للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ يُرَمِّمْ) أَيْ: الْكَافِرُ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْمُبْقَاةَ إذَا خَرِبَتْ (أَوْ يُعِدْ) هَا إذَا انْهَدَمَتْ (لَا مُوسِعًا) لَهَا (مُكِّنَ) ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَكَانِهَا بِأَنْ يَرُمَّهَا وَيُعِيدَهَا بِمَا تَهَدَّمَ لَا بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ لَفْظِ التَّرْمِيمِ، وَالْإِعَادَةِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ: أَمَّا إذَا أَعَادَهَا مُوَسِّعًا لَهَا فَلَا يُمَكَّنُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ بِيَعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأُولَى

. (وَالْكَافِرُ عَنْهُ دُفِعَا) أَيْ: يَجِبُ عَلَيْنَا دَفْعُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا عَنْ الذِّمِّيِّ لِعِصْمَتِهِ، وَكَذَا دَفْعُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ (لَا إنْ شَرَطْنَا نَفْيَهُ) أَيْ: نَفْيَ الدَّفْعِ عَنْهُ فَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ هَذَا الشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ عَجْزِنَا، وَمَحَلُّ صِحَّتِهِ إذَا انْفَرَدَ الذِّمِّيُّ عَنَّا بِبَلَدٍ، أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَكُنْ مَمَرُّ مَنْ يَقْصِدُهُ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ أَوْ انْفَرَدَ وَكَانَ مَمَرُّ الْقَاصِدِينَ لَهُ عَلَيْنَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَلَا الْعَقْدُ لِتَضَمُّنِهِ تَمْكِينَ الْكُفَّارِ مِنَّا فَإِنْ لَمْ نَدْفَعْ عَنْهُ لَمْ تَجِبْ جِزْيَةٌ ذَلِكَ الْعَامِ. قَالُوا كَمَا لَا تَجِبُ أُجْرَةُ الدَّارِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِنْ لَمْ نَدْفَعْ بَعْضَ الْحَوْلِ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ

. (وَلْيَرْكَبْ) أَيْ: الْكَافِرُ (إنْ شَاءَ) الدَّوَابَّ حَتَّى الْبِغَالَ وَلَوْ نَفِيسَةً (لَا الْخَيْلَ) حَتَّى الْبَرَاذِينَ إذْ فِي رُكُوبِهَا عِزٌّ نَعَمْ إنْ انْفَرَدَ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْ رُكُوبِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ عَدَمُ الْمَنْعِ. قَالَ وَلَوْ اسْتَعَنَّا بِهِ فِي حَرْبٍ حَيْثُ يَجُوزُ فَالظَّاهِرُ تَمْكِينُهُ مِنْ رُكُوبِهَا زَمَنَ الْقِتَالِ، وَإِذَا رَكِبَ فَلْيَرْكَبْ (بِرُكْبِ خَشَبِ) لَا حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيَرْكَبُ عَلَى الْأَكُفِّ دُونَ السَّرْجِ عَرْضًا تَمْيِيزًا لَهُ عَنَّا لِيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ وَيُمْنَعُ مِنْ تَقْلِيدِ السَّيْفِ، وَحَمْلِ السِّلَاحِ وَلُجُمٍ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَكُلُّ هَذَا خَاصٌّ بِأَهْلِ الْجِزْيَةِ إذْ لَا صَغَارَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ

(وَمِنْ غِيَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَزُنَّارٍ بِضَمِّ الزَّايِ (يَلْبَسُونَ) أَيْ: الرِّجَالُ (وَالنِّسَا) وُجُوبًا بِدَارِنَا وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِلتَّمْيِيزِ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى تَغَيُّرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَالْغِيَارُ أَنْ يَخِيطُوا عَلَى ثِيَابِهِمْ الظَّاهِرَةِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخِيَاطَةُ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ، وَإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ عَلَى الْكَتِفِ كَالْخِيَاطَةِ، ثُمَّ الْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْعَسَلِيُّ وَهُوَ الْأَصْفَرُ، وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ أَوْ الْأَكْهَبُ، وَيُسَمَّى الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِ الْأَسْوَدُ، أَوْ الْأَحْمَرُ وَالزُّنَّارُ خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ بِهِ أَوْسَاطُهُمْ خَارِجَ الثِّيَابِ، وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ، وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَيُجْعَلُ الزُّنَّارُ فَوْقَ إزَارِ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِذَا خَرَجَتْ بِخُفٍّ فَلْيَكُنْ أَحَدُهُمَا بِلَوْنٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ وَإِنْ لَبِسُوا قَلَانِسَ مَيَّزُوهَا عَنْ قَلَانِسِنَا وَيَكْفِي التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ (وَ) يَلْبَسُونَ (مِنْ حَدِيدٍ) أَوْ نَحْوِهِ لَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (خَاتَمًا أَوْ جَرَسَا فِي عُنُقِ الرِّجَالِ) الْمُتَجَرِّدِينَ (فِي الْحَمَّامِ) أَوْ غَيْرِهِ، أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَحْتَجْنَ فِيهِ إلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ دُخُولِهِ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَنْعِهِنَّ مِنْهُ بِمَا إذَا كَشَفَتْ الْمُسْلِمَاتُ مِنْ جَسَدِهِنَّ زِيَادَةً عَلَى مَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يُبْدِينَهُ لِلْكَافِرَاتِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. اهـ.

وَتَقَدَّمَ ثَمَّةَ أَنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ

(قُلْت بِلَا وُدٍّ وَلَا احْتِرَامِ) مِنَّا لَهُمْ أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْنَا ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى فِي الْمُوَادَّةِ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] وَيُقَاسُ عَلَيْهَا الِاحْتِرَامُ (وَيَتْرُكُ) الْكَافِرُ لَنَا (الصَّدْرَ مِنْ الطَّرِيقِ) إذَا سَكَنَّاهُ (قُلْتُ وَيُلْجَأُ فِيهِ لِلْمَضِيقِ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ فَإِنْ خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ

. (وَالْخَمْرَ وَالنَّاقُوسَ مَهْمَا أَظْهَرَا وَالِاعْتِقَادَ فِي الْمَسِيحِ) أَيْ: وَمَهْمَا

ــ

[حاشية العبادي]

الْفَتْحِ، وَعَدَمَ شُمُولِهِ لَهَا بِنَحْوِ تَغَلُّبِ مَنْ بِهَا تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْإِبْقَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: الْمُبْقَاةُ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: إذَا انْهَدَمَتْ) وَلَوْ بِهَدْمِهِمْ لَهَا تَعَدِّيًا شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَنَّهَا تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ. اهـ.

وَيُتَّجَهُ عَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ الْجَدِيدَةِ مَا لَمْ يَحْتَجْ لَهَا لِنَحْوِ تَلَفِ الْقَدِيمَةِ

(قَوْلُهُ: أَوْ انْفَرَدَ وَكَانَ مَمَرُّ الْقَاصِدِينَ لَهُ عَلَيْنَا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مُجَاوِرًا لَنَا أَوْ لَا لَكِنْ عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَإِنْ عُقِدَتْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ يَمُرَّ بِنَا وَهُمْ مُجَاوِرُونَ لَنَا فَسَدَ الْعَقْدُ. اهـ.

قَالَ فِي شَرْحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ لَا يَمُرُّ بِنَا أَوْ يَمُرُّ بِنَا وَهُمْ غَيْرُ مُجَاوِرِينَ لَنَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ دَارِنَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِانْفِرَادِهِمْ بِمَا ذُكِرَ فِي دَارِنَا وَأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: عَرْضًا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنْ يَجْعَلُوا أَرْجُلَهُمْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبُوا إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ إلَى بَعِيدَةٍ فَيُمْنَعُونَ فِي الْحَضَرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمَا) أَيْ: فَلَهُمْ رُكُوبُ الْخَيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ) هَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ دُخُولِ رِجَالِهِمْ مَعَ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: حَتَّى الْبَرَاذِينِ) أَيْ: النَّفِيسَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَحَمْلُ السِّلَاحِ) أَيْ: فِي غَيْرِ الْأَسْفَارِ الْمَخُوفَةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>