للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رُجُوعِهِ لِعَامِرِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَبَسَّطَ فِيمَا يُوجَدُ مِنْ الْمَغْنَمِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَنَا وَيُعْلَفُ لِلدَّوَابِّ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ مِنْ فَاكِهَةٍ وَشَعِيرٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى. قَالَ أَصَبْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ طَعَامًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ كُنَّا نَصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ عِزَّتُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ لَهُ عَنَّا فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ وَقَدْ تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ يَكْفِيهِ أَمْ لَا لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. قَالَ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَضِيقَ مَنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فَلِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِمْ. قَالَ وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلْحَاقًا لِدَارِهِمْ فِيهِ بِالسَّفَرِ فِي التَّرَخُّصِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّا لَوْ جَاهَدْنَاهُمْ فِي دَارِنَا امْتَنَعَ التَّبَسُّطُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلٍّ لَا يَعِزُّ فِيهِ الطَّعَامُ لِمَا سَيَأْتِي

وَخَرَجَ بِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مَنْ لَحِقَ الْعَسْكَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يَتَبَسَّطُ كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا، وَبِقَبْلِ الْقِسْمَةِ مَا بَعْدَهَا لِثُبُوتِ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِهَا كَذَا عَبَّرُوا بِالْقِسْمَةِ هُنَا وَالْوَجْهُ التَّعْبِيرُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا سَيَأْتِي وَبِقَبْلِ الرُّجُوعِ لِعَامِرِ الْإِسْلَامِ مَا بَعْدَهُ أَيْ: وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ لِانْتِهَاءِ الْحَاجَةِ الْمُرَخِّصَةِ حِينَئِذٍ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الشِّرَاءِ وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدِ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِنَا وَبِمَا يُؤْكَلُ وَيُعْلَفُ فِي الْعُرْفِ أَيْ: عُمُومًا مَا عَدَاهُ مِنْ نَحْوِ مَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَشَحْمٍ لِدُهْنِ الدَّوَابِّ وَمِنْ نَحْوِ فَانِيدٍ وَسُكَّرٍ وَأَدْوِيَةٍ تَنْدُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ وَيَحْرُمُ إطْعَامُ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الدَّوَابِّ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَابَّتَانِ فَأَكْثَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَفَ الْجَمِيعِ، وَقِيلَ لَا يَأْخُذُ إلَّا لِوَاحِدٍ كَمَا لَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ (وَ) يَتَبَسَّطُ فِي (حَيَوَانِ الْأَكْلِ) كَالْأَطْعِمَةِ (قَدْرًا كَانَا) أَيْ: يَتَبَسَّطُ فِيمَا ذُكِرَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ (كِفَايَةً) فِي الْعُرْفِ فَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِهَا لَزِمَهُ قِيمَةُ الزَّائِدِ وَمَا يَأْخُذُهُ لِلتَّبَسُّطِ (يَمْلِكُهُ مَجَّانَا) أَيْ: بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَا قَالَهُ كَأَصْلِهِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ لَكِنْ أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ كَالضَّيْفِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمَا يَمْلِكُ بِهِ الضَّيْفُ مَا قُدِّمَ لَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ النَّاظِمِ وَأَصْلِهِ عَلَيْهِ

وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامَ نَفْسِهِ، وَيَصْرِفَ الْمَأْخُوذَ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى كَمَا لَا يَتَصَرَّفُ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ (وَإِنْ أَضَافَ غَانِمًا) آخَرَ مِمَّا أَخَذَهُ لِلتَّبَسُّطِ فَلَا تَعَرُّضَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَمُّلُ التَّعَبِ عَنْهُ (أَوْ أَقْرَضَا) لَهُ مِنْهُ (بِبَدَلٍ مِنْهُ فَلَا تَعَرُّضَا) عَلَيْهِ وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ مَا دَامَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ عَنْهُ مَجَّانًا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ أَيْ: مِمَّا غَنِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قَرْضًا مَحْضًا إذْ الْآخِذُ لَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ حَتَّى يَمْلِكَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِبَدَلِهِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِالْمَمْلُوكِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمَغْنَمِ بَدَلُهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ (وَ) الضِّيَافَةُ وَالْإِقْرَاضُ مِمَّا أَخَذَهُ لِلتَّبَسُّطِ (لِسِوَاهُ) أَيْ: لِغَيْرِ الْغَانِمِ (كَبِغَصْبٍ) أَيْ: كَالضِّيَافَةِ بِالْمَغْصُوبِ وَالْإِقْرَاضِ مِنْهُ فَيَضْمَنُهُ الْمُتْلِفُ، وَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ لَهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ وَلَوْ بَاعَهُ لِغَانِمٍ آخَرَ فَهُوَ إبْدَالُ مُبَاحٍ بِمُبَاحٍ كَلَقْمِ الضِّيفَانِ وَكُلٌّ أَحَقُّ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ تَبَايَعَا صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَلَيْسَ رِبًا إذْ لَا مُعَاوَضَةَ مُحَقَّقَةٌ.

(رَدَّا عَمَّا كَفَاهُ فَاضِلَا) أَيْ: وَرَدَّ الْمُتَبَسِّطُ وُجُوبًا إلَى الْمَغْنَمِ الْفَاضِلَ عَنْ كِفَايَتِهِ (وَالْجِلْدَا) أَيْ: جِلْدَ مَا ذَبَحَهُ لِلْأَكْلِ مَا لَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ

(وَ) غَانِمٌ (مُعْرِضٌ) عَنْ حَقِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ مُسْتَوٍ مَعَ فَقْدِهِ كَمَا سَيَأْتِي أَيْ: قُدِّرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ فَتُضَمُّ حِصَّتُهُ إلَى الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ مِنْ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالذَّبُّ عَنْ الْمِلَّةِ، وَالْغَنَائِمُ تَابِعَةٌ فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا فَقَدْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْغَرَضِ الْأَعْظَمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْغَنِيمَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا يَمْلِكُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَمَلَّكَ فَأَشْبَهَ حَقُّهُ حَقَّ الشُّفْعَةِ فَسَقَطَ حَقُّهُ بِالْإِعْرَاضِ (حُرٌّ رَشِيدٌ كُلِّفَا) فَلَا يَصْلُحُ إعْرَاضُ مُقَابِلِيهِمْ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا غَنِمَهُ الْقِنُّ إنَّمَا هُوَ لِسَيِّدِهِ وَسَيَأْتِي صِحَّةُ إعْرَاضِهِ وَلَوْ رَشَدَ السَّفِيهُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ صَحَّ إعْرَاضُهُمْ حِينَئِذٍ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ سَفِهَ الرَّشِيدُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: بَلَدُ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى بَلَدِ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ خَارِجٍ عَنْ دَارِهِمْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ دَارِهِمْ وَخَارِجِهَا (قَوْلُهُ: سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ) وَلَوْ تَرَكَ الرَّدَّ حَتَّى وَصَلَ لِبِلَادِ الْإِسْلَامِ رَدَّهُ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَى الْمُقْرِضِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ مَا دَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِرّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ: بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ سَيِّدُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَلَا يَظْهَرُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ فِي حَقِّهَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ. اهـ.

وَكَأَنَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْمُفْلِسِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ جَوَازُ إعْرَاضِهِ

(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي صِحَّةُ إعْرَاضِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: فَيَضُمُّ حِصَّتَهُ إلَى الْمَغْنَمِ) أَيْ: وَيُعْطِي لِأَهْلِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ

<<  <  ج: ص:  >  >>