ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ أَمِنَ فَوَاتَ ذَلِكَ لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ، أَمَّا التَّحِيَّةُ، فَيُسَنُّ فِعْلُهَا لِلدَّاخِلِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ لِمَا مَرَّ ثَمَّةَ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ، وَهُوَ يَخْطُبُ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ بِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» قَالَ فِي الْأُمِّ: وَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى الرَّاتِبَةَ صَلَّاهَا وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ (قُلْت: وَلَمْ تُنْدَبْ) أَيْ: التَّحِيَّةُ لِلدَّاخِلِ، بَلْ تُكْرَهُ (أَخِيرَ خُطْبَتِهْ) أَيْ: خُطْبَةِ الْإِمَامِ، أَوْ الدَّاخِلِ لِصِدْقِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَخْطُوبٌ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَفُوتَهُ أَوَّلُ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا ظَنَّ فَوْتَ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ، فَيَقِفُ حَتَّى تُقَامَ، وَلَا يَقْعُدُ وَإِلَّا صَلَّاهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فِيهِ: وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِالرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ وَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، فَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ، بَلْ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا هُنَا بِخِلَافِهَا ثَمَّةَ وَلِتَفْصِيلِهِمْ ثَمَّةَ بَيْنَ ذَاتِ السَّبَبِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا هُنَا، بَلْ إطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ وَتَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ فِي الْمَنْعِ بِالتَّنَفُّلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ
(وَالرَّدُّ لِلسَّلَامِ) عَلَى الْمُسْلِمِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ (بِالنَّدْبِ أَمَسْ) أَيْ: أَهَمُّ بِنَدْبِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُنْدَبُ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ حِينَئِذٍ مُضَيِّعٌ سَلَامَهُ كَالْمُسَلِّمِ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ بِجَامِعِ كَرَاهَةِ السَّلَامِ فِيهِمَا وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ وُجُوبُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْهُ وَعَنْ آخَرِينَ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ مِنْ قَاضِي الْحَاجَةِ حَيْثُ لَا يُنْدَبُ، وَلَا يَجِبُ لَائِجٌ
(وَيُنْدَبُ التَّشْمِيتُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ (لِامْرِئٍ عَطَسْ) وَحَمِدَ اللَّهَ بِأَنْ يَقُولَ رَحِمَك اللَّهُ، أَوْ يَرْحَمُك اللَّهُ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي السِّيَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْدَبْ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ.
وَتَصْرِيحُ صَاحِبِ الْحَاوِي فِي الْعُجَابِ بِالنَّدْبِ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا يُعَيِّنُ أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُهُ فِي الْحَاوِي وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالتَّشْمِيتِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ، وَإِنْ صَحَّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى التَّحِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: تَرَكَ غَيْرَ التَّحِيَّةِ
(وَسُنَّ أَنْ يُسَلِّمَ الْخَطِيبُ) إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبْلَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ (عَلَى الَّذِي مِنْ مِنْبَرٍ قَرِيبُ) لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ فِي أَحْكَامِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ مَنْ عِنْدِ الْمِنْبَرِ بِالسَّلَامِ مَحَلُّهُ فِيمَنْ يَخْرُجُ لِلْخُطْبَةِ مِنْ قَرِيبِ الْمِنْبَرِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَلَوْ خَرَجَ مِنْ أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ، أَوْ مِنْ جَوَانِبِهِ، فَكُلُّ مَنْ دَنَا مِنْ مَمَرِّهِ كَمَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي سَنِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ
(وَبَعْدَمَا تَمَّ لَهُ الصُّعُودُ يُقْبِلُ) أَيْ: وَسُنَّ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ صُعُودِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ) وَيُحْتَمَلُ الْحُرْمَةُ أَيْضًا نَظَرًا لِلْمَظِنَّةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّحِيَّةُ إلَخْ.) يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِ التَّحِيَّةِ امْتِنَاعُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا عَلَى مَنْ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ قِيَامِ الْخَطِيبِ، وَعَلَى مَنْ دَخَلَ حَالَ الْخُطْبَةِ فِي غَيْر مَسْجِدٍ م ر (قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ فِعْلُهَا) أَيْ: بِشَرْطِ الْإِحْرَامِ بِرَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّحِيَّةُ تَحْصُلُ بِالْأَكْثَرِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ هُنَا، بِأَكْثَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ «، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَالدَّاخِلُ لَا فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ مُخَفَّفَةً إنْ صَلَّى السُّنَّةَ، وَإِلَّا صَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْ: مُخَفَّفَةً، وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، بِكُلِّ حَالٍ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخْفِيفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ. اهـ.
، وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ، وَعَلَيْهِ، فَهَلْ يَتْرُكُ سُجُودَيْ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ إذْ لَيْسَا مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَلْ يَعْرِضَانِ فِيهَا فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: وَإِلَّا يَظُنَّ، فَوَاتَ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: بَلْ إطْلَاقُهُمْ إلَخْ.) لِلِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ: لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا) ، وَلَوْ فَوْرِيًّا
(قَوْلُهُ: أَمَسْ) مِنْ الْوُجُوب (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إلَخْ.) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ إلَخْ.) كَانَ يُمْكِنُ الْبِنَاءُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي جَوَازَ الْكَلَامِ لِعَارِضٍ مُهِمٍّ كَإِنْذَارِ غَافِلٍ عَمَّا يَضُرُّهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْتِدَاءُ مَعَ كَرَاهَتِهِ لَا يَكُونُ عَارِضًا مَهْمَا
ــ
[حاشية الشربيني]
التَّطْوِيلُ) أَيْ: عُرْفًا لِأَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَفِي ق ل التَّحْقِيقُ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَ الْأَكْمَلَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْعُدُ) لِئَلَّا يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ كَرَاهَةِ السَّلَامِ إلَخْ.) فَرَّقَ حَجَرٌ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا لِذَاتِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى نَحْوِ قَاضِي الْحَاجَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ إلَخْ.) ، وَمَعْنَاهُ بِهَا الدُّعَاءُ بِحِفْظِ الشَّوَامِتِ، وَهِيَ مَا بِهِ قِوَامُ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ الْعَاطِسَ يَنْحَلُّ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ بِرَأْسِهِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعُنُقِ فَنَاسَبَ أَنْ يُدْعَى بِرَحْمَةٍ يَرْجِعُ بِهَا بَدَنُهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَمِرَّ دُونَ تَغَيُّرٍ، وَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ الدُّعَاءُ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى سَمْتِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ كَذَا بِهَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ الشَّارِحِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَحَمِدَ اللَّهَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ الْحَمْدَ إذَا لَمْ يَحْمَدْ، وَفِي التُّحْفَةِ يُسَنُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْحَاضِرِينَ) أَيْ: عَلَى كُلِّ صَفٍّ مَرَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَرِيبِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَلَا تُطْلَبُ لَهُ التَّحِيَّةُ إنْ حَضَرَ، وَقْتَ الْخُطْبَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: بِالسَّلَامِ) أَيْ: الثَّانِي