للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَيُلْحَقُ بِالْإِغْمَاءِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْجُنُونِ

(وَمَا شَرَطْنَا) مِنْ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ (فَمَعَهْ) شَرْطٌ سَادِسٌ وَهُوَ (تَقْدِيمُ خُطْبَتَيْنِ أَيْ مِنْ قَبْلِ مَا صَلَّى) الْجُمُعَةَ لِلِاتِّبَاعِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِيدِ، فَإِنَّ الْخُطْبَتَيْنِ فِيهِ مُؤَخَّرَتَانِ لِلِاتِّبَاعِ؛ وَلِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى جَمَاعَةً، فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ

(وَلَا يَجُوزُ) لِلْخَطِيبِ بِمَعْنًى لَا يَحِلُّ لَهُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ (أَنْ يُتَرْجِمَا) شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ، بَلْ يَأْتِي بِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا السَّامِعُونَ لِمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ خَطَبَ بِلُغَتِهِ وَعَلَى الْجَمِيعِ تَعَلُّمُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ قَصَّرُوا عَصَوْا، وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ، بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ سُؤَالِ مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَصِحُّ (بِلَفْظَةِ) أَيْ: مَعَ لَفْظَةِ (الْحَمْدِ) ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِيغَتُهُ كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ مُصَرَّفَا) أَيْ مُشْتَقًّا كَأَحْمَدُ، أَوْ نَحْمَدُ اللَّهَ، أَوْ حَمْدًا لِلَّهِ أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا الْجُمُعَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ» (وَ) مَعَ (لَفْظَةِ اللَّهِ تَعَالَى) كَمَا مَثَّلْت لِلِاتِّبَاعِ وَكَكَلِمَةِ التَّكْبِيرِ (مُرْدِفَا) الْخَطِيبُ بِالْحَمْدِ (لَفْظَ صَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ اخْتَلَفَ صِيغَتُهُ كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَا بِمَعْنَاهُ مِنْ الْمَرْوِيِّ) فِي الْأَخْبَارِ كَأُصَلِّي، أَوْ نُصَلِّي عَلَى الرَّسُولِ، أَوْ مُحَمَّدٍ، أَوْ الْمَاحِي، أَوْ الْعَاقِبِ أَوْ الْمُبَشِّرِ، أَوْ النَّذِيرِ، أَوْ الْحَاشِرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يَكْفِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ لَوْ تَقَدَّمَ اسْمُهُ عَلَى الضَّمِيرِ، فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ وَخَرَجَ بِلَفْظِ الْحَمْدِ نَحْوُ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَبِلَفْظِ اللَّهِ نَحْوُ الرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ وَبِلَفْظِ الصَّلَاةِ نَحْوُ لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَبِصَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَاتُهُ عَلَى غَيْرِهِ.

(ثُمَّ يُوَصِّي) الْحَاضِرِينَ (بِالتُّقَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِ الْخُطْبَةِ الْوَصِيَّةُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا، وَلَا طُولُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ بِمَا) أَيْ: لَفْظٍ (نَحْوَ أَطِيعُوا اللَّهَ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ الْوَعْظِ، وَلَا يَكْفِي التَّحْذِيرُ عَنْ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا وَزَخْرَفَتِهَا، فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرٌ، وَالْمَعَادُ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْمَنْعِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ نَحْوِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ مَا صَلَّى) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ لِبَيَانِ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ شَيْئًا آخَرَ، وَإِنْ بَعُدَ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَتْ) أَيْ: بِالْعَرَبِيَّةِ خَطَبَ، بِلُغَتِهِ لَوْ تَعَذَّرَتْ، وَعُرِفَتْ لُغَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ غَيْرُهَا يَعْرِفُ الْقَوْمُ بَعْضَهَا دُونَ الْبَاقِي، فَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْخُطْبَةُ، بِمَا يَعْرِفُونَهُ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ مُتَّجَهٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: الْعِلْمُ، بِالْوَعْظِ) ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِلْمَ كَذَلِكَ مِمَّا يَتَأَثَّرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا يُدْرَكُ، بِالْوِجْدَانِ (قَوْلُهُ: فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ) مُجَرَّدُ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَادَّةِ الْحَمْدِ إذْ لَوْ قَالَ: اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ التَّبَادُرَ، أَوْ الِاحْتِيَاطَ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَتَى، بِمَادَّةِ الْحَمْدِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَالسَّلَفِ، وَمِنْ الْمَنْقُولِ عَنْ خُطَبِهِمْ (قَوْلُهُ: وَمَا، بِمَعْنَاهُ) هَذِهِ الْهَاءُ لِلنَّبِيِّ لَا لِلَفْظِ صَلَاتِهِ، وَإِلَّا كَفَى مَا بِمَعْنَاهُ مِنْ لَفْظِ الرَّحْمَةِ، وَنَحْوِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَفْظُ صَلَاتِهِ شَامِلٌ لِصِيَغِ الْفِعْلِ، وَالِاسْمِ، فَلَا خُصُوصَ فِيهِ حَتَّى يُبَيِّنَ عُمُومَهُ، بِقَوْلِهِ: وَمَا بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ:، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إلَخْ.) صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَجَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: نَحْوَ أَطِيعُوا اللَّهَ) التَّمْثِيلُ لِمَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي تَضَمُّنَهُ الْحَمْلَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْمَنْعَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ هِيَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَامْتِثَالُ النَّهْيِ، بِاجْتِنَابِ الْمَنْهِيِّ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

ــ

[حاشية الشربيني]

أَيْ: مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْأَذَانِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَرْجِمَا) ، وَلَا أَنْ يَأْتِيَ آيَاتٍ تَتَضَمَّنُ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُطْبَةً بِخِلَافِ مَا إذَا أَتَى بِآيَةٍ تَتَضَمَّنُ بَعْضَهَا بِقَصْدِهِ فَقَطْ فَإِنْ قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ أَطْلَقَ كَفَى عَنْهَا فَقَطْ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وسم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ) خَرَجَ غَيْرُهَا، فَيَجُوزُ سم (قَوْلُهُ: خَطَبَ بِلُغَتِهِ) أَيْ: مَا عَدَا الْآيَةَ فَلَا يُتَرْجِمُ عَنْهَا بَلْ يَسْكُتُ بِقَدْرِهَا ق ل وَفِي سم أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا مَا فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بِذِكْرٍ، أَوْ دُعَاءٍ، ثُمَّ يَقِفُ بَدَلَهُ (قَوْلُهُ: وَكَكَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ) هُمَا اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي: أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ جُعِلَ رُكْنًا فِي الْخُطْبَةِ كَمَا جُعِلَ التَّكْبِيرُ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: صَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ) ، وَلَوْ أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ أَجْزَأَتْ، وَلَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ بِصَرْفِهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَفَهَا لِغَيْرِ الْخُطْبَةِ. اهـ.

م ر وَع ش (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ إلَخْ.) ، وَلَا يُرَدُّ الذَّبْحُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْغَالِبُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فِيهِ بِإِيهَامِ التَّشْرِيكِ ق ل، وَفِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ التَّشْرِيكُ بِالِاسْمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. بج (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ إلَخْ.) هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الِافْتِقَارَ لِمُطْلَقِ الذِّكْرِ لَا خُصُوصِ الصَّلَاةِ بج (قَوْلُهُ:، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي) مَا لَمْ يَسْرُدْ الْأَرْكَانَ أَوَّلًا كَأَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِالتَّقْوَى، ثُمَّ يَأْتِي بِكُلِّ رُكْنٍ مُطَوَّلًا فَإِذَا أَتَى فِي التَّأْكِيدِ بِالضَّمِيرِ، وَلَا يَضُرُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ع ش (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ) لِلتَّعَبُّدِ بِلَفْظِهِمَا دُونَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ

(قَوْلُهُ: لَا بُدَّ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>