وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا الْقِيَمَ وَإِنْ حَكَمَ بِعِتْقِ الْأَرِقَّاءِ لِعَدَمِ الْتِزَامِ رَدِّهِمْ وَلَوْ شَرَطَ الْتِزَامَ رَدِّهِمْ فَسَدَ الْعَقْدُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ} [الممتحنة: ١٠] أَيْ: الْأَزْوَاجَ {مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] أَيْ: مِنْ الْمُهُورِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ مُحْتَمَلٌ لِنَدْبِهِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ، وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا غُرْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ الْمَهْرَ؛ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ (وَ) كَشَرْطِ (نَفْيِ رَدِّ مَنْ يَرْتَدُّ) مِمَّنْ جَاءَهُمْ مُنَافَاتُهُ يَصِحُّ وَلَا نُكَلِّفُهُمْ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ حَيْثُ. قَالَ لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ جَاءَهُ رَسُولًا مِنْهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ مُسْلِمًا رَدَدْنَاهُ وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا فَسُحْقًا سُحْقًا» (لَا) كَشَرْطِ نَفْيِ رَدِّ (الْمَرْأَةِ) الَّتِي جَاءَتْهُمْ مِنَّا وَلَوْ مُرْتَدَّةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ احْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ بَلْ يَلْزَمُهُمْ رَدُّهَا وَالْمُرَادُ التَّخْلِيَةُ، وَتَمْكِينُهَا مِنْ الرُّجُوعِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ، وَهَذَا فِي الْمُرْتَدَّةِ وَجْهٌ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا عَنْ تَصْحِيحِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْأَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فَيَصِحُّ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهَا وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُسْتَثْنَى مَعَهَا شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا الْعَبْدُ فَيُرَدُّ عَلَى مَالِكِهِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ قِيمَتَهُ. ثَانِيهِمَا الْحُرُّ الْمَجْنُونُ الْمُرْتَدُّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِمْ فِي حَالِ جُنُونِهِ فَلْنُطَالِبْهُمْ بِرَدِّهِ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ فَإِنْ ذَهَبَ عَاقِلًا، ثُمَّ جُنَّ هُنَاكَ لَمْ نُطَالِبْهُمْ بِرَدِّهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاخْتِيَارِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ الْمَجْنُونِ الِاخْتِيَارُ الصَّادِرُ عَنْ رَوِيَّةٍ وَتَأَمُّلٍ وَإِلَّا فَلَهُ اخْتِيَارٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا
(وَالْعَبْدُ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (انْقَلَبْ حُرًّا) أَيْ: عَتَقَ (بِكَوْنِهِ عَلَى النَّفْسِ غَلَبْ) أَيْ: غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِدَارِهِمْ بِقَهْرِهِ سَيِّدَهُ (ثُمَّ اهْتَدَى) أَيْ: أَسْلَمَ (وَجَاءَنَا) مُرَاغِمًا لَهُ قَبْلَ الْهُدْنَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى نَفْسِهِ مَلَكَهَا (أَوْ آمِنًا وَبَعْدَهُ يَغْلِبُهُمْ وَجَاءَنَا وَلَمْ نُهَادِنْ) أَيْ: أَوْ أَسْلَمَ وَغَلَبَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَجَاءَنَا قَبْلَ الْمُهَادَنَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ لِوُقُوعِ غَلَبَتِهِ حَالَ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ غَلَبَهُمْ وَجَاءَنَا بَعْدَهَا لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْظُورَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِيلَاءِ لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ سَيِّدُهُ مِنْهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ فَذَاكَ وَإِلَّا بَاعَهُ الْإِمَامُ أَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَعْتَقَهُ مِنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُهُ لَهُمْ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ فِي ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَجِيئَهُ إلَيْنَا لَيْسَ شَرْطًا فِي عِتْقِهِ بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَتْ هُدْنَةً وَمُطْلَقًا إنْ لَمْ تَكُنْ فَلَوْ هَرَبَ إلَى مَأْمَنٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَوْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ أَوْ أَسْلَمَ، ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَهَا عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَجِئْنَا فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ مَجِيئِهِ إلَيْنَا مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُورَثُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا مَجِيئَهُ إلَيْنَا؛ لِأَنَّ بِهِ يُعْلَمُ عِتْقُهُ غَالِبًا
. (وَالْإِمَامُ يَحْمِي) الْمُهَادَنِينَ (عَنْ قَصْدِهِمْ) أَيْ: يَحْمِيهِمْ وُجُوبًا (مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّي) عَنْ أَنْ يَقْصِدَاهُمْ بِأَذًى وَلَيْسَ عَلَيْهِ مَنْعُ الْحَرْبِيِّ عَنْهُمْ وَلَا مَنْعُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْحِفْظُ لَا مُجَرَّدُ الْكَفِّ (وَيَضْمَنَانِ) أَيْ: الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ (نَفْسَهُمْ وَمَالَهُمْ) عِنْدَ إتْلَافِهِمَا لَهُمَا (وَعُزِّرَ الَّذِي بِقَذْفٍ نَالَهُمْ) مِنْهُمَا (وَكُلُّ مَنْ أَتْلَفَ مَالَ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ) بِزِيَادَةِ ذِمِّيٍّ عَلَى الْحَاوِي (مِنْهُمْ) صِلَةُ أَتْلَفَ (يَقُمْ بِالْغُرْمِ) لِلْمَالِكِ (وَاقْتُصَّ) مِنْهُ (بِالْقَتْلِ) أَيْ: بِقَتْلِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَكَذَا بِغَيْرِ الْقَتْلِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى (وَبِالْقَذْفِ) أَيْ: وَبِقَذْفِهِ لِأَحَدِهِمَا (يُحَدْ) لَوْ. قَالَ يُعَاقَبُ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ التَّعْزِيرَ (وَمُنْقِذًا لَهُمْ) أَيْ: وَمَالُهُمْ الْمُنْقَذُ (مِنْ الْحَرْبِ) إذَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ (رُدْ) أَيْ: رَدَّهُ لِلْإِمَامِ لُزُومًا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِنْقَاذُهُ وَلَا دَفْعُ الْحَرْبِيِّ عَنْهُمْ كَمَا مَرَّ كَمَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ) كَانَ وَجْهُ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَحْصُلْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ وَبَعْدَ الدُّخُولِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ الْمُقَابَلَةَ بِالْمَهْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَكَمَ بِعِتْقِ الْأَرِقَّاءِ) وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِمْ (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ) عِبَارَةُ الْمُحَلَّى الصَّادِقُ بِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَهُوَ أَقْعَدُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ) لِظَاهِرِ أَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى النَّدْبِ فَتَأَمَّلْ كَذَا بِهَامِشِ الْمَحَلِّيّ بِخَطِّ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهَا) قَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَجَازَ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهِ أَيْ: مُرْتَدٍّ جَاءَهُمْ مِنَّا وَلَوْ امْرَأَةً وَرَقِيقًا وَيَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ فَإِنْ عَادَ إلَيْنَا رَدَدْنَا لَهُمْ قِيمَةَ الرَّقِيقِ دُونَ مَهْرِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. اهـ.
بِاخْتِصَارِ الْأَدِلَّةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا إلَى مَا بَيَّنَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ مُنَازَعَةِ الْبُلْقِينِيِّ فِي تَغْرِيمِهِمْ الْمَهْرَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي انْفِسَاخَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَوَقُّفَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ فَإِلْزَامُهُمْ الْمَهْرَ مَعَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ أَوْ إشْرَافِهِ عَلَى الِانْفِسَاخِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِلَى مَا قَالَهُ هُوَ فِي صَيْرُورَةِ الْعَبْدِ مِلْكًا لَهُمْ مِنْ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِلْكَافِرِ. لَكِنْ الصَّحِيحُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) أَفْهَمَ أَنَّهُ عَلَى الْأَظْهَرِ لَا يَجِبُ رَدُّ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ الْمَجْنُونِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ فَصْلٌ عُقِدَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا أَيْ: مِنَّا صَحَّ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ رَدِّهِ فَنَاقِضُونَ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَرُدُّوهُ جَازَ وَلَوْ امْرَأَةً وَيَغْرَمُونَ مَهْرَهَا وَكَذَا قِيمَةُ رَقِيقٍ فَإِنْ عَادَ رَدَدْنَاهَا. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ فِي الشِّقَّيْنِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرْطِ مِنْهُمْ مَعَ مُوَافَقَتِنَا عَلَيْهِ، أَوْ مِنَّا مَعَ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ) أَيْ: الْإِيمَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ أَمِنَ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ شَرَطَ لَهُمْ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute