الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ حَيْثُ حَكَمَ فِيهِمَا بِالْمَالِ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِيهِمَا أَصْلٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَمْ يَظْهَرْ دَافِعٌ، فَأَخَذْنَا بِالْأَصْلِ وَهُنَا لَا مُسْتَنَدَ إلَّا النُّكُولُ، وَالنُّكُولُ الْمَحْضُ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ
وَ (إنْ تَتَعَارَضْ حُجَّتَانِ قُدِّمَتْ مَضِيفَةٌ) لِلْمِلْكِ إلَى سَبَبٍ كَإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نِتَاجٍ فِي مِلْكِ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ أَوْ زِرَاعَةٍ فِيهِ عَلَى مَنْ أُطْلِقَتْ، إذْ مَعَ الْمَضِيفَةِ زِيَادَةُ عِلْمٍ (وَ) قُدِّمَتْ (مَنْ بِنَقْلٍ عُلِمَتْ) أَيْ عُلِمَ كَوْنُهَا نَاقِلَةً فَلَوْ مَاتَ مَعْرُوفٌ بِالنَّصْرَانِيَّةِ عَنْ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا لِيَرِثَهُ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا قُدِّمَتْ الْأُولَى لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ لَهَا.
نَعَمْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إسْلَامٌ أَوْ كُفْرٌ تَسَاقَطَتَا فَيَحْلِفُ النَّصْرَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِ الْأَبِ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ غَيْرَ مَعْرُوفِ الدِّينِ فَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ تَسَاقَطَتَا، وَيَحْلِفُ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ وَيُجْعَلُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِمَا أَمْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا إذْ لَا أَثَرَ لِلْيَدِ بَعْدَ اعْتِرَافِ صَاحِبِهَا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ إرْثًا وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَأُخْرَى بِأَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ قُدِّمَتْ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مُبْقَيَةٌ (وَ) حُجَّةٌ قَالَتْ (مَاتَ) فُلَانٌ (قُدِّمَنْ عَلَيْهَا) حُجَّةٌ قَالَتْ (قَتَلَهْ) فُلَانٌ فَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ أَمَتِهِ بِقَتْلِهِ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ، وَوَارِثُهُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ قُدِّمَتْ الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَتُقَدَّمُ أَيْضًا بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي بِعَفْوِ الشَّفِيعِ عَلَى بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ بِأَخْذِهِ وَإِنْ كَانَ الشِّقْصُ بِيَدِهِ لِزِيَادَةِ عِلْمِ الْعَفْوِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الشُّفْعَةِ (وَ) قُدِّمَتْ حُجَّةٌ (مَعَ يَدٍ لَهُ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَيُسَمِّي الدَّاخِلَ عَلَى حُجَّةِ مَنْ لَا يَدَ لَهُ وَيُسَمِّي الْخَارِجَ فَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَأَقَامَ حُجَّةً بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ حُجَّةً بِأَنَّهَا مِلْكُهُ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُهَا لِتَرَجُّحِهَا بِالْيَدِ، نَعَمْ إنْ قَالَ الْخَارِجُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنِّي أَوْ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ وَشَهِدَتْ حُجَّتُهُ بِذَلِكَ قُدِّمَتْ عَلَى حُجَّةِ الدَّاخِلِ (وَ) قُدِّمَتْ حُجَّةٌ مَعَ يَدٍ (لِلْمُقَرِّ لَهْ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ عَلَى حُجَّةٍ خَالِيَةٍ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْ ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً، وَأَقَرَّ الثَّالِثُ لِأَحَدِهِمَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ يَدٍ، هَذَا إذَا أَقَرَّ قَبْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِلَّا تَسَاقَطَتَا، وَقُدِّمَ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِقْرَارِ الثَّالِثِ لَا بِبَيِّنَةٍ حَتَّى يُقَالَ يُرَجَّحُ بِالْإِقْرَارِ
(وَإِنْ أَزَالَتْهَا) أَيْ يَدُ صَاحِبِ الْيَدِ الْحُجَّةَ (الَّتِي لِلْخَارِجِ) فَإِنَّ حُجَّتَهُ تُقَدَّمُ عَلَى حُجَّةِ الْخَارِجِ إنْ أَسْنَدَتْ الْمِلْكَ إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ وَإِنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ وَقَدْ ظَهَرَتْ فَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ فَإِنْ لَمْ تُسْنِدْهُ إلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُدَّعٍ خَارِجٌ (حَيْثُ الَّتِي لِلْيَدِ بَعْدَهَا تَجِي) أَيْ إنَّمَا تُسْمَعُ حُجَّةُ ذِي الْيَدِ حَيْثُ تَجِيءُ أَيْ تُقَامُ بَعْدَ حُجَّةِ الْخَارِجِ لَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً (وَلَوْ بِحَيْثُ لَمْ تُزَكَّ الْأَوَّلَهْ) أَيْ قُدِّمَتْ حُجَّةُ ذِي الْيَدِ حَيْثُ أُقِيمَتْ بَعْدَ الْأُولَى وَلَوْ قَبْلَ تَزْكِيَتِهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الزَّوَالِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الطَّاعِنِ عَنْهَا وَحَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ مَنْعَ إقَامَتِهَا قَبْلَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي إقَامَتِهَا دَفْعُ ضَرَرٍ عَنْ الدَّاخِلِ بِتُهْمَةِ سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ كَانَ فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ سَمَاعُهَا قَبْلَ إقَامَةِ الْخَارِجِ الْبَيِّنَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِ تُهْمَةِ السَّرِقَةِ، قَالَ فَإِذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَهَلْ يَحْتَاجُ الدَّاخِلُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ قُدِّمَتْ مَضِيفَةٌ) الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ وَشُرُوحِهِ أَنَّ الْمُضِيفَةَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ ذَاتِ التَّارِيخِ وَأَنَّ الْمُقَدَّمَ النَّاقِلَةُ ثُمَّ الْيَدُ ثُمَّ الشَّاهِدَانِ ثُمَّ سَبْقُ التَّارِيخِ ثُمَّ الْمُضِيفَةُ، وَأَنَّ بَيِّنَةَ التَّاجِ فِي رُتْبَةِ ذَاتِ التَّارِيخِ السَّابِقِ بِرّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ تَقْدِيمِ النَّاقِلَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُهَا) فِي الْقُوتِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهَا أَنَّ سَبْقَ تَارِيخِ الْخَارِجِ مُقَدَّمٌ عِنْدَ إسْنَادِ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ أَيْ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: إلَى دَفْعِ الطَّاعِنِ عَنْهَا) مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ شَهِدَ أَنَّ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي تَقْدِيمِ الْمُضِيفَةِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ثُمَّ التَّارِيخُ وَتَقَدَّمَ فِي الْهَامِشِ عَنْ الْإِرْشَادِ وَشُرُوحِهِ عَكْسُهُ
[حاشية الشربيني]
اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ وَالنُّكُولُ إلَخْ) وَلَا يُمْكِنُ رَدُّ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْحَقِّ فَتَعَيَّنَ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ مَا قُلْنَا. اهـ. م ر
(قَوْلُهُ: قُدِّمَتْ مَضِيفَةٌ إلَخْ) فِي الْأَنْوَارِ لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، فَلَا تَرْجِيحَ، وَكَذَا فِي كُلِّ بَيِّنَتَيْنِ أَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا الْمِلْكَ وَنَصَّتْ إحْدَاهُمَا عَلَى السَّبَبِ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا. اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِلشَّارِحِ وم ر وَحَجَرٍ وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ كَغَيْرِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُؤَرَّخَةِ حَيْثُ تَسَاقَطَا وَبَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَمُبَيِّنَةِ السَّبَبِ حَيْثُ عُمِلَ بِمُبَيِّنَةِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّ الْمُطْلَقَةَ لَوْ بَحَثَ عَنْهَا قَدْ تَبَيَّنَ السَّبَبُ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ، وَفِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ إنَّمَا يَكُونُ مُرَجِّحًا إذَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَتَكُونُ الصُّورَةُ أَنَّ أَحَدَ الْمُدَّعِيَيْنِ ادَّعَى الْمِلْكَ وَسَبَبَهُ وَشَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى الْآخَرُ الْمِلْكَ مُطْلَقًا وَشَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَتُرَجَّحُ الْأُولَى لِإِثْبَاتِهَا ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ لِصَاحِبِهَا وَهُوَ عِلْمٌ زَائِدٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَك حَمْلُ مَا فِي الْأَنْوَارِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي السَّبَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute