وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ فِيهِ عَدَمُ اسْتِحْبَابِهِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا مَكْرُوهٌ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ: وَهَذَا إذَا دَعَا لَهُ بِعَيْنِهِ، أَمَّا الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ، وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَنَحْوِهِمَا، فَمُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ
(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ (نَزَلْ عَنْ مِنْبَرٍ مُبْتَدِرًا مَقَامَهْ) أَيْ: الْمِحْرَابَ بِحَيْثُ يَكُونُ (بَالِغَهُ مَعَ آخِرِ الْإِقَامَهْ) لِلصَّلَاةِ مُبَالَغَةً فِي رِعَايَةِ الْوَلَاءِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْقَوْمِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَخْتِمَ الْخُطْبَةَ بِالِاسْتِغْفَارِ
(وَ) يُنْدَبُ لَهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سُورَةُ الْجُمُعَةِ) أَيْ: قِرَاءَتُهَا (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) وَسُورَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى هُوَ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: ١] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: ١] » قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ الرَّبِيعُ: سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ، وَالْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ قَرَأَ بِ {سَبِّحِ} [الأعلى: ١] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: ١] كَانَ حَسَنًا (وَإِنْ يَتْرُكْ) سُورَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى (فَبِالْمُنَافِقِينَ تَقْتَرِنْ ثَانِيَةً) أَيْ: فَيَأْتِي بِهَا مَقْرُونَةً مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:.
وَلَا يُعَارَضُ بِتَطْوِيلِهَا، فَإِنَّ تَرْكَهُ أَدَبًا لَا يُقَاوِمُ فَضْلَهُمَا انْتَهَى عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّطْوِيلِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ وَهُنَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ إذْ السُّنَّةُ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ {سَبِّحِ} [الأعلى: ١] فِي الْأُولَى وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: ١] فِي الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَهَا عَلَى الْأُولَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَتَعْبِيرُ النَّظْمِ بِالتَّرْكِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي كَالرَّافِعِيِّ بِالنِّسْيَانِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَغَيْرِهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ الْكَهْفِ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا وَإِكْثَارُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَإِكْثَارُ الدُّعَاءِ يَوْمَهَا رَجَاءَ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ، فَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَلِّلُهَا» ، وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ «وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ» وَوَرَدَ تَعْيِينُهَا، فَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ» أَيْ: عَلَى الْمِنْبَرِ «إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ» أَيْ: يَفْرُغَ مِنْهَا وَصَوَّبَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ فِيهِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ، وَفِي بَعْضِهَا فِي آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ التَّعْيِينِ فِيمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ السَّاعَةِ، بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ بَلَغَهُ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ اسْتَحَبَّ الدُّعَاءَ فِيهَا
(وَتَحْضُرُ الْعَجُوزُ) إنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ كَانَ وَلَمْ تَتَزَيَّنْ وَلَمْ تَتَطَيَّبْ كَمَا زَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قُلْت بِإِذْنِ زَوْجِهَا يَجُوزُ) أَيْ حُضُورُهَا (وَإِنْ يَكُنْ لِبَاسُهَا مَشْهُورَا، أَوْ صَحِبَتْ طِيبًا، فَلَا حُضُورَا) أَيْ يُكْرَهُ لَهَا الْحُضُورُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ، فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَارِكَاتٌ لِلطِّيبِ وَلِخَوْفِ الْمَفْسَدَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا، فَيَحْرُمُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَبِالْمُنَافِقِينَ تَقْتَرِنْ) لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُ إحْدَاهُمَا، فَيُتَّجَهُ قِرَاءَةُ الْمُنَافِقِينَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَهَا بِالْأَصَالَةِ، فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا. اهـ.، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى إلَخْ.) (فَرْعٌ)
لَوْ قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: ١] فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ الْجُمُعَةَ، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى وَ {سَبِّحِ} [الأعلى: ١] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: ١] فِي الثَّانِيَةِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى، وَالْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ مَعَ عَدَمِ وُرُودِهِ (قَوْلُهُ: قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ: وَلَا نَظَرَ إلَى لُزُومِ مُخَالَفَةِ تَرْتِيبِ السُّوَرِ هُنَا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الْمَطْلُوبِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: يَوْمَهَا، وَلَيْلَتَهَا) ، وَقِرَاءَتُهَا يَوْمَهَا أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: أَوْ إكْثَارُ الصَّلَاةِ) الْوَجْهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْكَهْفِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَسَاوَيَا فِي الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْكَهْفَ مَطْلُوبَةٌ، بِخُصُوصِهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي نَفْسِهِ أَكْثَرُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْكَهْفِ مَعَ التَّدَبُّرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهَا بِدُونِهِ خِلَافًا لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ تَسَاوِيهِمَا تَمَسُّكًا، بِمَا هُوَ وَهْمٌ مَحْضٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَتَحْضُرُ الْعَجُوزُ) قَالَ الْجَوْجَرِيُّ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ كَأَصْلِهِ الْإِبَاحَةَ، وَهِيَ لَا تُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْأَوْلَى لَهُنَّ التَّرْكُ لِعُمُومِ حَدِيثِ «، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» قَالَ: وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ صَرِيحَةٌ فِي اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ لَهُنًّ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَجُوزِ فِي الْحُضُورِ، وَفِي بَابِ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْمُدْرَكُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ قَالَ الْجَوْجَرِيُّ، وَإِذَا نَظَرْت إلَى عُمُومِ الطَّلَبِ، وَأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مَنَعْت قَوْلَهُ: وَالْمُدْرَكُ وَاحِدٌ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ)
ــ
[حاشية الشربيني]
مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ إلَخْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ.) بِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالْمَحْصُورِينَ الرَّاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا) أَيْ: فِي، وَقْتِ الْإِجَابَةِ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ
(قَوْلُهُ: فَيُكْرَهُ لَهُمَا الْحُضُورُ) أَيْ: مَعَ الرِّجَالِ، أَمَّا حُضُورُهُمَا مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ