لِلظَّانِّ أَنَّهُ إمَامٌ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَالْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ بِنَاءً عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ.
أَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي الشَّكِّ فِي النِّيَّةِ (وَبِالْأُمِّيِّ مَنْ لَا أَحْسَنَا الْحَمْدُ أَوْ بَعْضًا، وَلَوْ حَرْفًا) أَيْ: أَوْ يَقْتَدِي بِالْأُمِّيِّ وَهُوَ (هُنَا) مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ
ــ
[حاشية العبادي]
أَوْ مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِشَكِّهِ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ، أَوْ مَتْبُوعٌ. اهـ.
وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يُفَارِقُ الشَّكَّ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَرِدِ فَإِنْ تَابَعَ مُتَابَعَةً مُضِرَّةً ضَرَّ، وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ وُجُودَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُمَا، وَلَا بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ هُنَا كَاحْتِمَالِ الِانْفِرَادِ ثَمَّ بِجَامِعِ الِاسْتِقْلَالِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ هُنَا لَكِنْ لَا يُتَابِعُ الْمُتَابَعَةَ الْمُؤَثِّرَةَ وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُ الْبُطْلَانِ هُنَا بِمَا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَابَعَ بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَابَعَةَ لِذَلِكَ مُبْطِلَةٌ وَلَوْ مَعَ السَّهْوِ وَالْجَهْلِ أَمَّا إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِي وَاحِدًا مِنْهُمَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ لَا يُتَابِعُ بَعْدَ الشَّكِّ مَعَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ وَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ لِاسْتِوَاءِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلْيَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ طُولِ الْفَصْلِ، أَوْ مُضِيِّ رُكْنٍ مَعَ الشَّكِّ) وَبَيْنَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْآخَرُ أَنَّهُ إمَامٌ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مَأْمُومٌ وَبَقِيَ مَا لَوْ ظَنَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إمَامٌ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَأْمُومٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الصِّحَّةُ فِي ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ اقْتِدَاءِ كُلٍّ بِمَنْ يَقْصِدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. ا. هـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ: إنْ لَمْ يَنْقَلِبْ شَكُّهُ ظَنًّا قَبْلَ مُضِيِّ رُكْنٍ، أَوْ طُولِ الزَّمَنِ. اهـ ش ق.
(قَوْلُهُ: وَبِالْأُمِّيِّ إلَخْ) حَاصِلُ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَحَوَاشِيهِ أَنَّ الْأُمِّيَّ وَاللَّاحِنَ بِمَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فِي الْفَاتِحَةِ إنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِهِ عَلِمَ أَوْ لَا، أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ أَوْ لَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ فِي الْأَثْنَاءِ كَذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الْمَأْمُومُ، أَوْ بَعْدَهَا اسْتَأْنَفَ أَيْضًا، وَتَصِحُّ صَلَاةُ ذَلِكَ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ، وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مِثْلِهِ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا الْقُدْوَةُ بِهِ وَلَوْ لِمِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ اللَّاحِنُ الْمُغَيِّرُ يُحْسِنُهَا صَحَّتْ الْقُدْوَةُ بِهِ، وَوَجَبَ عَلَى الْمَأْمُومِ عِنْدَ رُكُوعِهِ بِلَا إعَادَةِ مَا لَحَنَ فِيهِ عَلَى الصَّوَابِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ هَذَا إنْ تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَهَا فَقَدْ تَمَّتْ صَحِيحَةً فَإِنْ فُرِضَ وَعَلِمَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ امْتَنَعَتْ الْقُدْوَةُ بِهِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا إنْ تَعَمَّدَ، أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَتَذَكَّرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَرَكَعَ وَلَمْ يُعِدْهَا عَلَى الصَّوَابِ هَذَا حُكْمُ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى، فَإِنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ مُطْلَقًا هَذَا حُكْمُ اللَّحْنِ فِي الْفَاتِحَةِ.
أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ اللَّاحِنِ الْمُغَيِّرِ إلَّا إنْ تَعَمَّدَ، وَكَانَ عَالِمًا، أَوْ قَادِرًا عَلَى التَّعَلُّمِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَحَنَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَمْتَنِعُ الْقُدْوَةُ بِهِ حَيْثُ عَلِمَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَا إعَادَةَ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا صَحَّتْ الْقُدْوَةُ خَلْفَهُ تَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَمْعٌ نَفِيسٌ قَرَّرَهُ الْأُسْتَاذُ الْقُوَيْسِنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَقَلَهُ عَنْهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ الْفُضَلَاءُ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى مَنْ جَمَعَهُ وَكَتَبَهُ وَفَهِمَهُ وَلَطَفَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَتَذَكَّرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ إلَخْ فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتَدَارَكْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ: أَمَّا فِي غَيْرِهَا إلَخْ شَامِلٌ لِلتَّشَهُّدِ، وَلَا شَيْءَ حِينَئِذٍ فِي الِاقْتِدَاءِ لِمَنْ يُحْسِنْهُ بِمَنْ لَا يُحْسِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ، وَلَا يَحْتَاطُ لَهُ احْتِيَاطَ التَّحَرُّمِ وَالتَّحَلُّلِ بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ تَرْتِيبِهِ سم، وَفِي الْإِمْدَادِ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ وَالنِّهَايَةِ ل م ر بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ صِحَّةَ اقْتِدَاءِ مَنْ يُحْسِنُ نَحْوَ التَّكْبِيرِ، أَوْ التَّشَهُّدِ، أَوْ السَّلَامِ بِالْعَرَبِيَّةِ بِمَنْ لَا يُحْسِنُهَا بِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ لَا مَدْخَلَ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ فِيهَا فَلَمْ يَنْظُرْ لِعَجْزِهِ عَنْهَا، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِنْ دَخَلَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ سَلَامِهِ أَيْ: الْمَأْمُومِ فَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سَلَامِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَلَا إعَادَةَ أَيْضًا، وَإِنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَظَرَهُ لَعَلَّهُ يُعِيدُهُ عَلَى الصَّوَابِ فَإِذَا سَلَّمَ وَلَمْ يُعِدْهُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ أَيْضًا، وَحُكْمُ السَّلَامِ كَالتَّشَهُّدِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ الْإِخْلَالُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا دَخْلَ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ فِيهَا. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ مَثَّلَ لِلَّحْنِ الْغَيْرِ الْمُغَيِّرِ بِفَتْحِ بَاءِ نَعْبُدُ وَأَطْلَقَ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَسَرَ مَعَ ذَلِكَ نُونَهُ كَمَا قَيَّدَ بِهِ م ر وَحَجَرٌ وَإِلَّا نَعْبَدُ يَعْبَدُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْبَاءِ فِي الْمُضَارِعِ، وَمِثْلُهُ فَتْحُ النُّونِ وَالْبَاءِ يَأْتِي بِمَعْنَى غَضِبَ وَنَدِمَ وَأَنْكَرَ وَلَامَ نَفْسَهُ، وَجَرَّبَ، وَحَرَصَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. ا. هـ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ اغْتِفَارِ اللَّحْنِ الْمُغَيِّرِ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْعَجْزِ، أَوْ الْجَهْلِ، أَوْ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ بَلْ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ حَتَّى إذَا سَهَا بِهِ وَكَانَ يَسِيرًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَلَا يَضُرُّ مَعَ الْعَجْزِ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا إذَا تَفَطَّنَ لِلصَّوَابِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ وم ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاسْتَقَرَّ بِهِ سم وَمُقْتَضَاهُ اغْتِفَارُ الْكَثِيرِ فِي الْفَاتِحَةِ مَعَ الْعَجْزِ، وَلَا يَجِبُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ بَلْ لَا يَصِحُّ فَلْيُرَاجَعْ.
وَقَوْلُهُ: أَمَّا فِي غَيْرِهَا إلَخْ قَالَ الشَّرْقَاوِيُّ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ السُّورَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَاتِحَةِ حَيْثُ قَيَّدَ فِيهَا بِالْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ اللَّحْنُ حِينَئِذٍ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ وَشَرْطُهُ إبْطَالُ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ فِيهِ فِي الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ وَهُوَ لَا يَسْقُطُ بِنَحْوِ نِسْيَانٍ، أَوْ جَهْلٍ. ا. هـ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ اللَّحْنُ قَلِيلًا عُرْفًا وَإِلَّا ضَرَّ مُطْلَقًا وَأَنَّ