وَكَذَا لَوْ جَوَّزَ تَلَفَ نَفْسِهِ وَسَلَامَتَهَا عَلَى السَّوَاءِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ (وَ) يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا إنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ (قَتْلُ طِفْلِ) أَهْلِ (الْحَرْبِ) وَمَجْنُونِهِمْ، وَرَقِيقِهِمْ، وَخُنْثَاهُمْ، وَأُنْثَاهُمْ لِيَأْكُلَهُمْ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ وَامْتِنَاعُ قَتْلِهِمْ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِعِصْمَتِهِمْ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ (لَا) قَتْلُ (مَنْ عُصِمَا) كَالْمُعَاهَدِ فَلَا يُبَاحُ بِخِلَافِ قَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ تَأَدُّبًا مَعَهُ، وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ فَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مَعْصُومًا مَيِّتًا حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَلَا يُبَاحُ كَمَا. قَالَهُ الْمَرْوَزِيِّ، وَكَذَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ ذِمِّيًّا عَلَى الْقِيَاسِ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا أَبَحْنَا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَحْرُمُ طَبْخُهُ وَشَيُّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ مَعَ انْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِدُونِهِ وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ (وَ) لَا يُبَاحُ لِلْمَعْصُومِ (قَطْعُ بَعْضِهِ) لِيَأْكُلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْهَلَاكُ نَعَمْ إنْ كَانَ خَطَرُ الْقَطْعِ دُونَ خَطَرِ تَرْكِ الْأَكْلِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ بَعْضِهِ جَازَ الْقَطْعُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضٍ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكَلَةِ وَلَا يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلَمِ وَالْمَشَقَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْعِ الْقَطْعِ عِنْدَ تَسَاوِي الْخَطَرَيْنِ هُنَا، وَجَوَازِهِ حِينَئِذٍ فِي السِّلْعَةِ كَمَا مَرَّ أَنَّ السِّلْعَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْبَدَنِ انْضَمَّ إلَيْهَا الشَّيْنُ وَدَوَامُ الْأَلَمِ بِخِلَافِ مَا هُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَعْصُومٍ غَيْرِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ نَفْسِهِ لَهُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ نَبِيًّا، فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْقَطْعِ لَهُ بَلْ وُجُوبُهُ (وَ) لَا يُبَاحُ (خَمْرٌ) أَيْ: شُرْبُهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا (لِلظَّمَا) أَيْ: لِدَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُهُ بَلْ يَزِيدُهُ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يَدْعُو إلَى بَعْضٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ لِلظَّمَأِ شُرْبُهَا لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ فَيُبَاحُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مِثْلُ الدَّوَا بِصِرْفِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ: بِخَالِصِ الْخَمْرِ وَإِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» وَكَالْخَمْرِ فِيمَا ذُكِرَ سَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ الْمَائِعَةِ بِخِلَافِ النَّبَاتِ الْمُسْكِرِ وَإِنْ أَسْكَرَ، وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَيُبَاحُ التَّدَاوِي بِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهَا «لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ» وَخَرَجَ بِصِرْفِهَا مَا عُجِنَ بِهَا كَالتِّرْيَاقِ فَيُبَاحُ التَّدَاوِي بِهِ لِاسْتِهْلَاكِهَا فِيهِ، وَذَكَّرَ النَّاظِمُ الْخَمْرَ حَيْثُ أَعَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرَ الْمُذَكَّرِ فِي صِرْفِهِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْمَشْهُورُ تَأْنِيثُهَا (سَدِّ) أَيْ: يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ مَا ذُكِرَ بِقَدْرِ سَدِّ (الرَّمَقْ) أَيْ: (بَقِيَّةِ الرُّوحِ) فِي الْجَسَدِ لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِهِ وَقَدْ يَجِدُ الْحَلَالَ وَتَفْسِيرُ الرَّمَقِ.
بِذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْقُوَّةِ (نَعَمْ لَوْ اتَّفَقْ) لَهُ (عَجْزٌ عَنْ السَّيْرِ) لَوْ تَرَكَ الشِّبَعَ (وَيَهْلِكُ) بِتَرْكِهِ كَأَنْ كَانَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُمْرَانِ أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ بِقَدْرِ (الشِّبَعْ) بِأَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَكْسِرَ سُورَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ لَا بِأَنْ لَا يَبْقَى لِلطَّعَامِ مَسَاغٌ فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا
(قُلْتُ وَ) يُبَاحُ لَهُ (حَمْلُ الزَّادِ) مِنْ الْمَيْتَةِ (خَوْفَ مَا يَقَعْ) لَهُ مِنْ اضْطِرَارٍ وَإِنْ رَجَى الْوُصُولَ إلَى حَلَالٍ (وَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَكْلِ الْمَحْظُورِ لِلْمُضْطَرِّ (وَاجِبٌ) ؛ لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ وَقَدْ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] وَيُخَالِفُ الْمُسْتَسْلِمَ لِلصَّائِلِ بِأَنَّهُ يُؤْثِرُ مُهْجَةَ غَيْرِهِ عَلَى مُهْجَتِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ (كَأَنْ طَلَبْ) أَيْ: كَمَا يَجِبُ طَلَبُهُ (طَعَامَ مَنْ لَا اُضْطُرَّ) دُونَ طَعَامِ مَنْ اُضْطُرَّ فَإِنَّ مَالِكَهُ أَوْلَى بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ نَبِيًّا كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرَ الْمُضْطَرِّ الْمُسْلِمِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ (أَوْ أَنْ اغْتَصَبْ) أَيْ: وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْصِبَ طَعَامَ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ إنْ مَنَعَهُ إيَّاهُ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: فِي وُجُوبِ غَصْبِهِ مِنْهُ وَقِتَالِهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى
ــ
[حاشية العبادي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) وَلَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّوْبَةِ قَالَ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَكَالْعَاصِي بِالسَّفَرِ الْعَاصِي بِالْإِقَامَةِ إذَا كَانَتْ هِيَ سَبَبَ الْفَقْدِ لِلْحَلَالِ كَإِقَامَةِ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ بِالسَّفَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ إعْوَازَ الْحَلَالِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مَعْصِيَةً. اهـ.
وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَبَبُ الْفَقْدِ فِي السَّفَرِ إعْوَازَ الْحَلَالِ الْحِلُّ لِلْعَاصِي إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّأْنُ فِي السَّفَرِ الْفَقْدُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute