للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِّ آدَمِيٍّ

وَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِحَقِّ آدَمِيٍّ قُبِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَخَرَجَ بِمَا لَمْ يَجِبْ الْوَاجِبُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ فَلَيْسَ يَمِينًا لِتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْقِيقِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ وَفَارَقَ انْعِقَادَهَا بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ أَوْ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ؛ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِنَاعَ الْبِرِّ يُخِلُّ بِهِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ.

(بِذِكْرِ الِاسْمِ) أَيْ: الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ. (الْخَاصِّ) بِهِ وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَا يَدِينُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. (لَا تَدْيِينُ) فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. (كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالْإِلَهِ) وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أَمْ لَا كَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ أَوْ أُصَلِّي لَهُ، وَأَطْلَقَ كَالْأَكْثَرِينَ الْحُكْمَ فِي الْإِلَهِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِهِ ظَاهِرًا وَتَتَوَقَّفُ بَاطِنًا عَلَى إرَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ هَذَا الِاسْمَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اللَّهِ وَأَوْثَانِهِمْ.

(وَ) بِذِكْرِ اسْمٍ. (غَالِبٍ) إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ. (وَ) بِذِكْرِ. (صِفَةٍ لِلَّهِ) إنْ أَطْلَقَ فِيهِمَا أَوْ نَوَى بِهِمَا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى. (لَا إنْ نَوَى) بِهِمَا. (سِوَاهُ) تَعَالَى فَلَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ وَقَدْ نَوَاهُ وَمَثَّلَ لِلْغَالِبِ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ. (كَالرَّحِيمِ وَالرَّبِّ وَالْعَلِيمِ وَالْحَكِيمِ وَالْحَقِّ وَالْخَالِقِ وَالْجَبَّارِ وَرَازِقٍ) وَلِلصِّفَةِ بِقَوْلِهِ. (وَمِنْ صِفَاتِ الْبَارِي عِزَّتُهُ) وَ. (جَلَالُهُ) وَ. (عَظَمَتُهْ وَعِلْمُهُ) وَ. (قُدْرَتُهُ) وَ. (مَشِيئَتُهْ وَحَقُّهُ) وَ. (الْقُرْآنُ) وَمِثْلُهُ الْمُصْحَفُ وَحُرْمَتُهُ وَ. (كِبْرِيَاؤُهُ) وَ. (كَلَامُهُ وَسَمْعُهُ) وَ. (بَقَاؤُهُ) فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِكُلٍّ مِنْهَا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَهُ تَعَالَى كَأَنْ يُرِيدَ بِالِاسْمِ الْغَالِبِ زَيْدًا مَثَلًا وَبِالْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْبَقَاءِ وَالْكِبْرِيَاءِ ظُهُورَ آثَارِهَا عَلَى الْخَلْقِ وَبِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ وَبِالْحَقِّ الْعِبَادَاتِ وَبِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ أَوْ الصَّلَاةَ وَبِالْمُصْحَفِ الْوَرَقَ وَالْجِلْدَ وَبِالْكَلَامِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ وَبِالسَّمْعِ الْمَسْمُوعَ، وَذِكْرُ الْإِلَهِ وَالْقُرْآنِ وَالسَّمْعِ وَالْبَقَاءِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ ذِكْرُ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ لَا يَكُونُ قَيْدًا فِي حَقِيقَةِ الْيَمِينِ

، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: حَلَفَ بِاَللَّهِ وَحَلَفَ بِغَيْرِهِ وَذِكْرُهُمْ عَلَى الْأَثَرِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ ضَبْطُ الْيَمِينِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ لَا مُجَرَّدُ الْيَمِينِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الْيَمِينِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَخَرَجَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَصِفَتِهِ الْحَلِفُ بِغَيْرِهِمَا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ فَلَا تَنْعَقِدُ بَلْ يُكْرَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَكَقَوْلِ الشَّخْصِ لِمَنْ حَلَفَ: يَمِينِي فِي يَمِينِك أَوْ يَلْزَمُنِي مِثْلُ مَا يَلْزَمُك بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ فِيهِمَا كِنَايَةٌ وَكَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ بِالْحِنْثِ فِيهِ ثُمَّ إنْ قَصَدَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْهُ لَمْ يُكَفِّرْ وَلْيَقُلْ نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَإِنْ قَصَدَ الرِّضَى بِذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ كَفَّرَ فِي الْحَالِ وَخَرَجَ بِالْغَالِبِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَالْمُشِيءِ وَالْمَوْجُودِ وَالْمُؤْمِنِ وَالْعَالِمِ وَالْحَيِّ وَالْغَنِيِّ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ

ــ

[حاشية العبادي]

أَيْ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ. (قَوْلُهُ: وَحَقُّهُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَعْنَاهُ وَحَقِيقَته الْإِلَهِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مَا لَا يُمْكِنُ جُحُودُهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَقَالَ الإستراباذي: حَقُّهُ الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: ٥١] وَفَسَّرَهُ الْجَلَالُ بِاسْتِحْقَاقِ الْإِلَهِيَّةِ وَأَمَّا الْحَقُّ مُعَرَّفًا فَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي غَلَبَ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ كَالرَّازِقِ وَالرَّبِّ بِرّ وَفِي الرَّوْضِ وَإِنْ قَالَ: وَحَقُّ اللَّهِ بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ فَكِنَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ اهـ.

وَفِيهِ أَعْنِي شَرْحَهُ فِي عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ الْآتِي وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبُّدُنَا بِهِ وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَهَا الْعِبَادَاتُ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا اهـ وَقَدْ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ وَلَا إشْكَالَ مَعَ التَّأَمُّلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى إلَخْ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ السَّابِقُ وَذَكَرَهُمْ عَلَى الْأَثَرِ إلَخْ بِرّ. (قَوْلُهُ وَكَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ الْكَعْبَةِ أَوْ فَأَكُونُ مُسْتَحِلًّا لِلْخَمْرِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قَصَدَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ أَيْ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يُكَفِّرْ أَوْ الرِّضَى بِذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ كَفَّرَ فِي الْحَالِ إلَخْ اهـ وَحَيْثُ لَمْ يُكَفِّرْ يَحْرُمُ حَتَّى حَالِ الْإِطْلَاقِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ صَنِيعِ شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَوْ أَطْلَقَ وَقَوْلُهُ لَمْ يُكَفِّرْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَحْرُمُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَذْكَارِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ بِرّ

ــ

[حاشية الشربيني]

إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْعِتْقُ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ يَمِينًا) وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَقْدِرُ عَلَى الصُّعُودِ فَلَوْ صَعِدَ بِالْفِعْلِ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَمِينٌ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الشَّارِحِ اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ أَرَدْت إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الْيَمِينَ كَأَنْ قَالَ: بِاَللَّهِ مَا فَعَلْت وَقَالَ: أَرَدْت التَّبَرُّكَ بِاَللَّهِ وَابْتَدَأَتْ بِقَوْلِي مَا فَعَلْت فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَلِفِ بِاَللَّهِ دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ رَاجِعْ م ر. (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ فِي الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ) أَيْ وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>