْبِتُ قَلِيلًا بِخِلَافِ مَا عَلَاهُ الْمِلْحُ وَهَلْ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ. اهـ. وَعِبَارَةُ زي وَالسَّبِخُ الَّذِي لَا يُنْبِتُ مَا لَمْ يَعُلْهُ مِلْحٌ. اهـ. فَقَوْلُهُ دُونَ الَّذِي إلَخْ أَيْ: مِنْ السَّبِخِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِالطَّاهِرِ عَلَى الرَّاجِحِ) وَقِيلَ: الْحَلَالُ. (قَوْلُهُ: غَيْرِ الْمَنْبُوشَةِ) أَيْ: الْمُتَيَقَّنِ نَبْشُهَا بِأَنْ تُيُقِّنَ عَدَمُ نَبْشِهَا أَوْ شُكَّ فِيهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (قَوْلُهُ: يَلْصَقُ) التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يَلْصَقُ وَمَا لَا يَلْصَقُ اعْتَمَدَهُ م ر وَسم وَعَلَيْهِ حُمِلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمُخْتَلِفُ فِي مَوْضِعَيْنِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

(قَوْلُهُ: قَلَّ إلَخْ) وَقِيلَ وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الرُّؤْيَةِ جَازَ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْصَقُ) أَيْ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ وُصُولَ الْغُبَارِ لِلْعُضْوِ، أَمَّا إذَا لَصِقَ بِأَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَلَا فَالْمَدَارُ عَلَى مَنْعِ وُصُولِ الْغُبَارِ وَعَدَمِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الرَّمْلِ إذْ هُوَ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ كَمَا نَقَلَهُ م ر عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَعَدَمُ كِفَايَتِهِ لِعَدَمِ الْغُبَارِ كَمَا فِي ع ش. (قَوْلُهُ: بِمَعْكِ نَفْسِهِ) يُقَالُ مَعَكَ الْأَدِيمَ دَلَكَهُ ع ش. (قَوْلُهُ: أَنْ يَرْدُدَ إلَخْ) أَيْ: بِغَيْرِ انْفِصَالِهِ عَنْ الْعُضْوِ وَعَوْدِهِ وَإِلَّا كَفَى ق ل. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّيَمُّمَ) أَيْ: قَصَدَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ التَّيَمُّمَ نَعَمْ إنْ كَثُرَ الْغُبَارُ فِي الْهَوَاءِ فَمَرَّغَ وَجْهَهُ عَلَيْهِ كَفَى لِوُجُودِ الْفِعْلِ هُنَا وَهُوَ نَقْلُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ) عِبَارَةُ م ر لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ مِنْ جِهَتِهِ بِانْتِفَاءِ النَّقْلِ الْمُحَقِّقِ لَهُ.

اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ النَّقْلُ مُحَقِّقًا لَهُ لِوُجُوبِ قُرْبِ النِّيَّةِ بِهِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى النَّقْلِ وَالنِّيَّةِ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ: بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ يَظْهَرُ أَنَّهُ بَعْدَ النَّقْلِ وَنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ زَائِدٌ هُوَ قَصْدٌ بَلْ -

<<  <  ج: ص:  >  >>