تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: بِأَنَّ الصَّلَاةَ أُمُّ الْحَسَنَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَلَا دَخْلَ لِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ فِيهَا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: «فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ كَاتِبَ الْحَسَنَاتِ» وَفِي الطَّبَرَانِيِّ: «فَإِنَّهُ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَمَلَكُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرِينُهُ عَنْ يَسَارِهِ» ، فَالْبُصَاقُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْقَرِينِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَلَعَلَّ مَلَكَ الْيَسَارِ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْبُصَاقُ بِالصَّادِ وَالزَّايِ وَكَذَا بِالسِّينِ عَلَى قِلَّةٍ (وَ) يُكْرَهُ (رَفْعُهُ الطَّرْفَ) بِسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ الْبَصَرِ (إلَى السَّمَاءِ) ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ» وَهَذَا آخِرُ زِيَادَةِ النَّظْمِ
(وَ) يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقِفَ (وَحْدَهُ) ، بَلْ يَدْخُلَ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً تَسَعُهُ، وَلَوْ بِخَرْقِ صُفُوفٍ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ، فَذَكَر ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تُعِدْ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَصَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ «فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إلَيْهِ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ بِهَا، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» فَحَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ضَعَّفَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: فِي الْقَدِيمِ لَوْ ثَبَتَ قُلْت بِهِ، وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَامْرَأَةٍ وَلَا نِسَاءَ أَوْ خُنْثَى وَلَا خَنَاثَى، فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ يُنْدَبُ
(فَفُرْجَةٌ مَنْ عَدِمَا) أَيْ فَعَلَى مَا ذُكِرَ مَنْ عَدِمَ فُرْجَةً تَسَعُهُ (يَجُرُّ) فِي الْقِيَامِ (شَخْصًا) مِنْ الصَّفِّ لِيَصْطَفَّ مَعَهُ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (بَعْدَ أَنْ تَحَرَّمَا) بِالصَّلَاةِ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَجْرُورُ مُنْفَرِدًا، وَتُسَنُّ لَهُ مُسَاعَدَتُهُ فِي الْجَرِّ لِيَنَالَ فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد: «إنْ جَاءَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَخْتَلِجْ إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ» وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَجُرُّ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا، نَعَمْ إنْ كَانَ مَكَانُهُ يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُرَّهُمَا مَعًا
(وَ) أَنْ (يَلْحَقُوا بِالسُّرْعَةِ الْأَقْوَامُ) بِرَفْعِ الْأَقْوَامِ بِالْبَدَلِيَّةِ مِنْ ضَمِيرِ يَلْحَقُوا، أَوْ بِالْفَاعِلِيَّةِ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، أَيْ وَيُسَنُّ أَنْ يَلْحَقَ الْمَأْمُومُونَ الْإِمَامَ فِي أَفْعَالِهِ بِسُرْعَةٍ، فَلَا يُقَارِنُونَهُ وَلَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْهُ كَثِيرًا، بَلْ يَشْرَعُونَ فِي الرُّكْنِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَقَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ لِخَبَرِ: «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» وَلَوْ تَرَكَ النَّاظِمُ الْجَمْعَ كَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ
ــ
[حاشية العبادي]
مُسْتَقْبِلًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ بَعْضُ إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ ثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ فَلَا دَخْلَ إلَخْ) وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَقَعُ السَّيِّئَاتُ فِي الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهُ لَا سَيِّئَاتِ فِيهَا يَتَنَحَّى الْمِلْكُ قَلِيلًا مَعَ مُرَاقَبَةِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّي، فَإِذَا وَقَعَ مِنْهُ سَيِّئَةٌ كَتَبَهَا، وَلَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ الْبُصَاقِ لِتَنْحِيَةِ الْمَذْكُورِ
(قَوْلُهُ أَوْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ) قَدْ يُقَالُ: فِيهِ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَهُوَ جُمْلَةُ يَنْتَهِيَنَّ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْأَمْرِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى إنْشَاءٍ لَهُ مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَابِ. (قَوْلُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: بِنَدْبِ الْإِعَادَةِ (قَوْلُهُ شَخْصًا) أَيْ حُرًّا لَا رَقِيقًا لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ، وَلَوْ أَمْكَنَ تَأْخِيرُهُ إلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ كَأَنْ كَانَ يَمَسُّ ظَهْرَهُ بِدُونِ قَبْضٍ فَيَتَأَخَّرُ، اُتُّجِهَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ م ر
(قَوْلُهُ تَحَرَّمَا) لَا قَبْلَ التَّحَرُّمِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنْ نُوزِعَ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَحْرِيمُ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ وَإِزَالَةِ خُلُوفِ الصَّائِمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ تَفْوِيتَ فَضِيلَةٍ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِالْفَرْقِ، بِأَنَّ الْجَرَّ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ تَحَرَّمَا) وَلَا يَحْرُمُ قَبْلَ التَّحَرُّمِ م ر
(قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) هَلْ
ــ
[حاشية الشربيني]
التَّكْبِيرَ إنْ كَانَ يُخِلُّ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ الْمَأْمُومُ أَوْ جَهِلَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ عِلْمُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِنْ أَخَلَّ بِهِ مَعَ الْعَجْزِ فَلَا يَضُرُّ، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِنْ دَخَلَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ سَلَامِهِ أَيْ الْمَأْمُومِ فَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سَلَامِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ، وَلَا إعَادَةَ أَيْضًا، وَإِنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَظَرَهُ لَعَلَّهُ يُعِيدُهُ عَلَى الصَّوَابِ، وَإِنْ سَلَّمَ وَلَمْ يُعِدْهُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ أَيْضًا، وَحُكْمُ السَّلَامِ كَالتَّشَهُّدِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ الْإِخْلَالُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ، وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ فِيهَا اهـ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْإِخْلَالَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْنَ الْمُغَيِّرَ تَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالصَّلَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً) الْأَوْلَى إنْ وَجَدَ سَعَةً بِأَنْ كَانَ لَوْ دَخَلَ فِيهِ وَسِعَهُ، وَإِنْ عُدِمَتْ الْفُرْجَةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: كُرِهَ أَنْ يَقِفَ مُنْفَرِدًا، بَلْ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَوْ سَعَةً دَخَلَهَا اهـ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضِ عَلَى السَّعَةِ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ خَلَاءٌ، بَلْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلَ بَيْنَهُمْ وَسِعَهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ تَحَرَّمَا) أَوْ رُدَّ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّمَ وَحْدَهُ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ: بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ الصَّفِّ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْفُرْجَةِ
(قَوْلُهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ) أَيْ وُصُولِهِ لِمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ حَتَّى يَصِلَ