وَفُضِّلَ السَّابِقُ عَلَى مَنْ يَلِيهِ لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا فِي طَرَفَيْ سَاعَةٍ وَقَالَ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ:، بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْأَخِيرِ وَبَدَنَةَ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ كَمَا فِي دَرَجَاتِ صَلَاةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَالْقَلِيلِ، ثُمَّ نُدِبَ التَّبْكِيرُ مَحَلَّهُ فِي الْمَأْمُومِ، أَمَّا الْإِمَامُ، فَيُنْدَبُ لَهُ التَّأَخُّرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ
(لَابِسَ) ثِيَابٍ (بِيضٍ) لِلْخَبَرِ الْآتِي مَعَ خَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا:، فَإِنْ لَبِسَ مَصْبُوغًا، فَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ كَالْبُرُدِ لَا عَكْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ الْإِمَامُ فِي حُسْنِ التَّهْيِئَةِ، وَيَتَعَمَّمَ، وَيَرْتَدِيَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَنْبَغِي لِلْأَمَامِ لُبْسُ السَّوَادِ وَكَرِهَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ، وَالصَّحِيحُ تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَظُنَّ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ
(طُيِّبَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِخَبَرِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا حُكْمُ طِيبِ النِّسَاءِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِنَّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ نَدْبَ التَّبْكِيرِ وَلُبْسِ الْبِيضِ وَالتَّطَيُّبِ تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْحَاوِي لِعَطْفِهِ لَهَا عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ بِخِلَافِ عِبَارَةِ النَّظْمِ لِنَصْبِهِ لَهَا بِالْحَالِيَّةِ، بَلْ تُفِيدُ كَوْنَهَا قُيُودًا لِنَدْبِ مَا قَبْلَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مُفْسِدًا لَكِنَّهُ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا يُرِيدُ بِهِ تَقْيِيدَ مَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُقَالُ مُبَكِّرٌ، وَلَابِسٌ بِمَعْنَى التَّبْكِيرِ، وَاللُّبْسِ وَيُقْرَأُ طِيبًا بِكَسْرِ الطَّاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ وَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مَنْصُوبَةً عَطْفًا عَلَى الْغُسْلِ بِحَذْفِ الْعَاطِفِ وَيُمْكِنُ نَصْبُهَا بِلَا تَأْوِيلٍ أَخْبَارًا لِكَانَ مُقَدَّرَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَاسْتَحَبُّوا الْغُسْلَ وَأَنْ يَكُونَ مُبَكِّرًا إلَى آخِرِهِ
(وَ) نُدِبَ (الْمَشْيُ) إلَى الْجُمُعَةِ، بَلْ وَإِلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِعُذْرٍ لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ «مَا رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِيدٍ، وَلَا جِنَازَةٍ وَلَمْ» يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ بَابَ حُجْرَتِهِ كَانَ بِالْمَسْجِدِ وَرُوِيَ غَسَلَ بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفُ أَرْجَحُ وَعَلَيْهِمَا فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهُمَا غَسَّلَ زَوْجَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا، فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هُوَ قَالُوا وَيُسَنُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ ثَانِيهَا غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بِأَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثَالِثُهَا غَسَلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ، ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ، وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ وَرُوِيَ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ أَشْهَرُ.
فَعَلَى التَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ) ، أَوْرَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ أَنَّ ذِكْرَ الْفَلَكِيَّةِ لَيْسَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إرَادَتِهَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةَ، وَإِلَّا لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ بِالْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ، وَلَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي لِمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ. اهـ.
وَأَمَّا إذَا اعْتَبَرْنَاهَا مِنْ الْفَجْرِ، فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْحِصَّةَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ أَزْيَدُ مِنْ بَاقِي النَّهَارِ بِكَثِيرٍ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُقْسَمَ الْحِصَّةُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ لَكِنْ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَزْيَدُ مِنْ سَاعَاتِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ حَدِيثِ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» ، وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهَا مُتَسَاوِيَةٌ لَا تُمْكِنُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَلَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ إلَخْ. فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي مَعْنَاهُ. اهـ.
وَأَطَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْإِمَامُ فَيُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَخْ.) هَلْ لَهُ ثَوَابُ الْمُبَكِّرِ قَالَ م ر: نَعَمْ إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا أَمْرُهُ بِالتَّأْخِيرِ لَبَكَّرَ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنَّ لَهُ فَوْقَ ثَوَابِ الْمُبَكِّرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّبْكِيرِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَابِسُ بِيضٍ) لَوْ اتَّفَقَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ الْعِيدِ، فَهَلْ الْأَفْضَلُ الْأَبْيَضُ مُرَاعَاةً لِلْجُمُعَةِ، أَوْ الْأَغْلَى مُرَاعَاةً لِلْعِيدِ، أَوْ الْأَفْضَلُ الْأَغْلَى إلَّا عِنْدَ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، فَالْأَبْيَضُ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: لَا عَكْسِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَغَيْرُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَهُ الْغَزَالِيُّ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَتَرْكُ السَّوَادِ، أَوْلَى. إلَّا إنْ خَشِيَ مَفْسَدَةً. اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: عَطْفًا عَلَى الْغُسْلِ) وَحِينَئِذٍ، فَيَتَقَيَّدُ طَلَبُ الثَّلَاثَةِ بِإِرَادَةِ الْحُضُورِ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
وَغَيْرِهَا ضَرْبُ مَثَلٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ ح ل (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَسْتَوِيَ إلَخْ.) دَفَعَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ: