وَإِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ تَطَهَّرَ قَبْلَ شَكِّهِ، وَحَمَلَ كَلَامَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ نَقَلَ هُوَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَازَ دُخُولِ الصَّلَاةِ بِطُهْرٍ مَشْكُوكٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَطَهَّرَ قَبْلَ شَكِّهِ وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِدُ.
(تَنْبِيهٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالسَّلَامِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَهُ الشَّكُّ سَلَامٌ لَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ، ثُمَّ عَادَ، وَشَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُهُمْ (وَ) الرُّكْنُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ السَّلَامِ (يَأْتِي بِهِ) أَخْذًا بِالْيَقِينِ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا يَشُكُّ كَاَلَّذِي مَا صَدَرَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ السُّجُودَ، وَحُكْمَ زَوَالِ الشَّكِّ حَيْثُ قَالَ: (ثُمَّ سَجَدْ) لِلسَّهْوِ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ وَلِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ إنْ كَانَ زَائِدًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالتَّرَدُّدُ فِي أَصَالَتِهِ يُضْعِفُ النِّيَّةَ، وَيُحْوِجُ إلَى الْجَبْرِ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِمَامُ بِمَا لَوْ شَكَّ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَأَعَادَهَا وَأُجِيبُ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهَا لَمْ تُرَدَّدْ فِي بَاطِلٍ بِخِلَافِ هَذَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُ النَّاظِمِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي السَّلَامِ أَتَى بِهِ، وَلَا يَسْجُدُ لِفَوْتِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الثَّانِيَةَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى، ثُمَّ شَكَّ، أَوْ تَيَقَّنَ تَرْكَهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ الثِّنْتَيْنِ لِبَقَاءِ مَحَلِّ السُّجُودِ، وَلَا يَقُومُ سَلَامُهُ الْأَوَّلُ مَقَامَ فَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى اعْتِقَادِ النَّفْلِ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ أَئِمَّتُنَا: وَلَا مَجَالَ لِلتَّحَرِّي فِيمَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعًا وَرَقَبُوهُ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَّحَ) اُنْظُرْ فِي أَيِّ مَكَان صَرَّحَ إنْ كَانَ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ كَلَامَهُمْ إلَخْ) كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ يَقِينِ الطُّهْرِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَيَدْخُلُ الصَّلَاةَ بِهِ ابْتِدَاءً فَكَيْفَ يُجْعَلُ هَذَا مُرَادُهُمْ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُرُلُّسِيِّ، وَلَمْ يَظْهَرْ مُخَالَفَةُ هَذَا الْحَمْلِ لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ: عَلَى مَا إذَا تَذَكَّرَ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَتَهُ) حَاصِلُهُ أَنَّ صُورَتَهُ مَا إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عُرُوضَ الْحَدَثِ بَعْدَهَا.
(قَوْلُهُ: وَشَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ) أَيْ: أَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَطَالَ زَمَنُ الشَّكِّ بَطَلَتْ. (قَوْلُهُ: فَأَعَادَهَا) أَيْ: فَقَدْ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي أَصَالَةِ هَذِهِ الْإِعَادَةِ وَلَمْ يُطْلَبْ سُجُودُ السَّهْوِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) هُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ بِرّ. (قَوْلُهُ: مُعْتَقِدًا إلَخْ) يَخْرُجُ مَا لَوْ أَطْلَقَ، أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَانَ وَجْهُهُ مَا سَلَفَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْوَرْدِيِّ وَنَابَ مِثْلَ أَنْ صَدَرَ وَلَوْ أُتِيَ بِهِ بِقَصْدِ النَّفْلِ. اهـ. قُلْت: جَوَابُ هَذَا النَّظَرِ حِينَئِذٍ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْوَرْدِيِّ كَغَيْرِهِ فِي مِثْلِ هُوَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ خَارِجَةٌ عَنْهَا مِنْ تَوَابِعِهَا فَلَمْ تَقُمْ مَقَامَ مَا هُوَ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ إلَخْ) هَذَا الدَّلِيلُ يُفِيدُك أَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا أَخْبَرَهُ بِالتَّمَامِ فَلَوْ كَانَ الْإِخْبَارُ بِالنَّقْصِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ يُورِثْهُ شَكًّا فِيمَا عِنْدَهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ
[حاشية الشربيني]
الصَّلَاةِ، وَشَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا فَيَضُرُّ الشَّكُّ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ اسْتَنَدَ إلَى تَيَقُّنِ الْحَدَثِ، وَإِنْ أَتَى فِيهِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِصِحَّتِهَا ظَاهِرًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ: فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ: فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ أَيْ: بَيْنَ مَا قَالَهُ وَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ. (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي الطُّهْرِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَضُرُّ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ م ر وزي.
(قَوْلُهُ: وَحَمَلَ كَلَامَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ) كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا مَعَ تَقْيِيدِهِمْ عَدَمَ ضَرَرِ هَذَا الشَّكِّ بِبَعْدِ السَّلَامِ؟ وَلَوْ حَمَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ لَمْ يَضُرَّ حَتَّى قَبْلَ السَّلَامِ بَلْ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ. اهـ. بِرّ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ كَلَامَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ: أَنَّهُ تَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ لَا تَصْلُحُ مَوْضِعَ نِزَاعٍ، وَلَا حَاجَةٍ بَلْ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ فِيهَا بِأَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ السَّلَامِ. إذْ عَدَمُ تَأْثِيرِ الشَّكِّ فِيهَا هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَسْجُدُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ) هَذَا التَّعْلِيلُ أَوْلَى مِمَّا كَتَبْنَاهُ سَابِقًا عَنْ شَيْخِنَا مِنْ تَعْلِيلِهِ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الشَّكِّ مُحْتَمِلُ الزِّيَادَةِ لَكِنْ بَعْدَ فِعْلِ الْمَشْكُوكِ فِي تَرْكِهِ هُنَا وَهُوَ السَّلَامُ فَاتَ مَحَلُّ سُجُودِ السَّهْوِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ فِعْلِ الْمَتْرُوكِ إذْ لَا يَحْتَمِلُ حِينَئِذٍ الزِّيَادَةَ حَتَّى يَسْجُدَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَسْجُدُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ) أَيْ: لَا يَسْجُدُ لِلشَّكِّ فِي السَّلَامِ وَاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ زَائِدًا احْتِمَالًا إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute