ثَلَاثَةٌ: مُعْتِقٌ، وَعَتِيقٌ، وَصِيغَةٌ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (يَصِحُّ إعْتَاقُ) كُلِّ (مُكَلَّفٍ) مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ وَلَوْ كَافِرًا (مَلَكَ) مَا أَعْتَقَهُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ، وَلَا غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَلَا غَيْرِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَالتَّصْرِيحُ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَلَك أَنْ تَحْمِلَ مَلَكَ عَلَى مِلْكِ الْإِعْتَاقِ فَيَشْمَلُ النَّائِبَ فِيهِ، وَيَخْرُجُ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، أَوْ أَجْنَبِيًّا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، أَوْ لِيَكُونَ الرَّقِيقُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَالَةَ الْإِعْتَاقِ حَقٌّ لَازِمٌ كَجِنَايَةٍ، وَرَهْنٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمُكَلَّفِ، وَلَا غَيْرِهِ.
وَلَا يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ إلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ، أَوْ كِنَايَةٍ كَمَا قَالَ: (بِلَفْظِ إعْتَاقٍ، وَتَحْرِيرٍ، وَفَكْ رَقَبَةٍ) أَيْ: بِمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا كَأَنْتَ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ، أَوْ أَعْتَقْتُك، أَوْ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ حَرَّرْتُك، أَوْ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ، أَوْ فَكَّيْتُهَا، أَوْ فَكَكْتهَا، فَلَوْ قَالَ: أَنْتَ إعْتَاقٌ، أَوْ تَحْرِيرٌ، أَوْ فَكُّ رَقَبَةٍ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَلَاقٌ، وَلَا أَثَرَ لِلْخَطَأِ بِالتَّذْكِيرِ، وَالتَّأْنِيثِ كَأَنْتِ حَرَّةٌ لِعَبْدِهِ، وَأَنْتَ حُرٌّ لِأَمَتِهِ. (وَقَوْلِهِ: يَا حُرُّ يَا آزَاذَ مَرْدَ) بِالْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ ثُمَّ زَايٍ، ثُمَّ أَلِفٍ، ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَمَعْنَى آزاذ حُرٌّ ومرد رَجُلٌ، وَهُمَا لَفْظَانِ فَارِسِيَّانِ، وَالْأَوَّلُ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِلثَّانِي فَكَأَنَّهُ قَالَ يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْحُرُّ وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَجَمِ فِي تَقْدِيمِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ، وَالْمَعْنَى يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ بِمَا مَرَّ وَبِقَوْلِهِ: يَا حُرُّ، أَوْ يَا آزَاذَ مَرْدَ. (إنْ تَكُنْ مُنْتَفِيَا) عَنْهُ (قَرِينَةُ الْمَدْحِ وَقَصْدُ اسْمٍ سَلَفْ) فَإِنْ لَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ ذَلِكَ بِأَنْ ادَّعَى قَصْدَ مَدْحِهِ بِذَلِكَ وَوُجِدَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِهِ، أَوْ ادَّعَى قَصْدَ نِدَائِهِ بِاسْمِهِ الْقَدِيمِ وَكَانَ اسْمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فَلَا عِتْقَ لِظُهُورِ احْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: وَهُوَ يَحُلُّ وَثَاقَهَا أَنْت طَالِقٌ، وَقَالَ: قَصَدْت طَلَاقَهَا مِنْهُ (وَ) بِقَوْلِهِ: أَنْتَ (ابْنِي إنْ أَمْكَنَ ذَا) أَيْ: كَوْنُهُ ابْنَهُ بِكَوْنِهِ أَصْغَرَ مِنْهُ بِمَا يَتَأَتَّى مَعَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ (وَإِنْ عُرِفْ) نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَكَذَّبَ) أَيْ: وَإِنْ كَذَّبَهُ (الْعَبْدُ) وَهُوَ مُكَلَّفٌ، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ فِي هَاتَيْنِ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ ابْنَهُ بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ، أَوْ مِثْلَهُ سِنًّا، أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ بِمَا لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ لَمْ يَعْتِقْ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ، أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: يَا ابْنِي كَقَوْلِهِ: أَنْتَ ابْنِي لَكِنْ قِيَاسُ مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا فُرْقَةَ إنْ لَمْ يَنْوِهَا بِقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ بِنْتَهُ يَا بِنْتِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ عَادَةً لِلْمُلَاطَفَةِ، وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَذَلِكَ
، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّدَاءِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النِّدَاءَ يَكْثُرُ فِيهِ الْمُلَاطَفَةُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ كَيْفَ شِئْت فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَوَقُّفُهُ عَلَى مَشِيئَتِهِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْوَلَاءِ (وَبِالْكِنَايَهْ) أَيْ: يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ بِصَرِيحٍ كَمَا مَرَّ، وَبِكِنَايَةٍ كَقَوْلِهِ: (يَا حُرُّ لِلْمُسَمَّى بِهِ) حَالًا، أَوْ يَا (مَوْلَايَهْ) بِهَاءِ السَّكْتِ، أَوْ يَا (سَيِّدِي) كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، أَوْ يَا (كَذْبَانُويَةَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: كَجِنَايَةٍ وَرَهْنٍ) أَيْ: مَعَ إعْسَارِ الْمَالِكِ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَاجُ ذِكْرُ الْمُكَلَّفِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَك أَنْ تَحْمِلَ إلَخْ، وَوَجْهُ التَّفْرِيعِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَالِكَ الْإِعْتَاقِ لَا يَكُونُ إلَّا مُكَلَّفًا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا غَيْرُهُ إشَارَةٌ إلَى زِيَادَةِ الشَّارِحِ قَوْلَهُ: مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ
(قَوْلُهُ: وَقَصَدَ اسْمَ) سَلَفَ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: إنْ يَكُنْ مُنْتَفِيًا إلَخْ) فَهَذَا صَرِيحٌ لَكِنَّهُ يَقْبَلُ الصَّرْفَ فَإِنْ وُجِدَ الصَّارِفُ انْتَفَى الْعِتْقُ وَإِلَّا وُجِدَ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ الْعِتْقَ، أَوْ أَطْلَقَ لِصَرَاحَتِهِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ كَحُرٍّ لِلْمُسَمَّى بِهِ حَالًا فِيمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ إلَّا إنْ قَصَدَ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ الَّذِي يَقْبَلُ الصَّرْفَ، وَالْكِنَايَةِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَقَصَدَ اسْمَ سَلَفَ) أَيْ: كَانَ اشْتَهَرَ بِهِ، ثُمَّ غَيَّرَهُ كَذَا قَالَهُ حَجَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ إذْ لَوْ قَصَدَ الِاسْمَ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَهِرْ لَا يَعْتِقُ بَاطِنًا (قَوْلُهُ: بِأَنْ ادَّعَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي الْعِتْقُ إلَّا إنْ ادَّعَى فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ وَوُجِدَ مَعَهُ الْقَرِينَةُ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ، وَلَعَلَّهُ لِصَرَاحَتِهِ لَا يَعْمَلُ بِالصَّارِفِ إلَّا إذَا ادَّعَاهُ (قَوْلُهُ: فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَقَالَ زي: إنْ أَرَادَ الْمُلَاطَفَةَ فَلَا عِتْقَ صَرِيحًا بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ. اهـ. ق ل وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّرِيحِ الَّذِي يَقْبَلُ الصَّرْفَ إنْ أَرَادَ الْمُلَاطَفَةَ لَا عِتْقَ وَإِلَّا عَتَقَ سَوَاءٌ قَصَدَ الْعِتْقَ، أَوْ أَطْلَقَ فَلَا مَوْقِعَ لِقَوْلِهِ: بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ إذْ الْكِنَايَةُ لَا عِتْقَ فِيهَا إلَّا بِالْقَصْدِ (قَوْلُهُ: فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِطَرِيقِ الْمُؤَاخَذَةِ. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَذَلِكَ) قَالَ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: يَعْتِقُ فِي الْحَالِ) أَيْ: بِلَا مَشِيئَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتَ حُرٌّ إيقَاعٌ لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُهُ: كَيْفَ شِئْت مَعْنَاهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ شِئْت، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَتَضَمَّنُ تَعْلِيقَهُ بِصِفَةٍ وَهَذَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَالْقَفَّالِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ. وَأَشَارَ م ر فِي حَاشِيَتِهِ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: كذبانويه)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute