للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَظْهَرَ الذِّمِّيُّ بِدَارِنَا الْخَمْرَ أَوْ النَّاقُوسَ أَوْ اعْتِقَادَهُ فِي الْمَسِيحِ أَوْ عُزَيْرٍ أَوْ نَحْوَهَا كَالْخِنْزِيرِ وَالْأَعْيَادِ (عُزِّرَا) وَلَا يَنْتَقِضُ بِذَلِكَ عَهْدُهُ وَإِنْ شَرَطَ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ، أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَتَضَرَّرُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَدَيَّنُ بِهِ بِخِلَافِ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي

(وَانْتَقَضَ الْعَهْدُ) الَّذِي لَهُ (بِجِزْيَةٍ مَنَعْ) أَيْ: بِمَنْعِهِ الْجِزْيَةَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هَكَذَا. قَالَ الْأَصْحَابُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَادِرِ، أَمَّا الْعَاجِزُ إذَا اُسْتُمْهِلَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ. قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَخْذُهَا مِنْ الْمُوسِرِ قَهْرًا وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَيُخَصُّ قَوْلُهُمْ بِالْمُتَغَلِّبِ الْمُقَاتِلِ. اهـ.

وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مَفْهُومٌ مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ (وَبِقِتَالٍ) مِنْهُ لَنَا بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَانَ الْبُغَاةَ كَمَا مَرَّ (وَتَمَرُّدٍ وَقَعْ) مِنْهُ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الِانْقِيَادِ لِأَحْكَامِنَا بِالْقُوَّةِ وَالْعُدَّةِ لَا بِالْهَرَبِ كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْبِيرُهُ بِالتَّمَرُّدِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُمَا ذَلِكَ وَهُوَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ شَرَطَ الِانْتِقَاضَ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِيهِ وَقَيَّدَ بِالشَّرْطِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَوَجْهُ الِانْتِقَاضِ بِهِ مُخَالَفَتُهُ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ (وَاغْتِيلَ) مُنْتَقِضُ الْعَهْدِ بِالْقِتَالِ (قَتْلًا) أَيْ: بِالْقَتْلِ إذْ لَا وَجْهَ لِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ مَعَ نَصْبِهِ الْقِتَالَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِ بِالِاسْتِئْصَالِ، أَمَّا مُنْتَقِضُ الْعَهْدِ بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالتَّمَرُّدِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مَعَ مُنْتَقِضِ الْعَهْدِ بِمَا سَيَأْتِي هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَخَذَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَاوِي بِظَاهِرِ كَلَامِهِ فَجَعَلَ الِاغْتِيَالَ رَاجِعًا إلَى مُنْتَقِضِ الْعَهْدِ بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ

(وَبِشَرْطٍ) بِالتَّنْوِينِ أَيْ: يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ وَبِشَرْطِ الِانْتِقَاضِ (إنْ قَذَفْ مُسْلِمًا) وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ أَوْ وَصَفْ نَبِيَّنَا) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ (عَلَى خِلَافِ مَا اعْتَقَدْ) كَنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا أَوْ الطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَفَهُ عَلَى وَفْقِ اعْتِقَادِهِ كَقَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ إنَّهُ قَتَلَ الْيَهُودَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ شَرَطَ الِانْتِقَاضَ بِهِ وَقَوْلُهُ نَبِيَّنَا مِنْ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ جَارٍ فِي كُلِّ نَبِيٍّ وَإِنَّ وَصْفَ اللَّهِ بِمَا ذُكِرَ كَوَصْفِ نَبِيِّهِ بَلْ أَوْلَى (أَوْ قَتَلَ النَّفْسَ) أَيْ: الْمُسْلِمَةَ كَمَا قَيَّدَ بِهَا فِي التَّنْبِيهِ (بِمُوجِبِ الْقَوَدْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَى الْقَاتِلِ كَذِمِّيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا لَقُتِلَ بِهِ (أَوْ فَتَنَ الْمُسْلِمَ) عَنْ دِينِهِ أَوْ دَعَاهُ إلَى دِينِهِ (أَوْ تَطَلَّعَا) عَلَى (عَوْرَاتِنَا) وَبَلَّغَهَا إلَى الْحَرْبِيِّينَ (أَوْ الطَّرِيقَ قَطَعَا) عَلَى مُسْلِمٍ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ، وَالتَّنْبِيهِ (أَوْ طَعَنَ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَا) أَيْ: طَعَنَ فِي أَحَدِهِمَا بِمَا لَا يَتَدَيَّنُ بِهِ بِخِلَافِ طَعْنِهِ بِمَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَقَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (أَوْ يُؤْوِي الْعَيْنَ لَهُمْ) أَيْ: جَاسُوسًا لِلْحَرْبِيِّينَ (أَوْ زَانَى مُسْلِمَةً) أَيْ: زَنَى بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِإِسْلَامِهَا (وَلَوْ بِعَقْدٍ) لِنِكَاحٍ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَطَفَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هَذَا عَلَى الزِّنَا فَقَالَ وَلَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ أَيْ: وَاقِعٍ حَالَ إسْلَامِهَا فَلَوْ عَقَدَهُ عَلَى كَافِرَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَصَابَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ فَقَدْ يُسْلِمُ فَيَسْتَمِرُّ نِكَاحُهَا.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِوَاطَهُ بِمُسْلِمٍ كَزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ انْتِقَاضَ عَهْدِهِ بِذَلِكَ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا انْتِقَاضَ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَسَوَاءٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمْ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ مُوجِبِ مَا فَعَلَهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ فَلَوْ قُتِلَ بِقَوَدٍ أَوْ حَدٍّ كَرَجْمٍ، وَفَرَّعْنَا عَلَى الِانْتِقَاضِ فَهَلْ يَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ فَيْئًا. قَالَ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ وَمَالُهُ تَحْتَ أَيْدِينَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ؛ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا، أَوْ غَنِيمَةً، وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا

(وَلْيَصِرْ) مُنْتَقِضُ الْعَهْدِ (عَلَى الصَّحِيحِ مِثْلَ كَامِلٍ أُسِرْ) فَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ نَعَمْ إنْ طَلَبَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ وَجَبَ إجَابَتُهُ إلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ الْمَزِيدِ عَلَى الْحَاوِي أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ كَمَنْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَاكَ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ مَا أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الدَّاخِلَ بِهُدْنَةٍ، أَوْ أَمَانٍ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ مَعَ أَنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ آكَدُ مِنْهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا، وَبِالِانْتِقَاضِ زَالَ الْتِزَامُهُ لَهَا بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لَهَا، وَقَضِيَّةُ الْأَمَانِ رَدُّهُ إلَى

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: بِلَا شُبْهَةٍ) هَلْ يَخْرُجُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ بِقِتَالٍ

(قَوْلُهُ: أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ) قَالَ الشَّارِحُ الثَّانِيَةُ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ فِيهَا إنْ شَرَطَ وَإِلَّا فَلَا يَسُبُّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ شَيْخُنَا الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: عَنْ دِينِهِ) أَيْ: الْمُسْلِمِ، وَقَوْلُهُ: إلَى دِينِهِ أَيْ: الْفَاتِنِ (قَوْلُهُ: بِمَا لَا يَتَدَيَّنُ بِهِ) قَدْ يُمَثَّلُ لَهُ بِقَوْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ إنَّهُ مُتَنَاقِضُ الْمَعْنَى فَاسِدُ الْوَضْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَصِيرُ) فِيهَا جَزَمَ بِهِ الرَّوْضُ

(قَوْلُهُ: وَجَبَ إجَابَتُهُ) سَيَأْتِي بَحْثُ الْبُلْقِينِيِّ فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِالْقِتَالِ أَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إرْقَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ عَلَى قِيَاسِهِ أَنْ يَقُولَ بِهِ هُنَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِ بِرّ (قَوْلُهُ: وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ)

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: وَإِنْ شَرَطَ الِامْتِنَاعَ إلَخْ) وَيَكُونُ الشَّرْطُ لِمُجَرَّدِ التَّخْوِيفِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِإِيجَابِهِ الْقَوَدَ تَدَبَّرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>