للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نِكَايَةٌ وَجَبَ الْفِرَارُ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُسْتَحَبُّ الثَّبَاتُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ تَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا ذُكِرَ.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعِبْرَةُ عِنْدَ مَنْ اسْتَثْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَنَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَغْلِبُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ أَنَّا نُقَاوِمُ مَنْ بِإِزَائِنَا مِنْ الْعَدُوِّ الزَّائِدِ عَلَى مِثْلَيْنَا وَنَرْجُو الظَّفَرَ بِهِمْ (وَلَا) يَحْرُمُ الِانْصِرَافُ (لِلِانْحِرَافِ لِلْقِتَالِ) كَأَنْ يَقْصِدَ أَنْ يَكْمُنَ فِي مَوْضِعٍ وَيَهْجُمَ أَوْ يَفِرَّ مِنْ مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسَعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ أَوْ يَنْصَرِفَ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ (وَلَا إذَا لِفِئَةٍ) مِنَّا (تَحَيُّزًا) لِيَسْتَنْجِدَ بِهَا عَلَى الْقِتَالِ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: ١٦] وَعِبَارَةُ الْحَاوِي وَلِتَحَرُّفٍ لِقِتَالٍ وَتَحَيُّزٍ إلَى فِئَةٍ بِدُونِ لَا وَهِيَ أَنْسَبُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إذْ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَيَنْصَرِفُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الضَّعْفِ وَلِلتَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَوْ لِلتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ وَسَوَاءٌ قَرُبَتْ الْفِئَةُ أَمْ بَعُدَتْ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ؛ وَلِأَنَّ عَزْمَهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْقِتَالِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ.

(وَإِنْ بِهَذَا) أَيْ: بِتَحَيُّزِهِ إلَى فِئَةٍ (تَنْكَسِرْ) أَيْ: الْفِئَةُ الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا (مَا جُوِّزَا) أَيْ: لَا يُجَوِّزُ التَّحَيُّزَ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْحَالِ مَجْبُورًا بِعَزْمِهِ (وَلَا يُقَاتِلْ) أَيْ: الْمُتَحَيِّزُ إلَى فِئَةٍ أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ (مَعَهَا) إذَا عَادَتْ (مَهْمَا) أَيْ: إنْ (بَدَا) لَهُ عَدَمُ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّ عَزْمَهُ الْعَوْدَ إلَى الْقِتَالِ رَخَّصَ لَهُ الِانْصِرَافَ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدُ وَالْجِهَادُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ

(وَ) يَنْصَرِفُ (عَاجِزٌ) عَنْ الْقِتَالِ (بِمَرَضٍ) أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ) مَنْ (نَفِدَا) بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ: ذَهَبَ (سِلَاحُهُ) وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَجَرٍ يَرْمِي بِهِ (أَوْ فَرَسٌ) لَهُ (مَاتَ بِلَا قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِتَالِ رَاجِلَا) وَذَلِكَ لِعُذْرِهِمْ

(وَذُو تَحَيُّزٍ لِذَاتِ الْبُعْدِ مَا شَارَكَ) أَيْ: وَالْمُتَحَيِّزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ فِئَتِهِ لَا يُشَارِكُهَا (فِيمَا فِي الْفِرَاقِ غَنِمَا) أَيْ: فِيمَا غَنِمَتْهُ فِي حَالَةِ فِرَاقِهِ لَهَا لِعَدَمِ نُصْرَتِهِ وَشَارَكَهَا فِيمَا غَنِمَتْهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ لِبَقَاءِ نُصْرَتِهِ وَخَرَجَ بِالْبَعِيدَةِ الْقَرِيبَةُ فَيُشَارِكُ الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا فِيمَا غَنِمَتْهُ مُطْلَقًا لِذَلِكَ وَكَالْمُتَحَيِّزِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُتَحَرِّفُ لِقِتَالٍ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا عَنْ الِاسْتِغَاثَةِ

(وَلَوْ أَسَرْنَا ذَا صِبَا أَوْ خُنْثَى) أَوْ مَجْنُونًا أَوْ قِنًّا (فَقِيمَةٌ) لَهُ تَجِبُ (فِي قَتْلِهِ) عَلَى قَاتِلِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مَالًا مُحْتَرَمًا بِالْأَسْرِ (كَالْأُنْثَى) يَجِبُ بِقَتْلِهَا قِيمَتُهَا لِذَلِكَ (كَكَامِلٍ) قَتْلٍ (مِنْ قَبْلِ حُكْمِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ فِيهِ (بِمَا مَرَّ) فَإِنَّهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ كَذَا قَالَهُ كَأَصْلِهِ وَلَا يُعْرَفُ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى التَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ لَهُ وَهُوَ حُرٌّ إلَى أَنْ يَرِقَّهُ الْإِمَامُ وَخَرَجَ بِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ سِوَى التَّعْزِيرِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ أَرَقَّهُ ضَمِنَهُ قَاتِلُهُ بِقِيمَتِهِ وَتَكُونُ غَنِيمَةً وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي مَأْمَنِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ بَعْدَ حُصُولِهِ فِيهِ هُدِرَ دَمُهُ وَإِنْ فَدَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْإِمَامِ فِدَاءَهُ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِطْلَاقِهِ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَسْرِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ

(وَ) ، أَمَّا (كُتْبًا) بِإِسْكَانِ التَّاءِ مُخَفَّفًا مِنْ ضَمِّهَا (نَفْعُهَا قَدْ حُرِّمَا) كَكُتُبِ الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ وَالْهَجْوِ (فَاغْسِلْ) وُجُوبًا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهَا مَعَ بَقَاءِ وَرَقِهَا لِرِقَّتِهِ مُزِّقَتْ وَلَا تُحْرَقُ لِلتَّضْيِيعِ؛ لِأَنَّ لِلْمَزْقِ قِيمَةً وَإِنْ قَلَّتْ، وَمِمَّا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كُتُبُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِكَوْنِهَا مُبْدَلَةً وَإِنَّمَا تُقَرُّ بِيَدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِاعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَلَا يُشْكِلُ تَحْرِيمُ التَّحْرِيقِ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ الْقُرْآنَ جَمَعَ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ وَأَحْرَقَهُ أَوْ أَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِانْتِشَارِ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهَا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى

(وَيَسْتَبْسِطُ مَنْ لِلْوَقْعَةِ يَشْهَدُ قَبْلَ قَسْمِهِ وَالرَّجْعَةِ لِعَامِرِ الْإِسْلَامِ فِيمَا يُلْفَى لِمَأْكَلٍ وَلِاعْتِلَافٍ عُرْفَا) أَيْ: وَلِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنَّا قَبْلَ قَسْمِ الْمَغْنَمِ وَقَبْلَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَجَرٍ يَرْمِي بِهِ) وَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ جَوَازِ الِانْصِرَافِ عِنْدَ فَقْدِ السِّلَاحِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ ضَعِيفٌ وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ لَكِنْ الرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا خِلَافُهُ

(قَوْلُهُ: فَيُشَارِكُ الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا) فِي الصَّبْغِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ كَأَصْلِهِ) حَمَلَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ عَلَى مَا إذَا أَمَّنَهُ آسِرُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ أَحَدٌ وَجَبَ عَلَيْهِ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَعْصُومٌ بِأَمَانٍ، وَالتَّشْبِيهُ الَّذِي فِي الْحَاوِي وَالْبَهْجَةِ فِي مُطْلَقِ الضَّمَانِ أَوْ يُرَادُ بِالْقِيمَةِ مَا يَشْمَلُ الدِّيَةَ تَجَوُّزًا (قَوْلُهُ: ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ) اُنْظُرْ لَوْ زَادَتْ الدِّيَةُ عَلَى قَدْرِ الْفِدَاءِ

(قَوْلُهُ: وَلَا تُحَرَّقْ) أَيْ: يَحْرُمُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُقَرُّ بِيَدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ) قَدْ يُشْعِرُ بِحُرْمَةِ اتِّخَاذِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: أَمْ بَعُدْت) قَالَ م ر وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ الْبَعِيدَةِ بِأَنْ تَكُونَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ الْمَارِّ فِي التَّيَمُّمِ. اهـ.

وَعَلَيْهِ فَلَا اسْتِشْهَادَ بِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِيمَا نَابَهُ؛ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِمُسْلِمٍ دُونَ مُجَاهِدٍ (قَوْلُهُ: مَا جُوِّزَا) اعْتَمَدَهُ م ر

<<  <  ج: ص:  >  >>