كَلَامَ خَصْمِهِ وَالْقَاضِي فَقَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ وَتَرْتِيبُ كُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورِينَ أَدَبٌ وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ شَرْطًا وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ إلَى الْقَاضِي. (بِلَفْظِهَا) بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّهُ يَقُولُ كَذَا أَوْ أَنَّهُ عَدْلٌ. (وَالْأَجْرَ) لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَرْجِمَيْنِ وَالْمُزَكَّيَيْنِ وَالْمُسْمِعَيْنِ. (فَاجْعَلْهُ) عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (عَلَى مَنْ عَمِلَا لِأَجْلِهِ ذَا الْعَمَلَا) مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي وَالْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ.
(وَكَتَبَ الْقَاضِي) أَدَبًا بِنَفْسِهِ أَوْ كَاتَبَهُ نُسْخَةً. (بِحُكْمٍ) أَيْ: بِحُكْمِهِ. (وَوَثِقْ بِحِفْظِهِ) لَهَا بِدِيوَانِ الْحُكْمِ بَعْدَ خَتْمِهِ لَهَا وَكِتَابَتِهِ عَلَى رَأْسِهَا اسْمَ الْخَصْمَيْنِ. (وَ) كَتَبَ كَذَلِكَ. (نُسْخَةً) أُخْرَى. (لِلْمُسْتَحِقْ) وَدَفَعَهَا إلَيْهِ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ لِيَنْظُرَ فِيهَا وَيَعْرِضَهَا عَلَى الشُّهُودِ أَحْيَانًا لِئَلَّا يَنْسَوْا وَإِذَا كَثُرَتْ النُّسَخُ جَعَلَهَا إضْبَارَةً وَكَتَبَ عَلَى رَأْسِهَا خُصُومَاتِ أُسْبُوعِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَإِنْ لَمْ تَكْثُرْ تَرَكَهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ فَيَعْزِلَهَا فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ جَمَعَهَا وَكَتَبَ عَلَيْهَا سَنَةَ كَذَا لِيَسْهُلَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْزَمُهُ كِتَابَةُ نُسْخَةٍ بِمَا جَرَى عِنْدَهُ وَإِنْ طَلَبَهَا الْمُسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشُّهُودِ لَا بِالْكِتَابِ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ الْخَصْمُ أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَزِمَهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِالطَّلَبِ فَقَدْ يُنْكِرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمُ بِمَا سَبَقَ لِنِسْيَانٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حُكْمِهِ لَزِمَهُ أَيْضًا. (وَبَعْدَ جَمْعِ الْفُقَهَا) أَيْ: جَمْعِهِ لَهُمْ وَحُضُورِهِمْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ يَخْرُجُ إلَيْهِ رَاكِبًا. (فَلْيَجْلِسْ) فِيهِ وَقُدِّمَ حُضُورُهُمْ عَلَى خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهُمْ بِانْتِظَارِهِ أَوْلَى كَمَا فِي الصَّلَاةِ. (مُشَاوِرًا) لَهُمْ نَدْبًا. (فِي الْحُكْمِ) عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ لِيَأْخُذَ بِالْأَرْجَحِ عِنْدَهُ قَالَ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْخُصُومِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ وَلَا يُشَاوِرُ غَيْرَ فَقِيهٍ وَلَا فَقِيهًا غَيْرَ أَمِينٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُضِلُّهُ. (وَلْيَزْجُرْ مُسِيَ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ. (فِي أَدَبٍ) أَيْ: مُسِيءِ الْأَدَبِ بِظُهُورِ لَدَدٍ أَوْ تَكْذِيبٍ لِلشُّهُودِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (بِاللَّفْظِ، ثُمَّ) إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِهِ. (عَزَّرَهْ) بِمَا يَرَاهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ إسَاءَتُهُ عَلَى الْقَاضِي فَالْأَوْلَى تَعْزِيرُهُ إنْ حُمِلَ تَرْكُهُ عَلَى ضَعْفٍ وَالْعَفْوُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ
(وَ) عَزَّرَ. (شَاهِدَ الزُّورِ) بِمَا يَرَاهُ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ (نِدَاءً شَهَرَهْ) أَيْ وَشَهَرَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ (فِي النَّاسِ) بِأَنْ يَأْمُرَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ فِي سُوقِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ تَحْذِيرًا عَنْهُ وَتَأْكِيدًا لِلزَّجْرِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَإِنَّمَا تَثْبُتُ شَهَادَتُهُ بِالزُّورِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَلَا تَكْفِي الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا لِاحْتِمَالِ زُورِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ
(وَلْيُسَوِّ) وُجُوبًا. (فِي الْإِكْرَامِ) بِقِيَامٍ وَاسْتِمَاعٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ وَجَوَابِ سَلَامٍ وَغَيْرِهَا. (مَا) زَائِدَةٌ. (بَيْنَ خَصْمَيْنِ أَوْ الْأَخْصَامِ)
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: ذَا الْعَمَلَا) وَهُوَ التَّرْجَمَةُ وَالتَّزْكِيَةُ وَالْإِسْمَاعُ. (قَوْلُهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) فَهُوَ عَلَى الْمُزَكِّي لَهُ وَالْمُتَرْجِمِ لَهُ وَالْمُسْمِعِ لَهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ: بِمَا تَقَرَّرَ) كَأَنَّهُ قَوْلُهُ: أَدَبًا
[حاشية الشربيني]
؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ فَقَالَ الْقَفَّالُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا قِيَاسُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ لَا غَيْرِهِمَا أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ كَالْمُتَرْجِمِينَ. (قَوْلُهُ: إضْبَارَةً) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ هِيَ الرَّبْطَةُ مِنْ الْوَرَقِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالرِّزْمَةِ وَبِالْحُزْمَةِ تَقُولُ ضَبَرْت الْكُتُبَ أَضْبِرُهَا ضَبْرًا إذَا ضَمَمْت بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَجَعَلْتهَا رَبْطَةً وَاحِدَةً وَيُسَمَّى أَيْضًا كُلُّ شَيْءٍ ضِبَارَةً بِكَسْرِ الضَّادِ وَجَمْعُهُ ضَبَائِرُ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) أَيْ: بِدَعْوَاهُ وَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ أَيْ: الْقَاضِي بِقَبُولِهَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتَ حَقِّهِ. اهـ. م ر. (قَوْلُهُ: غَيْرِهِمَا) بِأَنْ لَمْ يَنْسَ وَلَمْ يُعْزَلْ لَكِنْ قُلْنَا لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ وَلَا يَصِحُّ بَعْدَ تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ إلَّا بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَلَوْ حَكَمَ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ. اهـ. م ر وع ش. (قَوْلُهُ: نَدْبًا) أَيْ: إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ أَوْ التَّخَرُّجِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِهِ فَإِنْ قَصَّرَ عَنْ ذَلِكَ اُتُّجِهَ وُجُوبُ إحْضَارِ فُقَهَاءِ مَذْهَبِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا أَشْكَلَ الْحُكْمُ كَانَتْ الْمُشَاوَرَةُ وَاجِبَةً وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ. اهـ. حَاشِيَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي الْبَيِّنَةُ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: لَكِنَّهَا تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَنْ الْحُكْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي الْبَيِّنَةُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِتَيَقُّنٍ لِلْقَاضِي قَالَ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَكْفِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا لِاحْتِمَالِ زُورِهَا وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute