أَوَّلَ الْبَابِ
(وَلَوْ تَوَكَّلَا) أَيْ: الْمُسْلِمُ فِي دَفْعِهَا عَمَّنْ لَزِمَتْهُ (أَوْ ضَمِنَ الْمُسْلِمُ عَنْهُ) ذَلِكَ (قُبِلَا) أَيْ: صَحَّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ عُقُوبَةِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ فَالتَّوْكِيلُ، وَالضَّمَانُ فِي الْعُقُوبَةِ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا
(وَيُضَعِّفُ الزَّكَاةَ عَنْهُ) أَيْ: وَلِلْإِمَامِ إذَا قَالُوا نُعْطِي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ أَنْ يُضَعِّفَ الزَّكَاةَ (بَدَلَا) عَنْ الدِّينَارِ إذَا كَانَ ذَلِكَ (مَصْلَحَةً) وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ، وَاسْمُ الْجِزْيَةِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَصَارَى الْعَرَبِ لَمَّا قَالُوا لَهُ نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّيهِ الْعَجَمُ فَخُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الزَّكَاةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فِيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ صَالَحْتُكُمْ عَلَى ضِعْفِ الصَّدَقَةِ أَوْ جَعَلْته عَلَيْكُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ بِالْمَالِ الزَّكَوِيِّ وَقَدْرِ الزَّكَاةِ فَيَأْخُذُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَيْنِ وَفِي عَشْرٍ أَرْبَعًا وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَيْنِ وَفِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعَيْنِ وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا وَخُمُسَ الْمُعْشِرَاتِ إنْ سُقِيَتْ بِلَا مُؤْنَةٍ وَعُشْرَهَا إنْ سُقِيَتْ بِمُؤْنَةٍ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ عَنْهُ بَدَلًا أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ النِّصَابِ قِسْطُهُ كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ شَاةً وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ، فَإِنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَهَلْ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُقَرُّ بِلَا جِزْيَةٍ وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ بَعْضِهِمْ بِلَا مَالٍ وَأَجْرَى الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ الْتَزَمَ وَاحِدٌ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَنْهُ وَعَنْ تِسْعَةٍ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا
(وَهَلْ كَذَا الْجُبْرَانُ) أَيْ: وَهَلْ يَجُوزُ تَضْعِيفُ الْجُبْرَانِ الْجَوَابُ (لَا) لِئَلَّا يَكْثُرَ التَّضْعِيفُ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ أَخْرَجَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ، أَوْ حِقَّتَيْنِ مَعَ أَخْذِهِ فَيُعْطِي فِي النُّزُولِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ يُضَعِّفُهُ فَيُعْطِي فِي النُّزُولِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَرْبَعَ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ (فَزَادَ إنْ عَنْ قَدْرِ دِينَارٍ نَزَلْ) أَيْ: وَإِذَا عَقَدَ الْإِمَامُ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ زَادَ عَلَى الضِّعْفِ حَتَّى يَبْلُغَ دِينَارًا إنْ نَقَصَ الضِّعْفُ عَنْ قَدْرِ دِينَارٍ (لِكُلِّ رَأْسٍ) ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ فَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضُوا بِالْمَعْنَى (وَلْيُنَصِّفْ) أَيْ: وَجَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّفَ الزَّكَاةَ (إنْ عَدَلْ) نِصْفُهَا دِينَارًا أَيْ: وَفَّى بِهِ لِكُلِّ رَأْسٍ فَيَأْخُذَ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بَعِيرًا بِنْتَ لَبُونٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ تَضْعِيفُهَا وَلَا تَنْصِيفُهَا فَيَجُوزُ تَرْبِيعُهَا وَتَخْمِيسُهَا وَنَحْوُهُمَا عَلَى مَا يَرَوْنَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي الزُّرُوعِ وَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِعْفَ الزَّكَاةِ مَثَلًا وَزَادَ عَلَى دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، ثُمَّ سَأَلُوهُ إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ، وَإِعَادَةَ اسْمِ الْجِزْيَةِ أُجِيبُوا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ
(وَ) لِلْإِمَامِ (أَخْذُ عُشْرٍ مِنْ) بِضَاعَةِ (كَفُورٍ) أَيْ: كَافِرٍ حَرْبِيٍّ أَوْ ذِمِّيٍّ (جَالِبِ) لَهَا لِلتِّجَارَةِ (إلَى الْحِجَازِ وَمِنْ) بِضَاعَةِ (الْمُحَارِبْ) أَيْ: الْحَرْبِيِّ الْجَالِبِ لِغَيْرِ الْحِجَازِ وَيَأْخُذُهُ
ــ
[حاشية العبادي]
بِالْفُرُوعِ خِلَافًا لِمَا أَجَابَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ قَالَ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَسْلَمَا لَحَلَّتْ الدَّرَاهِمُ لَهُ قَالَ وَهَذَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ تَقْرِيرَ الذِّمِّيِّ عَلَى ثَمَنِ الْخَمْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ رُخْصَةٌ كَمَا يُقَرُّ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ تَقْرِيرِهِ فِيمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِرُخْصَةٍ وَلِهَذَا لَا نُفْتِيهِمْ بِجَوَازِهِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ مَعَ كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: وَيُضَعِّفُ الزَّكَاةَ عَنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِبَدَلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: فَيَأْخُذُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ) وَيَأْخُذُ مِنْ مِائَتَيْنِ أَيْ: مِنْ الْإِبِلِ ثَمَانَ حِقَاقٍ أَوْ عَشَرَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا يَأْخُذُ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَشْقِيصَ أَيْ: هُنَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ) الَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ قِيَاسُ بَابِ الزَّكَاةِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالتَّوَسُّطِ آخِرَ الْحَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ تَرْجِيحُ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ) هَذَا الْمَحَلُّ يَجِبُ إصْلَاحُهُ فَإِنَّ تَضْعِيفَ الْجُبْرَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ خَاصٌّ بِالنُّزُولِ دُونَ الصُّعُودِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا إذْ كَيْفَ يُعْقَلُ الْقَوْلُ بِأَنَّا نُضَعِّفُ لِلْكَافِرِ الْجُبْرَانَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَّا لِأَجْلِ صُعُودِهِ هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ ذَاهِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بُرُلُّسِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إنْ عَنْ قَدْرِ دِينَارٍ نَزَلَ) وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ زِيَادَةَ شَيْءٍ عَلَى الدِّينَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ لِأَجْلِ سُقُوطِ الِاسْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَحَطِّ الصِّغَارِ عَنْهُمْ بِرّ
(قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ أَخْذُ عَشَرٍ مِنْ كَفُورٍ)
ــ
[حاشية الشربيني]
مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ، ثُمَّ رَأَيْت ذَلِكَ بِخَطِّ سَبْطٍ الطَّبَلَاوِيِّ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ
(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ) هُوَ الْأَصَحُّ فِي غَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ. اهـ. م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ كَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ بَقَاءُ مُوسِرٍ بِلَا جِزْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ هُنَا لِلْأَشْخَاصِ بَلْ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ هَلْ يَفِي بِرُءُوسِهِمْ أَوْ لَا؟ . اهـ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُكْثِرَ التَّضْعِيفَ) أَيْ: لِئَلَّا يُضَعِّفَ الضِّعْفَ. اهـ.