يَجِبْ ذَلِكَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَأْكُلُ مِنْهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إذْ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ عَلَيْهَا فَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ لِإِيهَامِهِ التَّشْرِيكَ وَكَمَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ غَيْرِ اللَّهِ بِالذِّكْرِ عَلَيْهَا.
قَالَ الشَّيْخَانِ وَأَفْتَى أَهْلُ بُخَارَى بِتَحْرِيمِ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ لِقَاءِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ، ثُمَّ. قَالَا وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْمَعْبُودِ أَوْ بِاسْمِهِ كَالسُّجُودِ لَهُ فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ وَكَفَرَ بِذَلِكَ كَمَنْ سَجَدَ لِغَيْرِهِ سَجْدَةَ عِبَادَةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ كَأَنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا بَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ اسْتِبْشَارًا لِقُدُومِ السُّلْطَانِ حَلَّتْ وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَكْفُرُ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا وَإِنْ حَرُمَ وَعَلَى هَذَا لَوْ. قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ وَأَرَادَ أَذْبَحُ بِسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى الْجَوَازَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ عَنْهُ (لِلْفِعْلِ أَوْ عَضٍّ وَصَيْبِ السَّهْمِ) أَيْ: يُسَمِّي عِنْدَ فِعْلِهِ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ الْجَرْحِ أَوْ إرْسَالِ الْجَارِحَةِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ عِنْدَ عَضِّ الْجَارِحَةِ الصَّيْدَ أَوْ إصَابَةِ
ــ
[حاشية العبادي]
مَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ خَيْرٌ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ جَوَابًا) أَيْ: لِلنَّهْيِ وَقَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ إلَخْ لَا يُقَالُ التَّعَيُّنُ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَاوِ اسْتِئْنَافِيَّةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ اسْتِئْنَافِيَّةُ الْوَاوِ نَادِرَةٌ، وَحَالِيَّتُهَا كَثِيرَةٌ فَهِيَ أَكْثَرُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَكْثَرِ أَرْجَحُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَرْجَحِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] لَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جُمْلَةَ أُهِلَّ إلَخْ مُفَسِّرَةٌ لِلْفِسْقِ لِجَوَازِ كَوْنِهَا صِفَةً لَهُ مُخَصِّصَةً فَلَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّخْصِيصُ مَعَ صِحَّةِ التَّعْمِيمِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ بَلْ مَعَ دَاعِي التَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ مِنْ الْحَرَامِ الَّذِي يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُرْتَكَبُ بِلَا دَلِيلٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) قَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى التَّشْرِيكِ وَلَا مَعْنَى أَذْبَحُ بِسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ وَانْظُرْ الْفَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْحُرْمَةِ هُنَا وَالْكَرَاهَةِ فَقَطْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِقُوَّةِ الْإِيهَامِ هُنَا إذْ لِلنَّبِيِّ مِنْ الْعَظَمَةِ مَا يَقْوَى مَعَهُ التَّوَهُّمُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَا ذَبِيحَةَ أَيْ: وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سِوَى اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ إنْ ذَبَحَ لِذَلِكَ تَعْظِيمًا وَعِبَادَةً كَفَرَ كَمَا لَوْ سَجَدَ لِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِلرُّسُلِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ جَازَ وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ إذَا ذُبِحَتْ تَقَرُّبًا إلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ عِنْدَ لِقَائِهِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِبْشَارَ بِقُدُومِهِ فَلَا بَأْسَ. اهـ.
فَأَفَادَ قَوْلُهُ: وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّ لِلْحُرْمَةِ صُورَتَيْنِ مَا يُجَامِعُ الْكُفْرَ، وَمَا لَا فَلْيُحَرَّرْ مَا يُمَيِّزُ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى وَأَنَّ الذَّبْحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِلرُّسُلِ لِكَوْنِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ خَارِجٌ عَنْ الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّ الذَّبْحَ بِقَصْدِ الِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِ السُّلْطَانِ لَا يَحْرُمُ فَلْتُمَيِّزْ هَذِهِ الصُّوَرَ فِي الْمَعْنَى بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِجَمْعِ صُورَتَيْ الْحُرْمَةِ الذَّبْحِ عَلَى وَجْهِ أَنَّ الْمَذْبُوحَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لِذَاتِهِ وَتَتَمَيَّزُ صُورَةُ الْكُفْرِ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَمُجَرَّدُ الْحُرْمَةِ بِعَدَمِ قَصْدِهَا فَلْيُحَرَّرْ جِدًّا (قَوْلُهُ: أَيْ: يُسَمِّي عِنْدَ فِعْلِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَالتَّسْمِيَةُ أَيْ: وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الذَّبْحِ وَإِرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ. اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ لَكِنْ مَا بَعْدَ لَوْلَا يَصْلُحُ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا فَلَوْ قَالَ: وَكَذَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ كَانَ أَوْلَى. اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ نَدْبُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ
[حاشية الشربيني]
الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا إلَخْ) هَلَّا قِيلَ بِالْجَوَازِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَمَّى كَمَا صَحَّحُوا الِاقْتِدَاءَ بِحَنَفِيٍّ بِنَاءً عَلَى إتْيَانِهِ بِالْبَسْمَلَةِ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ شَرْحَ الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقَدْ يُقَالُ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الْحِلِّ قُرْبُ الْعَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ: إذْ الْأُولَى إلَخْ) قَدْ يُدْفَعُ بِعَطْفِ الْمَضْمُونِ عَلَى الْمَضْمُونِ أَوْ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِحِلِّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهَا أَوْلَى وَالْمُرَادُ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَذْبُوحُ لِلْأَصْنَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] إذْ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِسْقًا هِيَ تِلْكَ بِدَلِيلِ {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] وَقَدْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِإِنَّ وَاللَّامِ يَمْنَعُ الْحَالِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْسُنُ فِيمَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ بِتَحَقُّقِهِ وَالرَّدِّ عَلَى مُنْكِرٍ وَالْحَالُ الْوَاقِعِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَأْكُلُوا إنْ كَانَ فِسْقًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالْفِسْقِ الْإِهْلَالَ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَ التَّأْكِيدُ مُنَاسِبًا كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْفِسْقِ الَّذِي الْحُكْمُ بِهِ مُتَحَقِّقٌ وَالْمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَهُ، وَقَالَ الْيَمَنِيُّ لَا امْتِنَاعَ فِي تَصْدِيرِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ بِإِنَّ. اهـ.
مِنْ الشِّهَابِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ: مَعَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ ع ش وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إنْ أُطْلِقَ فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْمَذْبُوحَ لَمْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ لِذَاتِهِ حَرُمَتْ وَكَذَا إنْ قَصَدَ الْعِبَادَةَ بَلْ يَكْفُرُ حِينَئِذٍ كَمَا يُفِيدُهُ الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَرُمَ) ؛ لِأَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ عِبَادَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute