الْقُرْبَةَ إنَّمَا تَتِمُّ فِي إتْيَانِهِ بِنُسُكِهِ وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَلَوْ نَذَرَ إتْيَانَهُ لَا حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا وَجَبَ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَغَا النَّفْيُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيهِ وَيُوَافِقُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ إتْيَانَ الْحَرَمِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالتَّضْحِيَةَ مَالِيَّةٌ وَالْبَدَنِيَّةُ أَضْيَقُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ نَذَرَ إتْيَانَ عَرَفَةَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ إتْيَانَهَا مُحْرِمًا انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَفْظُ الْإِتْيَانِ وَالِانْتِقَالِ وَالذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ وَالْمَصِيرِ وَالسَّيْرِ وَنَحْوِهَا سَوَاءٌ وَالتَّمْثِيلُ بِالْخَيْفِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ
. (وَإِنْ يُعَيِّنْهُ لِذَبْحٍ بِالْتِزَامْ) أَيْ: وَإِنْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مِنْ الْحَرَمِ بِالنَّذْرِ لِلذَّبْحِ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَّةَ تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِالْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّضْحِيَةِ وَلَا لِتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الذَّبْحِ فِي النَّذْرِ مُضَافًا إلَى الْحَرَمِ يُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَصَدُّقًا وَلَا نَوَاهُ (كَالصَّدَقَاتِ وَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهُمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْحَرَمِ بِتَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْهُ لَهُمَا لِعِظَمِ فَضْلِهِ وَتَعَلُّقِ مَكَانِ النُّسُكِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَحُكْمُ الصَّلَاةِ قَدَّمَهُ فِي الِاعْتِكَافِ أَيْضًا لَكِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ كَغَيْرِهِ فِي الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ كَأَصْلِهِ قَاسَ بِهِ هُنَا بَاقِيَ الْحَرَمِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّةَ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى أَيْضًا وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَالْأَوْجَهُ فِيهَا مَا قَالَهُ كَأَصْلِهِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِمَا وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْحَرَمِ بَعِيدٌ. (لَا الصِّيَامْ) فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْحَرَمِ بِتَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْهُ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ لِصَوْمِ بَدَلِ وَاجِبَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ يُعَيِّنْ ذَاكَ لِلذَّبْحِ وَجَبْ كَالصَّدَقَاتِ وَالصَّلَاةِ لَا السَّغَبْ أَيْ: الصِّيَامِ. (وَ) إنْ يُعَيِّنْ. (كُلَّ أَرْضٍ) خَارِجَةٍ عَنْ الْحَرَمِ. (لِيُضَحِّيَ) بِهَا تَعَيَّنَتْ لِلتَّضْحِيَةِ وَذِكْرُ التَّضْحِيَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ التَّصَدُّقِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ التَّضْحِيَةَ بَلْ أَطْلَقَ الذَّبْحَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِغَيْرِ الْحَرَمِ لَا قُرْبَةَ فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَرَمِ حَمْلًا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ نَوَاهُ انْعَقَدَ وَقَوْلُهُ. (عَيَّنَهْ حَتْمًا) جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ: وَإِنْ يُعَيِّنْ الْحَرَمَ أَوْ كُلَّ أَرْضٍ لِمَا ذُكِرَ عَيَّنَهُ الشَّارِعُ وُجُوبًا وَلَوْ قَالَ تَعَيَّنَ
ــ
[حاشية العبادي]
بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ إيقَاعِ الِاعْتِكَافِ فِيمَا مَضَى، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَيُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِيمَا مَضَى لِتَعَلُّقِهَا بِالْيَوْمِ الصَّادِقِ بِمَا مَضَى
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ إلَخْ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ شَدِيدَا التَّثَبُّتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْبَدَنِيَّةُ أَضْيَقُ) قَضِيَّةُ الْأَضْيَقَةِ أَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّأَثُّرِ بِالْمُنَافِيَاتِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ يُعَيِّنْهُ لِذَبْحٍ بِالْتِزَامٍ) وَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَوْضِعُ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْهُ لِلذَّبْحِ كَالصَّلَاةِ إذَا نَذَرَهَا فِيهِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْحَاوِي حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِالْحَرَمِ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ تَعَيُّنِ مِلْكِهِ فِي صُورَةِ تَعْيِينِهَا. (قَوْلُهُ: كَالصَّدَقَاتِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْسِ التَّصَدُّقِ فَقَطْ بِأَنْ نَذَرَ مُجَرَّدَ التَّصَدُّقِ فِي الْحَرَمِ فَلَا يُشْكِلُ قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ سَوَاءٌ الْحَرَمُ وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْمِنْهَاجُ: أَوْ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ لَكِنْ يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ نَوَاهُ انْعَقَدَ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ) شَامِلٌ لِلْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى. (قَوْلُهُ: قَاسَ بِهِ) عَلَى هَذَا لَوْ عَيَّنَ نَفْسَ الْمَسْجِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقُومَ مَقَامَهُ بَقِيَّةُ الْحَرَمِ عِنْدَ مَنْ يَخُصُّ الْمُضَاعَفَةَ بِالْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْحَرَمِ بَعِيدٌ) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَتَعَيُّنُ دِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ وَمَكَانٍ لِصَدَقَةٍ لَا صَوْمٍ اهـ قَالَ الْجَوْجَرِيُّ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَكَانُ لِلصَّدَقَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ مَسَاكِينِهِ. اهـ. فَابْنُ الْمُقْرِي كَمَا تَرَى قَدْ عَمَّمَ حُكْمَ الصَّدَقَةِ فِي التَّعْيِينِ وَلَمْ يَخُصَّهَا بِالْحَرَمِ وَاَلَّذِي أَحْسَبُهُ بَلْ لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ عِبَارَتَهُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الشَّارِحُ وَلَا تَتَقَيَّدُ الصَّدَقَةُ بِتَعْيِينِ الْحَرَمِ غَيْرَ أَنَّ النَّاسِخَ صَحَّفَ تَتَقَيَّدُ بِتَعَيُّنٍ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا الشَّارِحُ فَنَسَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ مُسْتَبْعِدًا لَهُ، ثُمَّ رَاجَعْت التَّمْشِيَةَ لِابْنِ الْمُقْرِي فَوَجَدْت الْأَمْرَ كَمَا قُلْت وَذَلِكَ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَرَضَ عِبَارَةَ الْحَاوِي بِأُمُورٍ عَدَّدَهَا إلَى أَنْ قَالَ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: وَالصَّدَقَةُ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ كَالذَّبْحِ يَتَعَيَّنَانِ بِتَعَيُّنِهِمَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ فِي غَيْرِهِ وَالصَّدَقَةُ لَا يَتَقَيَّدُ جَوَازُ نَذْرِهَا بِالْحَرَمِ بَلْ كُلُّ مَكَان فِيهَا كَالْحَرَمِ اهـ عَلَى أَنَّ حَقَّ الشَّارِحِ بِاعْتِبَارِ مَا فُهِمَ أَنْ يُقْضَى عَلَى ابْنِ الْمُقْرِي بِالْوَهْمِ لَا بِالِاسْتِبْعَادِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَعَيُّنِ الصَّدَقَةِ بِتَعَيُّنِ الْحَرَمِ بَلْ مُطْلَقًا خِلَافُ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ.
[حاشية الشربيني]
مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْقُدُومِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الِاعْتِكَافِ بِأَنَّا لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْ هُنَا الْيَوْمَ مِنْ الْفَجْرِ لَفَاتَ النَّذْرُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ الْقُدُومِ بِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ النَّذْرُ فَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ مَا فَاتَ بَعْدُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحَرَمِ
(قَوْلُهُ: يُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ) فَيُحْمَلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ أَيْ: مَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَكَأَنَّهُ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ هُنَاكَ فَلِذَا انْعَقَدَ نَذْرُهُ. (قَوْلُهُ: يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ التَّصَدُّقِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي تَعَيُّنِ الْأَرْضِ لِذِكْرِ التَّصَدُّقِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ ذِكْرُ التَّضْحِيَةِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّصَدُّقِ إلَخْ) بِأَنْ ذَكَرَ الذَّبْحَ وَالتَّصَدُّقَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ وَيَتَعَيَّنَا فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute