للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَنَا لَمْ يُكْرَهْ إتْلَافُهُ مُغَايَظَةً لَهُمْ وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ تُفْتَحْ بِلَادُهُمْ فَإِنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَنَا أَوْ لَهُمْ حَرُمَ إهْلَاكُهُ.

(وَاقْتُلْ رِجَالًا عَقَلُوا) أَيْ: عُقَلَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قِتَالٌ وَلَا رَأْيٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] بِخِلَافِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْخَنَاثَى وَالْمَجَانِينِ لِلنَّهْيِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتْلِ الْأَوَّلَيْنِ وَإِلْحَاقِ الْأَخِيرَيْنِ بِهِمَا نَعَمْ إنْ قَاتَلُوا أَوْ سَبُّوا الْمُسْلِمِينَ قُتِلُوا وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ (وَ) اُقْتُلْ (الْفَرَسَا لِحَاجَةٍ) إلَى قَتْلِهَا لِدَفْعِهِمْ أَوْ لِلظَّفَرِ بِهِمْ أَوْ لِخَوْفِنَا بَعْدَ أَنْ غَنِمْنَاهَا أَنْ يَأْخُذُوهَا وَيُقَاتِلُونَا عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْ خُيُولِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهَا نَعَمْ يُذْبَحُ الْمَأْكُولُ لِلْأَكْلِ خَاصَّةً لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(وَإِنْ تَتَرَّسُوا النَّسَا إلَّا لِدَفْعٍ وَبِقَوْمٍ) أَيْ: وَإِنْ تَتَرَّسُوا فِي الْقِتَالِ لِلْغَلَبَةِ عَلَيْنَا بِنِسَائِهِمْ أَوْ نَحْوِهِمْ كَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ أَوْ بِقَوْمٍ (مِنَّا فِي صَفِّهِمْ) وَدَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى ضَرْبِ التُّرْسِ فِي الصُّورَتَيْنِ كَأَنْ كَانُوا بِحَيْثُ (لَوْ تُرِكُوا انْهَزَمْنَا)

ضُرِبَ التُّرْسُ

كَمَا سَيَأْتِي لِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى الْإِضْرَارِ بِنَا، أَمَّا إذَا تَتَرَّسُوا بِهِمْ دَفْعًا لَنَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَاحْتَمَلَ الْحَالُ تَرْكَهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الضَّرْبُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِيهِمَا لَكِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الضَّرْبِ فِي الْأُولَى كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَإِنْ أَصَابَ نِسَاءَهُمْ وَنَحْوَهُنَّ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَعَلَى هَذَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلنَّاظِمِ عَلَى طَرِيقَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ إلَّا لِدَفْعٍ عَمَّا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى طَرِيقَتِهِ إنَّمَا هُوَ

بِالضَّرُورَةِ

وَعَدَمِهَا لَا بِخُصُوصِ الدَّفْعِ وَعَدَمِهِ وَتَتَرُّسُهُمْ بِذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ كَتَتَرُّسِهِمْ بِمُسْلِمٍ وَأَوْلَى بِجَوَازِ الضَّرْبِ (لَا) إنْ تَتَرَّسَ (كَافِرٌ) وَاحِدٌ (بِمُسْلِمٍ) فَلَا يَضْرِبُ التُّرْسَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ وَإِنْ خِفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ لَا يُبَاحُ بِالْخَوْفِ وَأَرَادَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَعُمَّ الْخَوْفُ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْكَفِّ مَفْسَدَةٌ كُلِّيَّةٌ وَإِلَّا فَلَهُ الضَّرْبُ إذْ يُحْتَمَلُ فِي الْكُلِّيَّاتِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَقَوْلُهُ (فَيُضْرَبُ تُرْسٌ) جَوَابُ الشَّرْطِ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَمِنْ صَفِّ الْقِتَالِ يَذْهَبُ) أَيْ: يَنْصَرِفُ جَوَازًا مَنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ (حَيْثُ عَلَى الْمِثْلَيْنِ) أَيْ: مِثْلَيْنَا (زَادُوا) أَيْ: الْكُفَّارُ (فِي الْعَدَدْ) فَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى مِثْلَيْنَا بِأَنْ كَانُوا مِثْلَيْنَا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ لَنَا الِانْصِرَافُ وَإِنْ كُنَّا رَجَّالَةً وَهُمْ خَيَّالَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٦] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: ٤٥] وَسَوَاءٌ ظَنَّ الْهَلَاكَ بِالثَّبَاتِ أَمْ لَا إذْ الْغُزَاةُ يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] فَفُسِّرَتْ التَّهْلُكَةُ فِيهِ بِالْكَفِّ عَنْ الْغَزْوِ بِحُبِّ الْمَالِ وَبِالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ وَبِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الثَّبَاتِ لِلْمِثْلَيْنِ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا وَمَنْ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ مُطْلَقًا وَخَرَجَ بِالصَّفِّ مَا لَوْ لَقَى مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي طَلَبَهُمَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ وَالثَّبَاتِ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَمَاعَةِ لَكِنْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَظْهَرُ بِمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْصِرَافُ فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا مِثْلُ مَعْنَى التَّنْزِيلِ (لَا) أَيْ: لَا تَنْصَرِفُ (مِائَةٌ) مِنَّا (مِنْ مِائَتَيْنِ وَأَحَدْ) مِنْهُمْ (إذْ حِزْبُنَا لَا هُمْ) أَيْ: حِينَ يَكُونُ حِزْبُنَا (مِنْ الْأَبْطَالِ) دُونَ حِزْبِهِمْ بِأَنْ يَكُونُوا ضُعَفَاءَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ وَمِنْ هُنَا يَجُوزُ أَنْ تَنْصَرِفَ مِائَةٌ ضُعَفَاءُ مِنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَبْطَالًا وَحَيْثُ جَازَ الِانْصِرَافُ وَغَلَبَ ظَنُّ الْهَلَاكِ بِالثَّبَاتِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الثَّبَاتِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: لَكِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: جَوَازُ الضَّرْبِ فِي الْأُولَى) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَيَمْتَنِعُ إلَّا إنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ

بِالضَّرُورَةِ

وَعَدَمِهَا) أَيْ: فَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ضَرْبِ التُّرْسِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا

(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالصَّفِّ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا لَوْ قَصَدَ الْكُفَّارُ بَلَدًا فَتَحَصَّنَ أَهْلُهُ إلَى مَجِيءِ مَدَدٍ وَحُصُولِ قُوَّةٍ فَلَا يَأْثَمُونَ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَنْ فَرَّ بَعْدَ اللِّقَاءِ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَيُفِيدُهَا قَوْلُ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ

(قَوْلُهُ: فِي صَفِّهِمْ) قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ خَرَجَ مَا لَوْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ فِي قَلْعَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَفٍّ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُمْ وَإِنْ خَافَ الرَّامِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْجُزْئِيِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الضَّرْبِ فِي الْأُولَى إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ وَالْفَرْقُ حُرْمَةُ الدِّينِ وَالْعَهْدِ. اهـ.

شَرْحٌ م ر

(قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ) مِثْلُهُ مُسْلِمَانِ وَبَقِيَ مَا إذَا لَقِيَ ثَلَاثَةٌ سِتَّةً؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جَمَاعَةٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَرْعٌ.

الثَّبَاتُ إنَّمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَقِيَ مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ جَازَ الْفِرَارُ (قَوْلُهُ: فَلَهُ الِانْصِرَافُ) مُعْتَمَدُ ع ش

<<  <  ج: ص:  >  >>