بَاكِرًا وَعَلَى التَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ أَتَى بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَابْتَكَرَ أَيْ: أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَقَوْلُهُ: مَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ قِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَرْكَبْ أَفَادَ نَفْيَ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا وَنَفَى احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ الْمَشْيُ، وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا الرُّجُوع، فَلَا يُنْدَبُ فِيهِ الْمَشْيُ بَلْ يُتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّكُوبِ إذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَجُلٍ هَلَّا تَشْتَرِي لَك حِمَارًا تَرْكَبُهُ إذَا أَتَيْت إلَى الصَّلَاةِ فِي الظَّلْمَاءِ، وَالرَّمْضَاءِ، فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ فِي ذَهَابِي وَعَوْدِي، فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَعَلَ اللَّهُ لَك ذَلِكَ» أَيْ كَتَبَ لَك مَمْشَاك أَيْ أَفْضَلِيَّتَهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَتَبَ لَك ذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (بِالْهِينَةِ) أَيْ بِلَا سُرْعَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ، فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» ، فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا قَالَ فِي الْأُمِّ: لَمْ أُحِبَّهُ لَهُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] ، فَمَعْنَاهُ امْضُوا؛ لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُضِيِّ، وَالْعَدْوِ، فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْمُرَادَ بِهِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، فَإِنْ ضَاقَ، فَالْأَوْلَى الْإِسْرَاعُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَجِبُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ إلَّا بِهِ
(وَالْفَضْلَاتُ زَالَتْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ وَنُدِبَ إزَالَةُ الْفَضَلَاتِ كَالْوَسَخِ، وَالظُّفُرِ، وَالشَّعْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ» وَاكْتَفَى الْحَاوِي عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ: وَالتَّطَيُّبُ أَيْ: بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَإِزَالَةِ الْوَسَخِ، وَالْفَضْلَةِ كَمَا شَرَحَهُ عَلَيْهِ شُرَّاحُهُ
(وَ) نُدِبَ (عِنْدَ الْخُطْبَةِ الْإِنْصَاتُ) لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] ، فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ بِالْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ.
وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ، وَالِاسْتِمَاعُ شَغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ وَصَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَتَى السَّاعَةُ، فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اُسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُمَا، بِمَعْنًى) ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى مَا فَسَّرَ بِهِ بَكَّرَ (قَوْلُهُ: أَفْضَلِيَّتُهُ) أَيْ عَلَى الرُّكُوبِ (قَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ) جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ، وَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ جِنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحُوهُ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى الْإِسْرَاعُ) أَيْ: إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِدْرَاكُ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ فَإِنْ قُلْت: إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِدْرَاكُ، فَلِمَ طُلِبَ قُلْت لِلِاحْتِيَاطِ
(قَوْلُهُ: وَالْفَضَلَاتُ زَالَتْ) خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى
(قَوْلُهُ: خَبَرُ الْبَيْهَقِيُّ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَخْ.) ، أَوْرَدَ فِي شَرْحِ الرَّوْض أَيْضًا خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَدَعَا» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا أُورِدَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ، بِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي مَوْضِعٍ، وَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ قَطْعًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْنَمَا إلَخْ. مُصَرِّحٌ، بِأَنَّهُ تَكَلَّمَ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَقَوْلُهُ: قَامَ الْأَعْرَابِيُّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، فَيَدْفَعُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَعَلِمَهُ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ الْبَيَانِ، وَلَا سِيَّمَا، وَالسُّكُوتُ عَنْ الْبَيَانِ يُوهِمُ الْحَاضِرِينَ الْجَوَازَ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَقَدْ أَشَارَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ، بِالِاسْتِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ اتِّخَاذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ الرَّوْضُ: وَلِلدَّاخِلِ أَيْ: وَيُبَاحُ الْكَلَامُ، بِلَا كَرَاهَةٍ لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ مَا لَمْ يَجْلِسْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي: مَا لَمْ يَتَّخِذْ لَهُ مَكَانًا، وَيَسْتَقِرَّ فِيهَا، وَالتَّقْيِيدُ، بِالْجُلُوسِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ، فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ إنَّمَا سَأَلَ النَّبِيَّ بَعْدَ أَنْ اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا، وَخِلَافُ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ سم (قَوْلُهُ: إنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ: إلَخْ) .
عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ «إنَّ رَجُلًا دَخَلَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ» إلَخْ. فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْقَوْلَ حَالَ الْخُطْبَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
لَكِنْ إلَخْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: أَيْ: فَضِيلَتُهُ) فِي شَرْحِ م ر أَيْ: أَفْضَلِيَّتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: «، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» ) فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ قَالَ مُحَشِّيهِ وَرُوِيَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ) أَيْ: يَضِقْ بِخُرُوجِهِ أَوْ بِفَوَاتِهَا لِلْمَسْبُوقِ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلَا يَسْعَى لِغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا يَسْعَى لِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَا لِلرَّكَعَاتِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَالظُّفُرِ) ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي كَيْفِيَّةِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ لِلْيَدَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِمُسَبِّحَةِ يَمِينِهِ إلَى خِنْصَرِهَا، ثُمَّ إبْهَامِهَا، ثُمَّ بِخِنْصَرِ يُسْرَاهُ إلَى إبْهَامِهَا عَلَى التَّوَالِي، وَالرِّجْلَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيَمِينِ إلَى خِنْصَرِ الْيَسَارِ عَلَى التَّوَالِي كَذَا فِي حَوَاشِي الْمَدَنِيِّ لَكِنْ قَالَ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ تَقْدِيمُ إبْهَامِ الْيُسْرَى عَلَى مُسَبِّحَتِهَا قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ إنَّهُ نَقَلَ فِي التَّجَارِبِ عَنْ السُّبْكِيّ وَالْبِرْمَاوِيِّ فِي الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ أَنَّ إزَالَتَهُمَا عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ حُرُوفِ خَوَابِسَ، أَوْ خسب أَمَانٌ مِنْ الرَّعْدِ. اهـ
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْخُطْبَةِ الْإِنْصَاتُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّمْتِ، وَالسُّكُوتِ، وَالْإِنْصَاتِ، وَالْإِصَاخَةِ أَنَّ الصَّمْتَ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا قُوَّةَ فِيهِ لِلنُّطْقِ، وَفِيمَا لَهُ قُوَّةُ النُّطْقِ، وَلِذَا قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُطْقُ الصَّامِتِ، وَالسُّكُوتُ لِمَا لَهُ نُطْقٌ فَتَرَكَ اسْتِعْمَالَهُ، وَالْإِنْصَاتُ سُكُوتٌ مَعَ اسْتِمَاعٍ، وَمَتَى انْفَكَّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَقُلْ إنْصَاتٌ، وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] فَقَوْلُهُ: