لِخَبَرِ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» وَلِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا (قُلْتُ وَلَا يَنْفَعُهُ رِضَاهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ بِعَدَمِ نُزُولِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الدِّينِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ سَوَاءٌ كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مُعْتَدِلًا أَمْ فِي غَايَةِ الِانْخِفَاضِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى فَلَوْ كَانَ قَصِيرًا لَا يُعْتَادُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِنَاؤُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ هَدَمَهُ أَوْ انْهَدَمَ إلَى أَنْ صَارَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ بِنَاءِ جِدَارِهِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ حَقُّهَا الَّذِي عَطَّلَهُ الْمُسْلِمُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ تَعَطَّلَ عَلَيْهِ لِإِعْسَارِهِ وَخَرَجَ بِالْجَارِ غَيْرُهُ كَأَنْ انْفَرَدَ بِمَحَلٍّ بِطَرَفِ الْبَلَدِ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا فَيَجُوزُ رَفْعُ الْبِنَاءِ (وَتُرِكَ) الْبِنَاءُ (الْعَالِي الَّذِي اشْتَرَاهُ) مَثَلًا الذِّمِّيُّ بِحَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقَّ الْهَدْمِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ طُلُوعِ سَطْحِهِ إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَيُمْنَعُ صِبْيَانُهُمْ مِنْ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ صِبْيَانِنَا حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ امْتَنَعَ الْعُلُوُّ، وَالْمُسَاوَاةُ وَالْبِلَادُ الَّتِي فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّهَا لَنَا لَا يُهْدَمُ مِنْهَا بِنَاؤُهُ الْعَالِي، وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ
. (أَمَّا بِلَادٌ نَحْنُ مُحْدِثُوهَا) كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْقَاهِرَةِ (وَبَلْدَةٌ أَسْلَمَ سَاكِنُوهَا) كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ فَقُلْ (لَا يُحْدِثُونَ) أَيْ: الْكُفَّارُ (بِيَعَةً) وَلَا كَنِيسَةً (فِيهَا وَلَا فِيمَا فَتَحْنَاهُ) (عَنْوَةً) أَيْ: قَهْرًا (مِنْ) بِلَادِ (هَؤُلَا) الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا صَارَ مِلْكًا لَنَا (وَلَا يُقَرُّونَ هُنَا) أَيْ: فِيمَا فَتَحْنَاهُ عَنْوَةً (عَلَى الْبِيَعْ) وَالْكَنَائِسِ (عَلَى الْأَصَحِّ) لِذَلِكَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يُقَرُّونَ إذْ لَا إحْدَاثَ فِيهِ، وَالْمَصْلَحَةُ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ، أَمَّا بِلَادٌ إلَى هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ الصُّلْحُ وَقَعْ. بِشَرْطِ) أَنَّ (الْأَرْضِينَ لَنَا وَ) إنْ (يَسْكُنُوا) فِيهَا بِخَرَاجٍ (وَشَرَطُوا) مَعَ ذَلِكَ (الْإِبْقَاءَ) لِلْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ (فِيهَا مُكِّنُوا) مِنْ إبْقَائِهَا لَا مِنْ إحْدَاثِهَا وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْهَا، وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى إحْدَاثِهَا فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ جَوَازُهُ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَنْعِهِ (وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ) عَنْ شَرْطِ إبْقَاءِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ
(الْأَصَحُّ امْتَنَعَا) أَيْ: إبْقَاؤُهَا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَلَدَ كُلَّهَا صَارَتْ لَنَا، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا امْتِنَاعَ مِنْ بَقَائِهَا وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا فِي عِبَادَتِهِمْ (أَوْ) وَقَعَ الصُّلْحُ بِشَرْطِ (أَنَّهَا) أَيْ: الْأَرْضِينَ (لَهُمْ نُقِرُّ الْبِيَعَا) وَالْكَنَائِسَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ وَيَجُوزُ إحْدَاثُهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ (وَهِيَ هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ تُبْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالدَّارَ لَهُمْ وَلِذَلِكَ يُمَكَّنُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالصَّلِيبِ وَمَا لَهُمْ مِنْ الْأَعْيَادِ وَنَحْوَ ذَلِكَ دُونَ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَإِيوَاءِ الْجَوَاسِيسِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ (وَمَا نَجِدْ) مِنْ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ (فِي بَلْدَةٍ أَحْدَثْنَا) هَا أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا أَوْ فَتَحْنَاهَا عَنْوَةً (وَمَا عَلِمْنَا أَصْلَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ) أَيْ: أَنَّهُ (كَانَ عَنْهَا) أَيْ: الْبَلْدَةِ (خَارِجًا وَاتَّصَلَا) بِهَا فَيَبْقَى فَإِنْ عَلِمْنَا إحْدَاثَهُ نُقِضَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَتَرَكَ الْبِنَاءَ الْعَالِيَ الَّذِي اشْتَرَاهُ) يُفِيدُ جَوَازَ التَّحْجِيرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَكَتَبَ أَيْضًا يُفِيدُ جَوَازَ التَّسَاوِي بِالْأَوْلَى وَقِيَاسُ تَحْجِيرِ الْعَالِي تَحْجِيرُ الْمُسَاوِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْلِيَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ صِبْيَانِنَا) هَلْ مَحَلُّهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِينَ أَوْ غَيْرِ الْمُرَاهِقِينَ رَاجِعْهُ (فَرْعٌ)
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَالِيَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْ سُكْنَاهَا بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الْمُرْشِدِ وَهَلْ يَجْرِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ مَلَكَ دَارًا لَهَا رَوْشَنٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُشْرَعُ لَهَا الرَّوْشَنُ أَيْ: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ لَا يَجْرِي لِأَنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَالرَّوْشُ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ) هَلْ مَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا سَكَنَهَا مُسْلِمٌ
(قَوْلُهُ: جَوَازُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَهُ أَيْ: عَدَمَ الْمَنْعِ عَلَى مَا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فَتَحْنَاهَا عَنْوَةً) قِيلَ لَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا كَانَتْ فِي بَرِّيَّةٍ بَعِيدَةٍ حَالَةَ الْفَتْحِ، ثُمَّ اتَّصَلَتْ الْعِمَارَةُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي بِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ هُنَا الْمِلْكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْبَلَدِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْبَرَارِيِ. اهـ.
قُلْت وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَنِيسَةَ بِالْبَرِّيَّةِ لَا تَزِيدُ عَلَى دَارٍ بِالْبَرِّيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَتْحَ عَنْوَةً يَشْمَلُهَا نَعَمْ إنْ شُكَّ فِي عُمُومِ الْفَتْحِ، وَالِاسْتِيلَاءِ لِتِلْكَ الْبَرِّيَّةِ، وَمَا فِيهَا اتَّجَهَ مَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ إلَخْ) قِيلَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ، وَالْقَرِيبِ وَحِينَئِذٍ فَالْقَاهِرَةُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَادِمِ وَتَفْرِقَتُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ لَا يَظْهَرُ وَجْهُهَا وَإِفْتَاءُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ بِهَدْمِ كَنَائِسِ الْقَاهِرَةِ لَعَلَّهُ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْإِحْدَاثِ أَوْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ قَطْعًا إذْ النَّاظِرُ إلَيْهَا يَقْطَعُ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ فَضْلًا عَنْ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ. اهـ.
قُلْت وَقَدْ يُوَجَّهُ فَتْوَى ابْنِ الرِّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِحْدَاثُ بَلْ وَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فَتْحُ مِصْرَ عَنْوَةً فَفَتْحُهَا شَامِلٌ لِمَا حَوَالِيِهَا وَمِنْهُ مَحَلُّ الْقَاهِرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْكَنِيسَةُ مَوْجُودَةً حِينَ الْفَتْحِ فَقَدْ شَمِلَهَا وَصَارَتْ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَمَوْضِعُهَا مَوَاتُ إسْلَامٍ وَهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهُ أَيْضًا فَلَعَلَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْفَتْحِ فَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ أَوْ أَنَّهَا أُحْدِثَتْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بَعْدَ جَرَيَانِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ بَلْ جَهِلَ حَالَ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: كَالْمَدِينَةِ) فِيهَا وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْحِجَازِ وَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ سُكْنَاهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ. اهـ.
م ر وع ش (قَوْلُهُ: هُنَا) لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ أَسْلَمَ جَمِيعُ سَاكِنِيهِ فَلَا كَافِرَ فِيهِ حَتَّى يُقَرَّ (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً لَا يُعْمَلُ فِيهَا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا فُتِحَ صُلْحًا، وَالْأَرْضُ لَنَا أَوْ لَهُمْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَلَعَلَّهُ الشَّرْحُ الْكَبِيرُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي الصَّغِيرِ