الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَسْبِيِّ إلَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْكَامِلِ، أَمَّا الْكَامِلُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَدَيْنُهُ) أَيْ: الْحَرْبِيِّ الَّذِي رُقَّ (سَقَطْ إنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ حَرْبِيٍّ) آخَرَ كَمَا لَوْ رُقَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ الْحَرْبِيُّ مُلْتَزِمًا حَتَّى يُطَالَبَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَيُطَالَبُ بِهِ كَمَا يُطَالَبُ بِوَدَائِعِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَاهَدَ كَالْحَرْبِيِّ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَقَطْ) تَكْمِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ وَلَوْ
(أَسْلَمَ أَوْ أُمِّنَ حَرْبِيَّانِ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنُ عَقْدٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ (لَا يَكُونُ دَيْنَ عَقْدِ ذَيْنِ) أَيْ: الْحَرْبِيَّيْنِ (مُهْمَلَا) بَلْ يَبْقَى لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ فَاسْتُدِيمَ حُكْمُهُ كَمَا فِي أَحْكَامِ عُقُودِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْعَقْدِ دَيْنُ الْإِتْلَافِ وَنَحْوُهُ فَيَسْقُطُ كَمَا مَرَّ إذْ لَا الْتِزَامَ وَلَا عَقْدَ يُسْتَدَامُ وَالْإِتْلَافُ نَوْعُ قَهْرٍ كَيْفَ وَإِتْلَافُ مَالِ الْحَرْبِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ يُفْهِمُ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَوْ أَمِنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَدَيْنُهُ سَقَطَ إنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ حَرْبِيٍّ (كَذَا) تَبْقَى (إجَارَةُ السَّبْيِ) بِمَعْنَى الْمَسْبِيِّ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ حَيْثُ (تَجْرِي) أَيْ: تَقَعُ إجَارَتُهُ (لِمُسْلِمٍ) إلْحَاقًا لِلْمَنَافِعِ بِالْأَعْيَانِ وَيُخَالِفُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ فَإِنَّهَا تُسْتَبَاحُ وَلَا تُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ إلَّا الذِّمِّيَّ وَالْمُعَاهَدَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا كَالْمُسْلِمِ فِيمَا ذُكِرَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى دَيْنِ عَقْدٍ قَوْلَهُ (لَا دَيْنَ عَقْدِ خَمْرِ) بِأَنْ عَقَدَ بِخَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فَلَوْ اقْتَرَضَ خَمْرًا أَوْ ابْتَاعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُقَابِلُهَا
(وَاكْرَهْهُ) أَنْتَ أَيْ: الْجِهَادَ (لَا الْبِرَازَ) لَهُ (إنْ بِهِ) أَيْ: بِالْجِهَادِ (اسْتَبَدَّ) أَيْ: اسْتَقَلَّ الشَّخْصُ بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْإِمَامُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْبِرَازِ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْن رَوَاحَةَ وَابْنَيْ عَفْرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَكَذَا لَا يُسْتَحَبُّ فَإِنْ طَلَبَ كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ حِينَئِذٍ إضْعَافًا لَنَا وَتَقْوِيَةً لَهُمْ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ مِمَّنْ جَرَّبَ نَفْسَهُ وَعَرَفَ قُوَّتَهُ وَأَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِقَتْلِهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا بِهَزِيمَةٍ تَحْصُلُ لَنَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَنَا وَالْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدًا وَلَا فَرْعًا مَأْذُونًا لَهُمَا فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ فِي الْبِرَازِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لَهُمَا ابْتِدَاءً وَإِجَابَةً وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ (كَقَتْلِ ذِي قُرْبَى) أَيْ: قَرِيبٍ لِلْمُجَاهِدِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ
(وَ) قَتْلِ (مَحْرَمٍ) لَهُ (أَشَدْ) كَرَاهَةً مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] «وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةُ يَوْمَ بَدْرٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ» نَعَمْ إنْ سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ «أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ»
(وَنَقْلِ) أَيْ: وَكَنَقْلِ (نَحْوِ رَأْسِ كَافِرٍ) كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْكَرَ عَلَى فَاعِلِهِ وَقَالَ لَمْ يُفْعَلْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رُوِيَ مِنْ حَمْلِ رَأْسِ أَبِي جَهْلٍ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي ثُبُوتِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا حُمِلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ لَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ لِيَنْظُرَ النَّاسُ إلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُوا مَوْتَهُ وَاسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَكْثَرُهُمْ وَلَفْظَةُ نَحْوِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ
(وَإِنْ يُهْلِكْ مَا حُصُولُهُ لَنَا) أَيْ: وَكَأَنْ يُهْلِكَ الْمُجَاهِدُ مَا (يُظَنُّ) حُصُولَهُ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ وَالْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلنَّصِّ بِأَنَّهُ يَنْدُبُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَهَى عَنْهُ نَعَمْ إنْ احْتَجْنَا إلَى إهْلَاكِهِ فَلَا كَرَاهَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: ٢] وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: ٥] » الْآيَةَ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ حُصُولَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
مَا مَلَكَ مِنْهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ حَرْبِيٍّ) أَيْ: سَوَاءٌ رُقَّ أَيْضًا أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ رُقَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ) أَيْ: لِحَرْبِيٍّ (قَوْلُهُ: فَيُطَالَبُ بِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَيُوقَفُ فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَفَيْءٌ. اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ مِلْكِ السَّيِّدِ لِذَلِكَ وَمُطَالَبَتِهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: قَوْلِهِ لَيْسَ الْحَرْبِيُّ مُلْتَزِمًا
(قَوْلُهُ: أَوْ أَمِنَ) بِجِزْيَةٍ أَوْ تَأْمِينٍ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْوِ نَحْوُ تَلَفِ الْوَدِيعَةِ، وَالرَّهْنِ بِتَقْصِيرٍ وَقَوْلُهُ: فَيَسْقُطُ كَمَا مَرَّ أَيْنَ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ: فَلَا يَسْقُطُ فَمَعَ إسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ (قَوْلُهُ: كَذَا إجَارَةُ السَّبْيِ) فِيهِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِسَبْيِ الْمُؤَجِّرِ (قَوْلُهُ: تَجْرِي لِمُسْلِمٍ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْحَرْبِيِّ نَفْسَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَكَذَا عَكْسُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْإِرْشَادِ وَبَطَلَ بِحُدُوثِ رِقٍّ لَا نَقْلِهِ نِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَدَيْنٍ لَا عَلَى مُلْتَزِمٍ أَوْ لَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَتْلِ مَحْرَمٍ أَشَدُّ) قَالَ الشَّارِحُ الْعِرَاقِيُّ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا غَيْرَ قَرِيبٍ فَقَالَ شَيْخُنَا ابْنُ النَّقِيبِ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِ. اهـ.
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي حَاشِيَتِهِ تَعْلِيلُ الْوَسِيطِ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْقَرِيبِ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ قَدْ يُقَالُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ الْمَحْرَمِ غَيْرِ الْقَرِيبِ وَقَدْ يُمْنَعُ. اهـ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ إلَخْ) رَوَاهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ أَنْكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: مَا إذَا كَانَ فِيهِ نِكَايَةٌ) بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُسَنُّ حِينَئِذٍ حَجَرٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
يَخْتَصُّ بِالسَّابِي دُونَ مَا يُقَابِلُ الْخُمُسَ إذْ هُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيُكْرَهُ) نَقَلَ ز ي عَنْ الشَّارِحِ الْحُرْمَةَ