بِخِلَافِ الْمَنْثُورِ وَإِنْ نُثِرَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ أَمَّا غَيْرُ الْمُتَفَتِّتِ فَمُجَاوِرٌ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَالتَّغَيُّرُ بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ يُؤَثِّرُ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا وَصَرَّحَ كَأَصْلِهِ بِحُكْمِ الْوَرَقِ وَإِنْ شَمِلَهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ عَنْهُ غِنًى لِلْخِلَافِ فِيهِ كَعَادَتِهِمَا فِي مِثْلِهِ غَالِبًا (وَ) لَا (مِلْحِ مَاءٍ) لِانْعِقَادِهِ مِنْ الْمَاءِ كَالْجَمَدِ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ أَيْ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَقَرِّ الْمَاءِ أَوْ مَمَرِّهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
(وَلَا تُرْبٍ) بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لُغَةً فِي التُّرَابِ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَاءَ فِي الطَّهُورِيَّةِ وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدٌ كَدَوْرَةٍ وَهِيَ لَا تَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى إلَّا طِينًا رَطْبًا سَلَبَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلتُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَقَضِيَّةُ الْأُولَى أَنَّهُ يُؤَثِّرُ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
(وَلَوْ) كَانَ التَّغَيُّرُ (بِطَرْحِ) لِلْمِلْحِ الْمَائِيِّ وَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ لِمَا مَرَّ وَبِهِ فَارَقَا طَرْحَ الْوَرَقِ وَعِبَارَتُهُ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ إيهَامِ تَخْصِيصِ الطَّرْحِ بِالتُّرَابِ مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي: وَتُرَابٌ وَإِنْ طُرِحَ وَمِلْحُ مَاءٍ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ طَرْحُ التُّرَابِ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ مِنْ الْمَاءِ فَطَرْحُ الْمُنْعَقِدِ مِنْهُ بِالْأَوْلَى
(وَ) مَاءٌ (مُتَشَمِّسٌ) وَلَوْ بِنَفْسِهِ (بِقُطْرِ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ: بِنَاحِيَةِ (الْحَرِّ) الشَّدِيدِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدِلَةِ وَالْبَارِدَةِ (فِي) إنَاءٍ (مُنْطَبِعٍ) أَيْ: مُطْرَقٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْبِرَكِ وَالْحِيَاضِ وَإِنَاءِ الْخَزَفِ وَالْحَجَرِ (يُكْرَهُ) اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا فِي الْبَدَنِ طَهَارَةً وَغَيْرَهَا لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً بِالشَّمْسِ يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَفْعَلِي هَذَا فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ»
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَنْثُورِ) أَيْ: إذَا تَفَتَّتَ بِحَيْثُ خَالَطَ. (قَوْلُهُ: بِالثِّمَارِ) أَيْ: حَيْثُ تَفَتَّتَ بِحَيْثُ صَارَتْ مُخَالِطَةً. (قَوْلُهُ: السَّاقِطَةِ) فَالْمَنْثُورَةُ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: غَالِبًا) فَهِيَ خَلِيطٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ: كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْيِيدُ التَّأْثِيرِ بِقِلَّةِ الْمَاءِ
(قَوْلُهُ: يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ بَاقِيَةٌ وَلَوْ بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ أَيَّدَاهُمَا صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي شَرْحِهِ لِلْمُهَذَّبِ أَحَدُهُمَا: لَا تَزُولُ؛ لِأَنَّهُ كُرِهَ لِكَوْنِهِ مُشَمَّسًا وَهُوَ لَا يَزُولُ بِالْكَثْرَةِ. وَالثَّانِي: يَزُولُ بِهَا كَمَا يَزُولُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ اهـ.
ــ
[حاشية الشربيني]
الْمَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِلْخِلَافِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَّا إلَخْ) مُحْتَرَزُ مَا زَادَهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مُتَفَتِّتٌ اهـ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِعِلْمِهِ مِمَّا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اتِّصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ إذْ لَا يَكُونُ مُخَالِطًا إلَّا حِينَئِذٍ اهـ. (قَوْلُهُ: بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ) أَيْ: بِسَبَبِ مَا انْحَلَّ مِنْهَا اهـ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَالثَّمَرُ إنْ غَيَّرَ وَهُوَ بِحَالِهِ فَمُجَاوِرٌ وَإِنْ انْحَلَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمُخَالِطٌ اهـ. فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا انْحَلَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِثْلُ الثِّمَارِ بَاقِي الْحُبُوبِ كَمَا فِي الْعُبَابِ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا) قَالَ ع ش حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا ضَرَّ نَظَرًا لِلْغَالِبِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ فِيهِ) عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ: وَالْمُتَغَيِّرُ بِوَرَقِ شَجَرٍ تَنَاثَرَ لَا يَضُرُّ وَقِيلَ يَضُرُّ وَقِيلَ يَضُرُّ رَبِيعِيٌّ لَا خَرِيفِيٌّ وَقِيلَ يَضُرُّ مُتَفَتِّتٌ.
(قَوْلُهُ: لِانْعِقَادِهِ إلَخْ) لَوْ انْعَقَدَ مِنْ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ وَغَيَّرَ كَثِيرًا ضَرَّ وَالْعِبْرَةُ فِي تَغْيِيرِهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مِلْحًا نَظَرًا لِمَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ ع ش. (قَوْلُهُ: أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ إيهَامِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي إيهَامٌ لَا قُصُورٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْعِرَاقِيِّ. (قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَ دَفْعُهُ) أَيْ: الْإِيهَامِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِنَفْسِهِ) دُفِعَ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ مُطَاوِعُ شَمْسٍ وَلِلرَّدِّ عَلَى الضَّعِيفِ الْمُشْتَرِطِ قَصْدَ التَّشْمِيسِ. (قَوْلُهُ: بِقُطْرِ الْحَرِّ) أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْقُطْرِ لِلْغَلَبَةِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ بِالْقُطْرِ الْحَارِّ بَلَدٌ بَارِدٌ كَالطَّائِفِ بِالْحِجَازِ لَمْ يُكْرَهْ أَوْ عَكْسُهُ كَحَوْرَانَ بِالشَّامِ كُرِهَ. (قَوْلُهُ: الشَّدِيدِ) الْمُرَادُ بِالشِّدَّةِ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّمْسِ قُوَّةٌ تَفْصِلُ أَجْزَاءً مِنْ الْمُنْطَبِعِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَوْهَرَ الْمُنْطَبِعَاتِ مُرَكَّبٌ مِنْ الزِّئْبَقِ وَالْكِبْرِيتِ وَمِنْ شَأْنِ الشَّمْسِ تَصْعِيدُ الزِّئْبَقِ فَإِذَا كَانَتْ قُوَّةُ الشَّمْسِ بِحَيْثُ لَا تَعْجَزُ عَنْ تَصْعِيدِ قَدْرٍ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا تَقْوَى عَلَى تَحْلِيلِ مَا تُصَعِّدُهُ خَالَطَ الْمُتَصَعِّدُ الْمَاءَ فَإِذَا لَاقَى الْبَشَرَةَ غَاصَ فِي الْمَسَامِّ وَأَضْعَفَ الْقُوَى الْغَاذِيَّةَ لِمَا فِي الزِّئْبَقِ مِنْ السُّمِّيَّةِ فَلَا تَقْوَى عَلَى إتْمَامِ الْغِذَاءِ فَيَحْدُثُ الْبَرَصُ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَشِدَّةُ امْتِزَاجِهِ تَمْنَعُ الشَّمْسَ مِنْ تَصْعِيدِ شَيْءٍ مِنْهُ. اهـ. عَمِيرَةُ عَنْ ابْنِ نَفِيسٍ مِنْ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ: وَمِثْلُ الذَّهَبِ الْفِضَّةُ. (قَوْلُهُ: الشَّدِيدِ) الْمُرَادُ بِالشِّدَّةِ مَا فِي الْهَامِشِ الْمُقَابِلِ لَا الْإِفْرَاطُ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِ الْقُطْرِ حَارًّا قَالَ ابْنُ نَفِيسٍ: اشْتِرَاطُ شِدَّةِ قُوَّةِ الشَّمْسِ وَجْهٌ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الطِّبُّ أَيْ: لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ شَدِيدَةً تَقْوَى عَلَى تَحْلِيلِ الْمُتَصَعِّدِ فَلَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ. اهـ. إيعَابٌ مَعَ زِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: مُنْطَبِعٍ) أَيْ: شَأْنُهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِعْ بِالْفِعْلِ. اهـ. حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ: مَعَ حَرَارَتِهِ فَإِنْ زَالَتْ فَلَا كَرَاهَةَ م ر. (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا) فَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ رَاجِعَةً لِلْعَبْدِ كَحُرْمَةِ الْإِلْقَاءِ بِالْأَيْدِي إلَى التَّهْلُكَةِ وَقِيلَ: إرْشَادِيَّةٌ فَلَا ثَوَابَ عَلَى الِامْتِثَالِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ حِينَئِذٍ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ طَلَبَ الْكَفِّ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِرْشَادُ إلَى الْكَفِّ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ طَلَبُ الْكَفِّ ثَابِتًا فَلَا ثَوَابَ عَلَى التَّرْكِ كَالنَّهْيِ فِي قَوْلِهِ {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١] وَالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأَشْهِدُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَالتَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ عَنْ ذَلِكَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْمُسَامَحَةِ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ: حُمَيْرَاءُ) بِالْمَدِّ