للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقْبَالُ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ (وَالتَّسْلِيمُ) عَلَيْهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرُهُ وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ

(وَ) سُنَّ لَهُ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ (الْقُعُودُ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَرَاحِ) لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ (لِيَفْرُغَ) أَيْ إلَى أَنْ يَفْرُغَ (الْأَذَانَ شَخْصٌ) بَيْنَ يَدَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ عَلَى الزَّوْرَاءِ» وَقَالَ عَطَاءٌ: إنَّمَا أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَالْأَمْرُ الَّذِي عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إلَيَّ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ وَاحِدًا كَمَا أَفَادَهُ تَعْبِيرُ النَّظْمِ بِشَخْصٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِالْمُؤَذِّنِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَيْهِ وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةً وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ الْخَطِيبُ بِالدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ طَالَ الْمِنْبَرُ، فَبِالسَّابِعَةِ

(وَقَعَدْ) نَدْبًا (بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ (كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] أَيْ: بِقَدْرِ مَا يَسَعُهَا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَفِي ابْنِ حِبَّانَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي قُعُودِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ»

(وَكَوْنُ خُطْبَةٍ) أَيْ: وَسُنَّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ (قَرِيبَةً إلَى فَهْمٍ) أَيْ: فَهْمِ الْحَاضِرِينَ أَيْ: خَالِيَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَرَوَاهُ فِي الْبَحْرِ مَرْفُوعًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ، وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْفَهْمِ (بَلِيغَةً) أَيْ: خَالِيَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْتَذَلَةِ إذْ لَا تَصْدَعُ فِي الْقَلْبِ (بِقَصْدٍ) أَيْ: مَعَ تَوَسُّطٍ بَيْنَ الطُّولِ، وَالْقِصَرِ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَيْضًا «طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ» أَيْ: عَلَامَةٌ عَلَيْهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَرَ، وَالطُّولَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى ق لِثُبُوتِهَا فِي مُسْلِمٍ وَاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَوَاعِظِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَهَا أَحْيَانَا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ، أَوْ لِعِلْمِهِ بِرِضَا الْحَاضِرِينَ وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ فِي الْخُطْبَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ

(شَغَلَا) أَيْ الْخَطِيبَ نَدْبًا (يَدًا) وَهِيَ الْيُسْرَى (بِنَحْوِ سَيْفٍ) كَعَصًا وَقَوْسٍ وَعَنَزَةٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ وَعَصًا» وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ وَلِهَذَا قَبَضَهُ بِالْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ (وَ) الْيَدَ (الْأُخْرَى) أَيْ الْيُمْنَى (شَغَلْ) نَدْبًا (بِمِنْبَرٍ) أَيْ: قَبَضَ بِهَا حَرْفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيْفًا، أَوْ نَحْوَهُ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، أَوْ أَرْسَلَهُمَا، وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ، وَلَا يَعْبَثَ بِهِمَا (مُسْتَدْبِرًا) فِي الْخُطْبَتَيْنِ لِلْقِبْلَةِ نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي خَبَرِهِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا قَبُحَ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ عُرْفِ الْمُخَاطَبَاتِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِدْبَارِهِمْ لَهَا لَزِمَ اسْتِدْبَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَهَا وَاسْتِدْبَارُ وَاحِدٍ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُكْرَهُ الْتِفَاتُهُ وَإِشَارَتُهُ بِيَدِهِ، وَالدَّقُّ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي صُعُودِهِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ وَالدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ، وَالِاخْتِيَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يُجَازِفْ فِي وَصْفِهِ اهـ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةً) زَادَ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِرّ

(قَوْلُهُ: كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] قَالَ فِي الْعُبَابِ:، وَأَنْ يَقْرَأَهَا فِيهِ أَيْ: الْجُلُوسِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِنَدْبِهَا بِخُصُوصِهَا فِيهِ وَيُوَجَّهُ، بِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأَ فِي جُلُوسِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ» ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّنَّةَ ذَلِكَ، فَهِيَ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا لِمَزِيدِ ثَوَابِهَا، وَفَضَائِلهَا، وَخُصُوصِيَّاتِهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَجَابَ إلَخْ.) ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرَّوْضِ، وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ قِ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى مَا يَرُدُّ مَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: قَالَ: يَعْنِي: الْأَذْرَعِيَّ، وَفِي اسْتِحْبَابِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِرَاءَةِ ق شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَرَأَهَا أَحْيَانًا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ، أَوْ لِعِلْمِهِ، بِرِضَا الْحَاضِرِينَ، أَوْ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِمْ، وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ، بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي خُطْبَةِ كُلِّ جُمُعَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ قِ، أَوْ بَعْضِهَا فِي خُطْبَةِ كُلِّ جُمُعَةٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ، فَلَا، وَجْهَ لَهُ كَمَا لَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ. اهـ

(قَوْلُهُ: جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى إلَخْ.) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَغْلُ الْيَمِينِ، بِالْمِنْبَرِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَقَّبَ مِثْلَ مَا هُنَا مَا نَصُّهُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْغَلَ الْيَمِينَ بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ، وَيُرْسِلَ الْأُخْرَى لَمْ يَبْعُدْ. اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: فَبِالسَّابِعَةِ) كَأَنَّهُ لِفِعْلِ سَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ؛ لِأَنَّ «مِنْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ غَيْرَ الْمُسْتَرَاحِ» فَلَمَّا خَطَبَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ نَزَلَ دَرَجَةً، ثُمَّ عُمَرُ دَرَجَةً، ثُمَّ عَلِيٌّ دَرَجَةً فَلَمَّا تَوَلَّى مُعَاوِيَةُ لَمْ يَجِدْ دَرَجَةً يَنْزِلُ إلَيْهَا فَزَادَ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ أَسْفَلِهِ كَذَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نَزَلَ دَرَجَةً فَلْيُحَرَّرْ

(قَوْلُهُ: كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] هَذَا هُوَ الْمَنْدُوبُ، أَمَّا الْجُلُوسُ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ فَوَاجِبٌ كَمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ: وَاقْصُرُوا) رَوَاهُ الْمَحَلِّيُّ، وَاقْصُرُوا بِضَمِّ الصَّادِ مِنْ قَصَرَ، وَهُوَ الْكَثِيرُ، وَأَمَّا أَقْصَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَمَصْدَرُهَا الْإِقْصَارُ كَمَا قَالَ بَعْدُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: مُسْتَدْبِرًا لِلْقِبْلَةِ) أَيْ: وَمُسْتَقْبِلًا لِلْحَاضِرِينَ، وَيُنْدَبُ لَهُ اسْتِقْبَالُهُمْ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَاعْتَمَدَهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَعَلَّ هَذَا حِكْمَةُ وَضْعِ الْمَنَابِرِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ مُنْحَرِفَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ إلَخْ.)

<<  <  ج: ص:  >  >>