للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَأَذِنَ فِي الْهُدْنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَالزَّائِدُ بَاقٍ عَلَى الْمَنْعِ (أَوْ مَا) أَيْ: مُدَّةً (يَشَاءُ) هَا فُلَانٌ وَهُوَ (مُسْلِمٌ عَدْلٌ قَنَى رَأْيًا) أَيْ: اقْتَنَاهُ سَوَاءٌ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فَإِذَا نَقَضَهَا انْتَقَضَتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشَاءَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَلَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ، وَكَذَا هَادَنْتُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ لِلْجَهَالَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَادَنْتُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ» ؛ فَلِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ

(وَ) يُهَادِنُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. (عَشْرَ حِجَجٍ) أَيْ: عَشْرَ سِنِينَ فَأَقَلَّ (لِضَعْفِنَا) أَيْ: عِنْدَ ضَعْفِنَا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ اُسْتُؤْنِفَ عَقْدٌ وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْعَشْرِ عُقِدَ عَلَى عَشْرٍ، ثُمَّ عَشْرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأُولَى جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ (وَمَا يَزِدْ) الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَعَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا (يَبْطُلُ) فِيهِ الْعَقْدُ دُونَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْفُسِهِمْ، أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لَهَا مُؤَبَّدًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ مِنْ الْمُدَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (وَمَا أُطْلِقَ) عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ (مِنْ عَقْدٍ) لِلْهُدْنَةِ يَبْطُلُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ (وَبِالْتِزَامِ مَالٍ) أَيْ: بِشَرْطِ الْتِزَامِهِ لَهُمْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ (إنْ أَمِنْ) مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَإِلَّا كَأَنْ خَافُوا مِنْهُمْ الِاصْطِلَامَ لِإِحَاطَتِهِمْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ أَسْرَانَا فَيَجُوزُ الْتِزَامُ الْمَالِ، وَبَذْلُهُ دَفْعًا لِأَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُمَا بَلْ يَجِبُ بَذْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِلضَّرُورَةِ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّيَرِ مِنْ نَدْبِ فَكِّ الْأَسْرَى وَأُجِيبُ عَنْهُ بِحَمْلِ مَا هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ تَعْذِيبِ الْأَسْرَى أَوْ خَوْفِ اصْطِلَامِهِمْ، وَهَلْ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحِيحٌ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: عِبَارَةُ كَثِيرٍ تُفْهِمُ صِحَّتَهُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ. اهـ.

وَلَا يَمْلِكُونَ مَا أَخَذُوهُ لِأَخْذِهِمْ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ

(وَشَرْطُ تَرْكِ مُسْلِمٍ وَمَا لَهْ مَعَهُمْ وَرَدِّ مَنْ أَبَتْ ضَلَالَهْ) أَيْ: كُفْرًا أَيْ: وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِشَرْطِ تَرْكِ مُسْلِمٍ أَسِيرٍ، أَوْ مَالِهِ مَعَهُمْ أَوْ رَدِّ مُسْلِمَةٍ إلَيْهِمْ وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَشِيرَةٌ لِفَسَادِ الشَّرْطِ. قَالَ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] وَفِي ذَلِكَ إهَانَةٌ يَنْبُو عَنْهَا الْإِسْلَامُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ «أَنَّهُ جَاءَتْ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] فَامْتَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَدِّهِنَّ» ، وَسَوَاءٌ جَاءَتْ مُسْلِمَةً أَمْ أَسْلَمَتْ بَعْدَمَا جَاءَتْ وَمَنْ جَاءَتْ مَجْنُونَةً لَا تُرَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْجُنُونِ فَإِنْ أَفَاقَتْ وَلَمْ تُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ رَدَدْنَاهَا، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ وَلَوْ جَاءَتْ صَبِيَّةٌ مُمَيِّزَةٌ تَصِفُ الْإِسْلَامَ. لَمْ تُرَدَّ فَإِنْ بَلَغَتْ وَوَصَفَتْ الْكُفْرَ رُدَّتْ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ، وَمَالِهِ الْكَافِرُ، وَمَالُهُ فَيَجُوزُ شَرْطُ تَرْكِهِمَا وَبِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمُ فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِمَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَ) جَازَ (بَعْدَ الْإِنْذَارِ) أَيْ: بَعْدَ إعْلَامِهِمْ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمَا مَرَّ أَوْ نَحْوِهِ وَإِبْلَاغِهِمْ مَأْمَنَهُمْ إنْ كَانُوا بِبِلَادِنَا (الْقِتَالُ) فَلَا يَجُوزُ اغْتِيَالُهُمْ، فَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِهِمْ جَازَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: مَا كَانَ) أَيْ: حَالٌ وَقَوْلُهُ: عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ خَبَرٌ ثَانٍ لَكَانَ

(قَوْلُهُ: فَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ إلَخْ) وَزَالَتْ الْحَاجَةُ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ وَجَبَ إتْمَامُهَا عب (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ الْتِزَامُ الْمَالِ إلَخْ) يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا هَمَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إعْطَاءِ الْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ الصُّلْحَ عَلَى ثُلُثِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا حَكَاهُ أَرْبَابُ الْمَغَازِي

(قَوْلُهُ: وَمَالَهُ) يَنْبَغِي نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: أَسِيرٌ) خَرَجَ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ وَبِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ، وَالْمُسْلِمُ (قَوْلُهُ: كَافِرٌ) شَمِلَ الذِّمِّيَّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِهِمْ جَازَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذِكْرَ الشَّارِحِ لِهَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ غَيْرُ مُتَّجَهٍ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ عُرُوضِ النَّقْضِ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَأْتِي، وَأَمَّا فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَلَفَ فَالْوَجْهُ فِيهِ الْإِنْذَارُ مُطْلَقًا وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِثْلُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ لَكِنْ الرَّوْضُ وَأَصْلُهُ لَمْ يَذْكُرَا جَوَازَ الْقِتَالِ بِلَا إنْذَارٍ إذَا كَانُوا بِبِلَادِهِمْ إلَّا فِي مَسَائِلِ النَّقْضِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ فِي مَسَائِلِ الْفَسَادِ

ــ

[حاشية الشربيني]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>