بِالْغَيْبَةِ بَعْدَ الْمَحَلِّ، وَالْإِذْنُ قَبْلَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ فِي اسْتِمْرَارِهَا إلَى مَا بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لَا يُؤَدِّي الْحَاكِمُ النُّجُومَ مِنْهُ بَلْ يُمَكِّنُ السَّيِّدَ مِنْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَّزَ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا ولَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِيهِمَا فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مَا يُخَالِفُهُ (وَلَا) إنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ (عَمَّا يَحُطُّ) عَنْهُ فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فَإِنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ بَلْ يَرْفَعُ الْمُكَاتَبُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِهِ (وَالتَّقَاصُّ) فِيمَا عَلَيْهِمَا (أُهْمِلَا) أَيْ: لَا يَحْصُلُ لِأَنَّا، وَإِنْ جَعَلْنَا الْحَطَّ أَصْلًا فَلِلسَّيِّدِ الْبَذْلُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْكِتَابَةِ (وَأَنْظَرَ السَّيِّدُ) الْمُكَاتَبَ وُجُوبًا (حَتَّى يُطْلِعَا) أَيْ: يُخْرِجَ الْمَالَ (مِنْ حِرْزِهِ) وَيَزِنَهُ، وَيَنْظُرَهُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مَلِيٍّ إلَى اسْتِيفَائِهِ، وَفِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ عُرُوضٌ وَالنُّجُومُ غَيْرُهَا إلَى أَنْ يَبِيعَهَا، فَإِنْ عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ بِمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ إلَى حُضُورِهِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَتَبِعَهُمْ الشَّيْخَانِ
، وَحَكَى فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ، وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ بِأَنَّ ضَرَرَ الْبَائِعِ يَزُولُ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا (وَ) لِلسَّيِّدِ (فَسْخُهَا إنْ مَنَعَا) أَيْ: الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ مِنْ النُّجُومِ بَعْدَ الْمَحَلِّ مَعَ الْقُدْرَةِ وَعَجَّزَ نَفْسَهُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهَا لِجَوَازِ الْكِتَابَةِ مِنْ جِهَتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْحَطَّ فِيهَا لَهُ وَلِتَضَمُّنِهَا التَّعْلِيقَ بِصِفَةٍ وَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَتَقْيِيدُ ذَلِكَ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ كَغَيْرِهِمَا، وَتَرْكُهُ كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّظْمِ وَأَصْلِهِ، أَوْجَهُ (أَوْ جُنَّ) فَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ، وَثُبُوتِ الْكِتَابَةِ، وَالْحُلُولِ عِنْدَهُ وَمُطَالَبَتِهِ بِحَقِّهِ وَحَلِفِهِ عَلَى بَقَائِهِ وَتَمْكِينِ الْحَاكِمِ لَهُ مِنْ الْفَسْخِ (لَا إنْ مَالُهُ بِهِ) أَيْ: بِالنَّجْمِ (وَفَّى) فَلَا فَسْخَ بَلْ يُؤَدِّي الْقَاضِي عَنْهُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فَيَنُوبُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الْغَائِبِ كَمَا مَرَّ كَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ.
وَفَصَّلَ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ فَقَالَ: (فَإِنْ رَأَى الْقَاضِي صَلَاحًا) أَيْ: مَصْلَحَةً فِي حُرِّيَّتِهِ (صَرَفَا) أَيْ: أَدَّى مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَضِيعُ بِهَا لَمْ يُؤَدِّ قَالَ الشَّيْخَانِ وَالتَّفْصِيلُ جَيِّدٌ لَكِنَّهُ قَلِيلُ النَّفْعِ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ لِلسَّيِّدِ إذَا وَجَدَ مَالَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَاكِمَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْأَخْذِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَيْ: فَلَا يَسْتَقِلُّ بِأَخْذِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ، وَأَصْلِهِ أَنَّ
ــ
[حاشية العبادي]
مَا قَبَضَ وَلَا أَبْرَأَ، وَلَا يَعْلَمُ لَهُ مَالًا حَاضِرًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ مِنْهُ وَيُمَكَّنُ السَّيِّدُ مِنْ الْفَسْخِ، وَإِنْ عَاقَ الْمُكَاتَبَ مَرَضٌ، أَوْ خَوْفٌ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالْحَلِفِ إلَى، وَلَا يَعْلَمُ لَهُ مَالًا حَاضِرًا قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ، وَالْمُرَادُ بِالْغَيْبَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ: مَسَافَةُ الْقَصْرِ قُلْت وَالْقِيَاسُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ إنَّهُ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لَهُ مَالًا حَاضِرًا لَا يَجْتَمِعَانِ. اهـ. التَّحْلِيفُ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّهُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ غَرِيبٌ وَعَلَيْهِ لَا إشْكَالَ. اهـ. وَالشَّارِحُ هُنَا اقْتَصَرَ عَلَى الْفَسْخِ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ وَإِعْلَامٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُؤَدِّي فَلَمْ يَقَعْ فِي هَذَا الْإِشْكَالُ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِمَا فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مَا يُخَالِفُهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْأَدَاءِ عَنْ الْغَائِبِ قَدْ خَالَفَهُ آخِرَ الرُّكْنِ الثَّالِثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَسِيرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ كَلَامٌ نَازِلٌ يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ وَعَلَى مَا تَخَيَّلَهُ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَسِيرِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْظُرُهُ أَيْضًا إلَخْ) بَحَثَ بَعْضُهُمْ اخْتِصَاصَ الْإِمْهَالِ فِي هَذَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْأَجَلِ قَرِيبًا كَنِصْفِ يَوْمٍ فَالْوَجْهُ الْإِمْهَالُ أَيْضًا بِرّ. (قَوْلُهُ: وَيُعَجِّزُ نَفْسَهُ) وَلِلْمُكَاتَبِ أَيْضًا أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ، وَيَفْسَخَ لَكِنْ نُسِبَ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُعَجِّزُ، وَلَا يَفْسَخُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِرّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: فَلَا يَسْتَقِلُّ بِأَخْذِهِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِقْلَالَ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَصْلَحَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْنَعُهُ وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْمُكَاتَبِ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّ الْأَخْذَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا لَوْ نَجَّزَ إعْتَاقَهُ فَإِنَّهُ نَافِذٌ قَطْعًا، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ مَنْعُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ، وَالْحَاكِمُ إنَّمَا يُرَاعِي
[حاشية الشربيني]
هُنَاكَ: (فَرْعٌ)
كَاتَبَ مُسْلِمٌ عَبْدًا كَافِرًا بِدَارِ الْحَرْبِ فَأُسِرَ لَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَمَانِ سَيِّدِهِ، وَهَلْ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ وَالتَّعْجِيزُ وَهُوَ فِي الْأَسْرِ؟ الْمَذْهَبُ لَهُ بِنَاءً عَلَى احْتِسَابِ مُدَّةِ الْأَسْرِ مِنْ الْأَجَلِ، ثُمَّ هَلْ يَفْسَخُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَبْحَثَ هَلْ لَهُ مَالٌ؟ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ فَإِنْ فُسِخَتْ وَخَلَصَ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَفِي بِالْكِتَابَةِ بَطَلَ الْفَسْخُ، وَأَدَّى الْمَالَ وَعَتَقَ. اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى فِي فَسْخِ السَّيِّدِ بِدُونِ الْحَاكِمِ فَلَا يُخَالِفُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَحَلَّفَهُ عَلَى بَقَائِهِ) وَكَذَا عَلَى نَفْيِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّحْصِيلِ قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَأَقَرَّهُ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُؤَدِّي الْقَاضِي إلَخْ) وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ سَابِقًا: وَلَوْ مِنْ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا قَبَضَ النُّجُومَ فَيَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ، وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ حَتَّى يَرْفَعَ لِلْقَاضِي فَيَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ جَيِّدٌ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute