للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَمْ يَسُبَّ وَلَا قَسَمَ شَيْئًا» وَلِمَا فِي قِصَّةِ صُلْحِهَا «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهَا فَعَقَدَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمَانَ وَهُوَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَقَالَ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَاسْتَثْنَى مِنْهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنَاسًا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَمَنْ قَالَ فُتِحَتْ عَنْوَةً مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ

، ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ الْجِهَادِ فَقَالَ (وَمَهْمَا عَبَرُوا) أَيْ: الْكُفَّارُ دَارَنَا (وَلَوْ إلَى خَرَابِنَا) أَوْ مَوَاتِنَا (أَوْ أَسَرُوا مَرْجُوَّ فَكٍّ مُسْلِمًا) أَيْ: مُسْلِمًا نَرْجُو فَكَّهُ (يُفْرَضْ لِكُلِّ ذِي قُوَّةٍ) أَيْ: يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ قَوِيٍّ عَلَى الْقِتَالِ لِعِظَمِ الْأَمْرِ وَخَرَجَ بِمَرْجُوِّ الْفَكِّ مَنْ لَا يُرْجَى فَكُّهُ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْخُرُوجَ لَا يُفِيدُ فَلَا يَجِبُ بَلْ يُنْتَظَرُ كَمَا لَوْ دَخَلَ مَلَكَ عَظِيمٌ مِنْهُمْ طَرَفَ بِلَادِنَا لَا يَتَسَارَعُ لِدَفْعِهِ الْآحَادُ وَالطَّوَائِفُ لِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْخَطَرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَالْمِنْهَاجِ الْوُجُوبُ إذَا رَجَوْنَا فَكَّهُ مَعَ تَوَغُّلِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وَعَدَمِ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ نَرْجُ فَكَّهُ مَعَ قُرْبِهِمْ، وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا فَكُّ مَنْ أُسِرَ مِنْ الذِّمِّيِّينَ (وَالْحَجَرُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ كُلِّ قَوِيٍّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ بِبِلَادِهِمْ مِنْ قِنٍّ وَامْرَأَةٍ نَافِعَةٍ فِي الْحَرْبِ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ (فَلْيَنْزِلْ) هُنَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَإِنْ كَفَى غَيْرُهُ لِعِظَمِ الْأَمْرِ (كَظَاهِرِ) أَيْ: كَمَا يُفْرَضُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ تَعَلُّمُ ظَاهِرِ عِلْمِ (الْأَحْكَامِ فِي الصَّنَائِعِ) الَّتِي يُعَانِيهَا دُونَ عِلْمِ دَقَائِقِهَا وَالْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مُتَعَاطِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ تَعَلُّمُ أَحْكَامِهِمَا حَتَّى يَتَعَيَّنَ عَلَى الْخَبَّازِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَلَا بِدَقِيقِهِ، وَالصَّيْرَفِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَدَاءِ قَلْبٍ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: وَكَتَعَلُّمِ ظَاهِرِ عِلْمِ دَاءِ الْقَلْبِ أَيْ: مَرَضِهِ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ فَيَعْلَمَ حَدَّهُ وَسَبَبَهُ وَعِلَاجَهُ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ، ثُمَّ. قَالَ وَخَصَّهُ غَيْرُهُ بِالْحَاجَةِ فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمًا أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ تَطْهِيرِهِ بِغَيْرِ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعَلُّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ (وَ) كَتَعَلُّمِ ظَاهِرِ عِلْمِ (صِفَاتِ الصَّانِعِ) تَعَالَى (وَ) ظَاهِرِ (صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ التَّوْحِيدَا) وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْعِلْمُ بِالدَّلِيلِ بَلْ يَكْفِي فِيهِمَا الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّوَغُّلُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ بَقِيَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا التَّشَاغُلَ بِهِ كَمَا لَمْ تَشْتَغِلْ بِهِ الصَّحَابَةُ وَرُبَّمَا نُهِينَا عَنْهُ فَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ ثَارَتْ الْبِدَعُ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهَا تَلْتَطِمُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِ مَا يُدْعَى بِهِ إلَى الْمَسْلَكِ الْحَقِّ، وَتَزُولُ بِهِ الشُّبْهَةُ فَصَارَ الِاشْتِغَالُ بِأَدِلَّةِ الْمَعْقُولِ فَرْضَ كِفَايَةٍ (لَا) أَيْ: إنَّمَا يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ قَوِيٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَإِنْ كَفَاهُمْ غَيْرُهُ لَا عَلَى (مَنْ يَكُونُ عَنْهُمْ بَعِيدَا مَسَافَةَ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرَ (إذَا) كَانَ ثَمَّ (كَافٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ كَافٍ فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (نَشِطَ لِلْحَرْبِ) أَيْ: أَسْرَعَ إلَيْهَا إيضَاحٌ (قُلْتُ زَادُ كُلٍّ) مِنْ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ (مُشْتَرَطٌ) فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ إذْ لَا اسْتِقْلَالَ بِدُونِهِ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِمْ الْخُرُوجَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَهْلَكُونَ؛ وَيَشْتَرِطُ وُجُودَ الْمَرْكُوبِ لِمَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْحَجِّ

(وَبِالْمُلَاقَاةِ) أَيْ: عِنْدَهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ (السَّلَامُ) يُسَنُّ. قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: ٦١] أَيْ: لِيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالْأَمْرُ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ مُؤَكَّدَةٌ (لَا عَلَى مَنْ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِهَا وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ (أَوْ بِأَكْلٍ) أَيْ: وَلَا عَلَى مَنْ (شُغِلَا) بِأَكْلٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِحَالَةِ الْمَضْغِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ كَمَا فِي التَّعْلِيقَةِ (وَ) لَا عَلَى (مَنْ بِحَمَّامٍ) .

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِالْغُسْلِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ الْأَوَّلِ دُخُولُ مَحَلِّ نَزْعِ الثِّيَابِ، وَالثَّانِيَ خُرُوجُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ (وَ) لَا عَلَى (ذِي اسْتَطَابَهْ) أَيْ: قَاضِي الْحَاجَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي هَذِهِ

ــ

[حاشية العبادي]

هُوَ فِي الْمَوْجُودِ حَالَ الْفَتْحِ وَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِوَقْفٍ قَطْعًا سَوَاءٌ الدُّورُ وَالْغِرَاسُ صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِرّ وَقَوْلُهُ: لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً ظَاهِرُهُ نَفْيُ الْوَقْفِ عَنْ أَرْضِهَا وَبِنَائِهَا وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ الدُّورُ إلَخْ لَعَلَّ الْمُرَادَ مُجَرَّدُ الْأَبْنِيَةِ وَالشَّجَرِ وَإِلَّا فَأَرْضُ ذَلِكَ قَدْ شَمِلَهَا الْوَقْفُ

(قَوْلُهُ: لَا عَلَى مَنْ فِي الصَّلَاةِ) وَيُسَنُّ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَ السَّلَامِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي خُرُوجُهُ) وَإِنْ الْمُغْتَسِلُ فِي غَيْرِ الْحَمَّامِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَسَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَمُغْتَسِلٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) وَحَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يُسَنُّ لَهُ بِاللَّفْظِ وَكَذَلِكَ الْآكِلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ اللُّقْمَةُ فِي فَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيُسَنُّ لَهُ الرَّدُّ حَجَرٌ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَالْإِجَارَةُ شَامِلَةٌ لِلْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَجَرِيبِ الشَّجَرِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: عِلْمِ الْأَحْكَامِ) أَيْ: مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ النَّسَبُ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ صِحَّةِ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ ظَاهِرُ مَسَائِلَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ اعْتِقَادِهِ التَّوْحِيدَ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ وَظَاهِرِ عِلْمِ تَوْحِيدٍ وَصِفَاتٍ (قَوْلُهُ: إيضَاحٌ) عِبَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>