كَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ أَوْ مَاءِ شَجَرٍ أَوْ عَرَقٍ؛ لِأَنَّهُ لِمُوَافَقَتِهِ لَا يُغَيَّرُ فَاعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ كَالْحُكُومَةِ (وَسَطْ) فِي الصِّفَاتِ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ فَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ كَمَا سَيَأْتِي لِغِلَظِهِ.
وَاعْتَبَرَ الرُّويَانِيُّ الْأَشْبَهَ بِالْخَلِيطِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ صِفَةَ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودَةِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ (بِمَا لَهُ عَنْهُ غِنًى بِهِ اخْتَلَطَ) أَيْ: وَلَمْ يُغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمَا اخْتَلَطَ بِهِ وَلَهُ عَنْهُ غِنًى وَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْ تَغَيَّرَ لَا بِأَحَدِ الْأَوْصَافِ فِي الثَّلَاثَةِ كَالْمُسَخَّنِ وَالْمُبَرَّدِ أَوْ بِأَحَدِهَا لَا بِمَا اخْتَلَطَ بِهِ كَالْمُتَغَيِّرِ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ أَوْ بِطُولِ الْمُكْثِ أَوْ بِمُجَاوِرٍ كَعُودٍ وَلَوْ مُطَيَّبًا وَدُهْنٍ وَكَافُورٍ صُلْبٍ وَقَطِرَانٍ لَمْ يَخْتَلِطْ بِالْمَاءِ أَوْ بِمَا اخْتَلَطَ بِهِ وَلَا غِنًى لِلْمَاءِ عَنْهُ كَالْمُتَغَيِّرِ بِطِينٍ أَوْ طُحْلُبٍ مُتَفَتِّتٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ زِرْنِيخٍ بِمَقَرِّ الْمَاءِ أَوْ مَمَرِّهِ أَوْ لَهُ عَنْهُ غِنًى وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ اسْمٌ كَالْمُتَغَيِّرِ يَسِيرًا بِدَقِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ فَكُلٌّ مِنْهَا يَرْفَعُ؛ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِمَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ كَالْمُجَاوِرِ يُشْبِهُ الْمُتَغَيِّرَ بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ، وَالْمُتَغَيِّرُ بِطِينٍ وَنَحْوِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَسَطٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الْوَسَطُ تَقْرِيبًا وَإِلَّا فَإِثْبَاتُ الْوَسَطِ حَقِيقَةً فِي الْأَمْثِلَةِ مُشْكِلٌ. (قَوْلُهُ: صِفَةَ الْخَلِيطِ) مِثَالُهُ أَنْ يُفْرَضَ مَاءُ وَرْدٍ لَهُ رَائِحَةٌ إذَا كَانَ الْمُخْتَلِطُ مَاءَ وَرْدٍ لَا رَائِحَةَ لَهُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بِرّ. (قَوْلُهُ: مُتَفَتِّتٍ) وَأَمَّا غَيْرُ الْمُفَتَّتِ فَمُجَاوِرٌ.
[حاشية الشربيني]
كَالرِّيحِ فِي الْمَاوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ يَدُلُّ عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الْمَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ وُجُودُهُ فِيهِ كَاللَّوْنِ فِي مَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفُقِدَ حَتَّى يُقَدَّرَ. وَوَجْهُ تَقْدِيرِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا آلَ إلَى التَّقْدِيرِ سُلِكَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ. اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: كَلَوْنِ الْعَصِيرِ) أَيْ: الْأَسْوَدِ أَوْ الْأَحْمَرِ مَثَلًا لَا الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّا نَفْرِضُهُ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي اللَّوْنِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ وَلَوْ وَافَقَهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَبَقِيَ فِيهِ الصِّفَتَانِ مَثَلًا كَمَاءِ وَرْدٍ مُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ لَهُ لَوْنٌ وَطَعْمٌ مُخَالِفٌ لِلَوْنِ الْمَاءِ وَطَعْمِهِ هَلْ تُعْرَضُ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ أَوْ يُخْتَصُّ بِفَرْضِ مُغَيِّرِ الرِّيحِ الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِالْخَلِيطِ.
ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ شَيْخُنَا وَإِلَى الثَّانِي الرُّويَانِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ الْمَوْجُودَتَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا لَمَّا لَمْ تُغَيَّرَا فَلَا مَعْنَى لِفَرْضِهِمَا. اهـ. ح ل لَكِنَّ قَوْلَ الرَّشِيدِيِّ: إنَّ تَقْدِيرَ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ بَدَلٌ عَنْ الْمَفْقُودِ الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْوُجُودُ لَا أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ يَدُلُّ عَنْ نَظِيرِهِ، يُرَجِّحُ مَا قَالَهُ شَيْخُهُ م ر فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ إنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الرَّشِيدِيِّ سَابِقًا أَنَّهُ إذَا وَافَقَ فِي الْبَعْضِ وَخَالَفَ فِي الْآخَرِ لَا تَقْدِيرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ مَا وَافَقَ فِيهِ أَصْلِيًّا لَهُ كَالْمِلْحِ الَّذِي ذَكَرَهُ إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا الطَّعْمُ فِي الْوَاقِعِ بِخِلَافِ مَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ وَلَهُ لَوْنٌ وَطَعْمٌ مُخَالِفٌ فَإِنَّ انْقِطَاعَ رَائِحَتِهِ لَيْسَ أَصْلِيًّا لَهُ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: صِفَةَ) فَلَا يُقَدَّرُ عِنْدَهُ إلَّا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا يُمْكِنُ) لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ فِي الصِّفَاتِ لَكِنَّهُ يُفْرَضُ مُخَالِفًا م ر. (قَوْلُهُ: الْمَفْقُودَةَ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَوْجُودَ لَا يُقَدَّرُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْمُتَغَيِّرِ) أَيْ: كَتَغَيُّرِ الْمُتَغَيِّرِ وَكَذَا مَا يَأْتِي عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمُجَاوِرٍ) أَيْ: طَاهِرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَرِدُ النَّجِسُ. اهـ. بَكْرِيٌّ عَلَى الْمَحَلِّيِّ ع ش. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمُجَاوِرٍ) وَلَوْ غَيْرَ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ الثَّلَاثَةِ كَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَقِيلَ فِي الْمُجَاوِرِ خَاصَّةً إنْ غَيَّرَ الطَّعْمَ أَوْ اللَّوْنَ ظَهَرَ أَنَّهُ مُخَالِطٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَالْمُتَغَيِّرِ) أَيْ: وَلَوْ كَثِيرًا. (قَوْلُهُ: أَوْ لَهُ عَنْهُ غِنًى) وَلَمْ يَحْدُثْ قَيْدٌ هُنَا بِعَدَمِ الْحُدُوثِ دُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحُدُوثَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا لَهُ عَنْهُ غِنًى إذْ مَا لَا غِنَى عَنْهُ لَا يَحْدُثُ بِهِ الِاسْمُ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ نُكْتَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَغَيِّرَ بِطِينٍ وَنَحْوِهِ) يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ هَكَذَا فَالتَّغَيُّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ مُخَالِطِ طَاهِرٍ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ غَيْرُ طَهُورٍ وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ لِقِلَّتِهِ وَلَا تَغَيُّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ فَلَا يَمْنَعُ التَّغَيُّرُ بِهِ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَشْبَهَ التَّغَيُّرُ بِهِ فِي الصُّورَةِ التَّغَيُّرَ الْكَثِيرَ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ اهـ وَكَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَمْنَعُ إلَخْ. دَفْعَ اعْتِرَاضِ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِسْنَوِيِّ قَوْلَ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ تَغَيُّرًا كَثِيرًا أَنَّهُ لَا يَسْلُبُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ بِأَنَّ التَّغَيُّرَ الْكَثِيرَ هُوَ الْمُزِيلُ لِلِاسْمِ وَأَجَابَ فِي الْإِيعَابِ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ السَّلْبِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَسْلُبُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَبْقَى فِيهِ لَفْظُ مَا مُضَافًا إلَى ذَلِكَ الْمُغَيِّرِ كَالْكَافُورِ وَحَيْثُ كَانَ لَفْظُ الْمَاءِ مَوْجُودًا مَعَ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ صَحَّ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ عَرِيًّا عَنْ تِلْكَ الْإِضَافَةِ، أَمَّا إذَا سَلَبَهُ الْإِطْلَاقَ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ صَارَ لَا يُسَمَّى مَاءً وَلَا يُضَافُ فِيهِ لَفْظُ مَاءٍ إلَى ذَلِكَ الْمُغَيَّرِ بَلْ انْسَلَخَ عَنْهُ ذَلِكَ بِسَائِرِ الِاعْتِبَارَاتِ وَحَدَثَ لَهُ اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنَّ التَّغَيُّرَ يَضُرُّ فَإِنْ قُلْت حَيْثُ أُطْلِقَ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ امْتَنَعَ أَنْ يُسَمَّى كَثِيرًا وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ قُلْت: أَرَادَ الْكَثِيرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَوَامِّ دُونَ أَهْلِ اللِّسَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute