الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَقَطَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى قَاعِدًا» وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ لِلْعُذْرِ. وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ أَيْضًا «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» فَوَارِدٌ فِيمَنْ صَلَّى النَّفَلَ كَذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ وَهَذَا فِي حَقِّنَا أَمَّا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَثَوَابُ نَفْلِهِ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ كَثَوَابِهِ قَائِمًا وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا وَلَوْ خَافَ الْغُزَاةُ أَوْ حَارِسُهُمْ رُؤْيَةَ الْعَدُوِّ وَلَوْ قَامُوا صَلَّوْا قُعُودًا وَأَعَادُوا لِنُدْرَةِ الْعُذْرِ وَلَوْ فَعَلُوهُ لِخَوْفِ قَصْدِ الْعَدُوِّ فَالْأَصَحُّ فِي التَّحْقِيقِ لَا إعَادَةَ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي لَكِنْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ لُزُومَ الْإِعَادَةِ فِي هَذِهِ أَيْضًا لِنُدْرَةِ ذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ انْتَهَى.
وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعُذْرَ فِي الثَّانِيَةِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي الْأُولَى. (وَلْيَرْكَعْ) أَيْ: الْقَاعِدُ بِحَيْثُ. (حَاذَى) أَيْ: قَابَلَ. (بِجَبْهَةٍ وَرَاءَ رُكْبَةٍ) لَهُ هَذَا أَقَلُّ الرُّكُوعِ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَهُمَا عَلَى وِزَانِ رُكُوعِ الْقَائِمِ فِي الْمُحَاذَاةِ. وَأَمَّا سُجُودُهُ فَكَسُجُودِ الْقَائِمِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا فَعَلَ الْمُمْكِنَ أَوْ عَنْ السُّجُودِ فَقَطْ أَتَى بِالرُّكُوعِ مَرَّةً لِرُكُوعِهِ وَمَرَّةً لِسُجُودِهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ أَكْمَلِ الرُّكُوعِ جَعَلَ الزِّيَادَةَ لِلسُّجُودِ لِيَتَمَيَّزَ الرُّكْنَانِ وَلَوْ أَمْكَنَهُ النُّهُوضُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ دُونَ قَدَمَيْهِ فَوَجْهَانِ فِي الْمَجْمُوعِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ لُزُومُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَامِ وَيُؤَيِّدُهُ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِي الْهُوِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى السَّاقِ لَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ
(وَمَنْ يَخِفُّ) مِنْ عَجْزِهِ. (فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ مَا اطْمَأَنْ) أَيْ: قَبْلَ اطْمِئْنَانِهِ فِيهِ. (يَرْفَعْ) نَفْسَهُ.
(لِحَدِّ رَاكِعٍ) وَيَطْمَئِنُّ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رُكُوعِ الْقَادِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَفَّ بَعْدَ مَا اطْمَأَنَّ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية العبادي]
الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ لَوْ قَدَرَ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ عَلَى الْقِيَامِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ قَدَرَ عَلَى النُّهُوضِ بِمُعِينٍ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ وَجَدَهَا فَاضِلَةً عَنْ مُؤْنَةِ مُمَوَّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ. وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ أَوْ قَدَرَ عَلَى النُّهُوضِ بِمُعِينٍ مَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ بِعَدَمِ النُّهُوضِ إلَّا بِمُعِينٍ فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَهُ الْغَزِّيِّ وَيَتَحَصَّلُ مِنْهُ مَعَ قَوْلِ الرَّوْضِ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ أَنَّ مَنْ قَدَرَ بَعْدَ النُّهُوضِ عَلَى الْقِيَامِ مُعْتَمِدًا عَلَى نَحْوِ جِدَارٍ أَوْ عَصًا لَزِمَهُ أَوْ الْمُعِينِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِخَوْفِ قَصْدِ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّهُمْ فِي الْأُولَى فَعَلُوهُ لِغَيْرِ خَوْفِ قَصْدِهِ كَفَسَادِ التَّدْبِيرِ (قَوْلُهُ: وَهُمَا عَلَى وِزَانِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَذَا قِيلَ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى وِزَانِهِ وَإِنْ كُنْتُ مَشَيْتُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ مِنْ قِيَامٍ لَا يُحَاذِي مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَإِنَّمَا يُحَاذِي مَا دُونَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْجُدُ فَوْقَ مَا يُحَاذِيهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ بِمُحَاذَاتِهِ ذَلِكَ مُحَاذَاتُهُ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّظَرِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْ: فَقَطْ فَعَلَ الْمُمْكِنَ اهـ قَالَ فِي شَرْحِهِ فَيَقُومُ وَيَأْتِي بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَيَحْنِي صُلْبَهُ طَاقَتَهُ ثُمَّ رَقَبَتَهُ وَلَوْ بِاعْتِمَادٍ أَوْ مَيْلٍ اهـ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْإِيمَاءُ إلَى السُّجُودِ مِنْ قُعُودِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السُّجُودِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مَرَّةً لِرُكُوعِهِ وَمَرَّةً لِسُجُودِهِ) كَذَا فِي الرَّوْضِ هُنَا ثُمَّ قَالَ فِي بَحْثِ الِاعْتِدَالِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا نَصُّهُ وَلَوْ عَجَزَ الرَّاكِعُ عَنْ الِاعْتِدَالِ سَجَدَ مِنْ رُكُوعِهِ. قَالَ فِي شَرْحِهِ وَسَقَطَ الِاعْتِدَالُ لِتَعَذُّرِهِ اهـ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ قَادِرٌ عَلَى الِاعْتِدَالِ كَالرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ فَيَرْكَعُ عَنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَرْكَعُ عَنْ السُّجُودِ وَفِي الثَّانِي قَادِرٌ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ الِاعْتِدَالِ فَيَأْتِي بِهِمَا وَيَسْقُطُ الِاعْتِدَالُ وَظَاهِرُ سُقُوطِ الِاعْتِدَالِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمُكْثُ بَعْدَ الرُّكُوعِ بِقَدْرِ الِاعْتِدَالِ بِنِيَّةٍ لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَمَرَّةً لِسُجُودِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ هُنَا جَعْلُ أَقَلِّ الرُّكُوعِ لَهُ وَأَكْمَلَهُ لِلسُّجُودِ ثُمَّ رَأَيْتُ شَيْخَنَا حَكَاهُ عَنْ شَرْحِ الْجَوْجَرِيِّ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّا لَوْ كَلَّفْنَاهُ ذَلِكَ فَوَّتْنَا عَلَيْهِ سُنَّةَ الْأَكْمَلِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ الرَّوْضُ وَلَمْ يَرُدَّهُ فِي شَرْحِهِ
(قَوْلُهُ: لِحَدِّ رَاكِعٍ) أَيْ: وَلَا يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِزِيَادَةِ الرُّكُوعِ بِرّ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَا اطْمَأَنَّ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ
[حاشية الشربيني]
إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالِاضْطِجَاعِ فَقَطْ قَامَ بَدَلَ الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إمْكَانَهُ وَتَشَهَّدَ قَائِمًا وَلَا يَضْطَجِعُ اهـ. فَذِكْرُ هَذَا هُنَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالرَّوْضِ اسْتِطْرَادٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: لِأَنَّهُ مَأْمُونُ الْكَسَلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَافَ الْقِرَاءَةَ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَعْمِيمُ الْعَجْزِ سَابِقًا لِتَنَاوُلِ هَذَا وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ شَيْءٌ آخَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: رُؤْيَةَ الْعَدُوِّ) أَيْ: فَيَفْسُدُ تَدْبِيرُهُمْ م ر. (قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ إلَخْ) يُسْتَفَادُ مِنْ م ر اعْتِمَادُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَعْظَمُ) أَيْ: أَشَدُّ ضَرَرًا اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَ الْمُمْكِنَ) فَيَحْنِي إمْكَانَهُ صُلْبَهُ ثُمَّ رَقَبَتَهُ ثُمَّ رَأْسَهُ ثُمَّ طَرْفَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْ الِانْحِنَاءِ أَصْلًا أَوْمَأَ بِهِمَا بِرَأْسِهِ مِنْ قِيَامٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقُعُودُ لِلْإِيمَاءِ بِالسُّجُودِ كَمَا يَأْتِي ثُمَّ بِطَرْفِهِ إمْكَانَهُ اهـ. قَالَ سم وَلَكِنْ يَنْبَغِي الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ اهـ. خَالَفَ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الشَّارِحِ قَوْلَ الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقُعُودُ اهـ. (قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِلِاعْتِدَالِ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ إلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ قَاعِدٌ ثُمَّ يَقُومُ مُنْتَصِبًا لِلِاعْتِدَالِ قَائِمًا وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إذَا قَدَرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute