وَتَبِعَ كَأَصْلِهِ فِي نَجَاسَةِ بَيْضِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ الرَّافِعِيَّ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ طَهَارَتَهُ كَمَنِيِّهِ وَيُفَارِقُ اللَّبَنَ بِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ أَصْلِهِ، وَاللَّبَنُ جُزْءٌ مِنْهُ كَالْيَدِ وَبِهَذَا فَرَّقَ أَئِمَّتُنَا بَيْنَ نَجَاسَةِ إنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ وَطَهَارَةِ بَيْضِهَا الْمُتَصَلِّبِ وَفِي حِلِّ أَكْلِهِ كَلَامٌ يَأْتِي فِي بَابِ الْأَيْمَانِ
(وَأَصْلُهُ) أَيْ: الْبَشَرِ مِنْ مَنِيِّهِ وَلَوْ دَمًا وَعَلَقَتِهِ وَمُضْغَتِهِ تَكْرِمَةً لَهُ وَلِأَنَّهَا مَبْدَأُ خَلْقِهِ كَالتُّرَابِ وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ عَائِشَةَ كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي فِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَهُوَ يُصَلِّي وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُهُ حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ نَجِسٌ كَالْبَوْلِ وَلِخُرُوجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ أَجَابَ عَنْهُ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّ الْمَنِيَّ أَصْلُ الْآدَمِيِّ فَهُوَ بِالطِّينِ أَشْبَهُ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَبِأَنَّ اتِّحَادَ مَخْرَجِهِمَا مَمْنُوعٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَقَدْ شُقَّ ذَكَرٌ بِالرُّومِ فَوُجِدَ مَخْرَجُهُمَا مُخْتَلِفًا فَلَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَلَوْ سَلِمَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَجَاسَتُهُ؛ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ لَا فِي الْبَاطِنِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَوْ سَلِمَ نَجَاسَتُهُ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ أَمَّا أَصْلُ غَيْرِ الْبَشَرِ فَنَجِسٌ
ــ
[حاشية العبادي]
وَفُرِّقَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَنِيَّ أَصْلُ الْحَيَوَانِ وَالْحَيَوَانُ طَاهِرٌ فَأَصْلُهُ أَوْلَى وَاللَّبَنُ غِذَاءٌ يَسْتَحِيلُ فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ نَظَرَ إلَى مُجَرَّدِ شَرَفِ الْمَخْرَجِ بِرّ. وَقَوْلُهُ: أَوْلَى. اُنْظُرْ الْأَوْلَوِيَّةَ مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ بِنَجَاسَةِ لَبَنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَائِلٌ بِطَهَارَةِ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ اللَّبَنَ) يُشْكِلُ الْفَرْقُ بِالْمَنِيِّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْبَيْضَ أَقْرَبُ إلَى الْحَيَوَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ اللَّبَنَ) يَرِدُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مَنِيُّ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ بِرّ. (قَوْلُهُ: إنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِنْفَحَةِ هُنَا الْجِلْدَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: تَكْرِمَةً لَهُ) اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى طَهَارَةِ الْمَنِيِّ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَإِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ» . (قَوْلُهُ: عَنْ عَائِشَةَ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ بَحْثَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْغَالِبَ اخْتِلَاطُ مَنِيِّهِ بِمَنِيِّ حَلَائِلِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَرْكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ نَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَأَنَّهُ قَصَدَ بِالْفَرْكِ تَخْفِيفَ صُورَتِهِ. (وَقَوْلُهُ: وَبِخُرُوجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ) مُجَرَّدُ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: مَخْرَجُهُمَا مُخْتَلِفَانِ) قَدْ يُقَالُ: لَكِنَّهُمَا يَلْتَقِيَانِ فِي رَأْسِ الذَّكَرِ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ) هَلْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الرَّوْضَةِ مِنْ نَجَاسَةِ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَةِ الرُّطُوبَةِ مَعَ أَنَّ الْمُلَاقَاةَ فِي الْبَاطِنِ. أَوْ يُجَابُ بِتَصْوِيرِ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا حَصَلَتْ مُلَاقَاةٌ بَعْدَ وُصُولِهِمَا إلَى حَدِّ الظَّاهِرِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قُلْنَا: رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ
[حاشية الشربيني]
كَمَنِيِّهِ) أَيْ: كَمَا صَحَّحَ طَهَارَةَ مَنِيِّهِ بِخِلَافِ الرَّافِعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا) أَيْ: الْبَيْضُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيٍّ فَيَكُونُ نَجِسًا كَمَيْتَتِهِ وَقَوْلُهُ: وَاللَّبَنُ جُزْءٌ أَيْ: فَيُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ وَفِي الْإِيعَابِ فَرَّقَ فِي التَّنْقِيحِ بَيْنَ مَنِيِّهِ وَلَبَنِهِ بِأَنَّ مَنِيَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَكَانَ طَاهِرًا بِخِلَافِ لَبَنِهِ فَإِنَّهُ غِذَاءٌ مُسْتَحِيلٌ فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ اهـ. أَيْ: وَلَيْسَ لَهُ مِنْ التَّكْرُمَةِ مَا لِلْآدَمِيِّ حَتَّى يُقَالَ: لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْحَاشِيَةِ وَارِدٌ عَلَى فَرْقِ الشَّرْحِ وَهُوَ لَمْ يُفَرَّقْ بِمَا فِي التَّنْقِيحِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَفِي حِلِّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ حِلُّ أَكْلِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ فِيهِ. اهـ. إيعَابٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي حِلِّ أَكْلِهِ) أَيْ: أَكْلِ بَيْضِ الْمَيْتَةِ الْمُتَصَلِّبِ فَبَعْدَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ فِي حِلِّ أَكْلِهِ كَلَامٌ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ فَحَرِّرْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ إلَخْ) أَتَى بِهَا لِاحْتِمَالِ مَا قَبْلَهَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ بَعْدَ طُهْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْفَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ) فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ يُسَنُّ غَسْلُهُ رَطْبًا وَفَرْكُهُ يَابِسًا لِحَدِيثٍ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَلَا نَظَرَ لِعَدَمِ إجْزَاءِ الْفَرْكِ عِنْدَ الْمُخَالِفِ لِمُعَارَضَتِهِ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: كَالْبَوْلِ) لِأَنَّهُ فَضْلَةٌ اسْتَحَالَتْ فِي الْبَاطِنِ مِثْلَ الْبَوْلِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ اسْتَحَالَ لِصَلَاحٍ. (قَوْلُهُ: فَلَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ) وَإِنَّمَا كَانَ شَكًّا؛ لِأَنَّ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ لَا يَدُلُّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute