عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ دَانَاهُمْ وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَابِلُهَا، وَكَعْبَةً لِارْتِفَاعِهَا وَقِيلَ لِاسْتِدَارَتِهَا وَارْتِفَاعِهَا
(مُشْتَرَطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ فَرْضٍ وَمِنْ نَافِلَةٍ) عَلَى الْقَادِرِ دُونَ الْعَاجِزِ كَمَرْبُوطٍ وَمَرِيضٍ يَجِدُ مَنْ يُوَجِّهُهُ (إذَا أَمِنْ) نَفْسًا وَغَيْرَهَا (تَوَجُّهُ الْكَعْبَةِ أَوْ) تَوَجُّهُ (عَرْصَتِهَا) إنْ انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَهَذَا (لِخَارِجٍ عَنْ جَوْفِهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ أَوْ عَرْصَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّوَجُّهُ بِكُلِّ بَدَنِهِ إنْ بَعُدَتْ عَنْهُ (وَ) تَوَجُّهُ (سَمْتِهَا) أَيْ طَرِيقِهَا وَالْمُرَادُ الْكَعْبَةُ أَوْ عَرْصَتُهَا (بِكُلِّهِ) أَيْ كُلِّ بَدَنِهِ (إنْ قَرُبَتْ) مِنْهُ، وَهَذَا لِلْخَارِجِ عَنْهَا أَيْضًا كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ إنْ قَرُبَتْ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ هَذَا قَوْلَهُ لِخَارِجٍ عَنْ جَوْفِهَا كَانَ أَحْسَنَ، وَإِنَّمَا ذِكْرُ سَمْتِهَا الْمُرَادُ بِهِ مَا قُلْنَا لِيُقَيَّدَهُ بِمَا بَعْدَهُ وَاكْتَفَى بِتَوَجُّهِ الْعَرْصَةِ لِحُصُولِ الِاسْتِقْبَالِ بِهِ فَالْمُصَلِّي إلَيْهَا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ مُشْتَرَطٌ إلَخْ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّي إلَى الْقِبْلَةِ قَاعِدًا وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَائِمًا وَجَبَ أَنْ يُصَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ مَعَ الْقُعُودِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِبْلَةِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْقِيَامِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِيَامِ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ فَرْضِ الِاسْتِقْبَالِ اهـ كَلَامُ النَّاشِرِيِّ وَعَلَى مَا قَالَهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لِلرُّكُوعِ مِنْ قِيَامٍ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ؟ لَا يَبْعُدُ نَعَمْ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ: فَرْضَ الْقِبْلَةِ إلَخْ قَضِيَّةُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا صَلَّى قَائِمًا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لِعَدَمِ حِفْظِهِ لَهَا وَعَدَمِ وُجُودِ مَا يَقْرَؤُهَا نَظَرَا فِيهِ وَعَدَمِ وُجُودِ مَنْ يُلَقِّنُهَا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا أَتَى بِهَا بِقِرَاءَتِهَا نَظَرَ فِي أَصْلِ جِدَارٍ كُتِبَتْ عَلَيْهِ لَا يُشَاهِدُ كِتَابَتَهَا عَلَيْهِ إلَّا الْجَالِسُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْفَاتِحَةِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ وَلَيْسَ بَعِيدًا، وَلَوْ كَانَ لَوْ صَلَّى قَائِمًا عَجَزَ عَنْ الْفَاتِحَةِ دُونَ بَدَلِهَا كَقُرْآنٍ وَذِكْرٍ لِكِتَابَةِ بَدَلِهَا دُونَهَا فِيمَا لَا يُشَاهِدُهُ إلَّا الْقَائِمُ وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا قَدَرَ عَلَيْهَا لِكِتَابَتِهَا فِيمَا لَا يُشَاهِدُهُ إلَّا الْقَاعِدُ فَهَلْ يُصَلِّي جَالِسًا مُحَافَظَةً عَلَيْهَا مَا أَمْكَنَ أَوْ قَائِمًا مُحَافَظَةً عَلَى الْقِيَامِ وَاكْتَفَى بِبَدَلِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بَعِيدًا وَانْظُرْ إذَا كَانَ لَوْ صَلَّى قَائِمًا قَدَرَ عَلَى الذِّكْرِ أَوْ قَاعِدًا فَعَلَى الْقُرْآنِ (تَنْبِيهٌ) إذَا قُلْنَا بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّاشِرِيِّ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ جَالِسًا أَنْ يَقُومَ لِيَرْكَعَ مِنْ قِيَامٍ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ عَنْ الْقِيَامِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَادِرِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ؟ الْمُتَّجَهُ الْوُجُوبُ (قَوْلُهُ دُونَ الْعَاجِزِ) صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَمِمَّا يُقْطَعُ بِهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا مَا أَمْكَنَ اتِّصَافُهَا بِالصِّحَّةِ بِدُونِهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَاسْتَدَلَّ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ اشْتِرَاطُهَا بِهِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّتْ بِدُونِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ (قَوْلُهُ كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ إنْ إلَخْ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّقْيِيدُ بِالْقُرْبِ مِنْهَا لِمَنْ هُوَ فِيهَا (قَوْلُهُ: لِيُقَيِّدَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: التَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذِكْرِ مَا ذَكَرَ إذْ لَوْ قَالَ وَبِكُلِّ بَدَنِهِ إلَخْ أَفَادَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَالْمُصَلِّي إلَيْهَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَالْمُصَلِّي عَلَى إلَخْ
(قَوْلُهُ وَالِاسْتِقْبَالُ) أَيْ
[حاشية الشربيني]
الْقَافِ وَفَتْحُ الْبَاءِ كَمَا فِي آيَةِ {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ} [البقرة: ١٧٧] اهـ مَرْصَفِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ دَانَاهُمْ) أَيْ قَرُبَ مِنْهُمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِحَيْثُ يُعَدُّ عَلَى سَمْتِهِمْ ع ش (قَوْلُهُ لِارْتِفَاعِهَا وَقِيلَ) عِبَارَةُ حَجَرٍ سُمِّي الْبَيْتُ كَعْبَةً أَخْذًا مِنْ كَعَّبْته رَبَّعْته وَالْكَعْبَةُ كُلُّ بَيْتٍ مُرَبَّعٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ جَعْلِ سَبَبِ التَّسْمِيَةِ اسْتِدَارَتَهَا، إلَّا أَنْ يُرِيدَ قَائِلُهُ بِالِاسْتِدَارَةِ التَّرْبِيعَ مَجَازًا اهـ. بخ وَكَتَبَ شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حَاشِيَةِ الشَّرْقَاوِيِّ: قَوْلُهُ أَوْ لِاسْتِدَارَتِهَا الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهَا مُرَبَّعَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيلٌ لِتَسْمِيَةِ الْكَعْبِ كَعْبًا، فَعِلَّةُ التَّسْمِيَةِ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ مُتَعَدِّدَةُ الِارْتِفَاعِ وَالتَّرْبِيعِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي الْكَعْبَةِ، وَالِاسْتِدَارَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَعْبِ الْمَشْهُورِ أَفَادَهُ حَجَرٌ بِزِيَادَةٍ
(قَوْلُهُ عَلَى الْقَادِرِ) فَالِاسْتِقْبَالُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَادِرِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْعَاجِزِ شَرْطٌ لِإِجْزَائِهَا فَتَصِحُّ بِدُونِهِ لَكِنْ يَجِبُ الْقَضَاءُ كَمَا سَيَأْتِي اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ أَوْ عَرْصَتَهَا لِخَارِجٍ) فَمَنْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ أَوْ عَلَى جَبَلٍ أَجْزَأَهُ التَّوَجُّهُ بِغَيْرِ شَاخِصٍ إلَى عَرْصَتِهَا، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ بَعْضُ صَدْرِهِ عَنْهَا لَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً اهـ. سم عَنْ الرَّوْضِ وَالْعُبَابِ، وَلَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ الْآخَرُ فَالظَّاهِرُ إجْزَاءُ اسْتِقْبَالِ الْمُنْهَدِمِ كَمَا لَوْ ارْتَفَعَ عَلَى نَحْوِ أَبِي قُبَيْسٍ وَاسْتَقْبَلَ هَوَاءَهَا مَعَ إمْكَانِ الِانْخِفَاضِ بِحَيْثُ يَسْتَقْبِلُ نَفْسَهَا. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ بَدَنِهِ) أَيْ عَرْضِ مُقَدَّمِ بَدَنِهِ، فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُ يَدِهِ عَنْهَا خِلَافًا لِلْقُونَوِيِّ حَيْثُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلِّ بَدَنِهِ اهـ شَيْخُنَا ذَهَبِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ بَدَنِهِ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْبَدَنِ مَعَ أَنَّ خُرُوجَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي حَقِّ الْقَادِرِ لَا يَضُرُّ إلَّا كَمَا فِي الْبُجَيْرِمِيِّ
(قَوْلُهُ لِحُصُولِ الِاسْتِقْبَالِ بِهِ) ؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْبَيْتِ لِلْخَارِجِ مِنْهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ بِدَلِيلِ الْمُصَلِّي عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ اهـ زي (قَوْلُهُ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْبُعْدِ إلَخْ) عِبَارَةُ عب وَالشَّرْحِ لِحَجَرٍ أَيْ عِنْدَ الْبُعْدِ بِشَرْطِ إصَابَةِ الْجِهَةِ أَمَّا مَنْ بِالْمَسْجِدِ فَشَرْطُهُ الْعَيْنُ قَطْعًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِهَا نَفْسَ الْجِدَارِ، بَلْ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ، وَهُوَ الْمُسَامَتَةُ الْعُرْفِيَّةُ لِلْعَيْنِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالْمَعْنَى بِالْجِهَةِ النَّاحِيَةُ الَّتِي فِيهَا الْكَعْبَةُ مِنْ جِهَةِ مَشْرِقٍ أَوْ مَغْرِبٍ أَوْ شَمَالٍ أَوْ يَمِينٍ، لَا جُمْلَةُ تِلْكَ الْجِهَةِ بَلْ إنْ عَلِمَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute