، وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَاسْتَمَرَّتْ الصَّحَابَةُ عَلَى فِعْلِهَا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَّعَى الْمُزَنِيّ نَسْخَهَا لِتَرْكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِتَأَخُّرِ نُزُولِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ، وَالْخَنْدَقُ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ: خَمْسٍ وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ
وَلِلْخَوْفِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ وَسَيَأْتِي وَثَانِيَتُهُمَا أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى ذَلِكَ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَالْآخَرُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (إنْ أَمْكَنَ الْكَفُّ عَنْ الْمُقَاتَلَهْ لِبَعْضِ مَنْ يُحَارَبُونَ) أَيْ: إنْ أَمْكَنَ بَعْضَ مَنْ يُحَارِبُ مِنَّا كَفُّهُ عَنْ مُقَاتَلَةِ عَدُوِّهِ (كَانَ لَهْ) أَيْ: مَنْ يُحَارِبُ (صَلَاةُ عُسْفَانَ) أَيْ: أَنْ يُصَلِّيَ مِثْلَ «صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ» كَمَا رَوَاهَا مُسْلِمٌ، وَلَوْ جُمُعَةً وَهِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خُلَيْصٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ سُمِّيَتْ بِهِ لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا (بِأَنْ يُصَلِّي إمَامُنَا أَوْ نَائِبٌ) لَهُ (بِالْكُلِّ) أَيْ: بِكُلِّ الْمُحَارِبِينَ مِنَّا فَتَعْبِيرُهُ بِالْكُلِّ أَوْلَى مِنْ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِ الْحَاوِي: إنْ أَمْكَنَ تَرْكُ الْقِتَالِ لِبَعْضٍ صَلَّى بِهِمْ لِسَلَامَتِهِ مِنْ إيهَامِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِبَعْضِ الْمُحَارِبِينَ (ثُمَّ إذَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَجَدْ تَحْرُسُ فِرْقَةٌ) مِنَّا (عَلَيْهَا مُعْتَمَدْ) فِي الْحِرَاسَةِ وَتَسْجُدُ مَعَهُ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا لَمْ تُطْلَبْ الْحِرَاسَةُ فِي الرُّكُوعِ لِتَمَكُّنِ الرَّاكِعِ فِيهِ مِنْهَا (وَبِالْفَرَاغِ مِنْ سُجُودٍ لَابِسَهْ) أَيْ: تَلَبَّسَ بِهِ (إمَامُهُمْ تَسْجُدُ تِلْكَ) الْفِرْقَةُ (الْحَارِسَهْ، وَالْتَحَقَتْ بِهِ) فِي الْقِيَامِ (عَلَى) قَدْرِ (الْإِمْكَانِ) مِنْ سُجُودِهَا وَفَرَاغِهَا مِنْهُ وَوَافَقَتْهُ إلَى اعْتِدَالِ الثَّانِيَةِ (وَحِينَ يَسْجُدُ الْإِمَامُ ثَانِي) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ أَيْ ثَانِيًا أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (يَحْرُسُهُمْ) فِيهَا (مَنْ كَانَ حَارِسًا فِي أَوَّلَةٍ) أَيْ: الْحَارِسُونَ فِي الْأَوْلَى (أَوْ غَيْرُهُمْ مِنْ صَفِّ، أَوْ ضِعْفِهِ) ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَارِسُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِرْقَةً وَاحِدَةً وَفِرْقَتَيْنِ مِنْ صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ بَلْ وَصَفَّيْنِ، فَأَكْثَرَ مِنْ صُفُوفٍ كَثِيرَةٍ كَذَلِكَ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْعُذْرِ.
(ثُمَّ إذَا مَا فَرَغَا سُجُودَهُ) بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ أَيْ: ثُمَّ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ سُجُودَهُ، أَوْ فَرَغَ سُجُودُ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ (تَسْجُدُ حُرَّاسُ الْوَغَى) أَيْ الْحَرْبِ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ الصَّوْتِ، وَالْجَلَبَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَلَحِقَتْ) أَيْ: الْحُرَّاسُ (تَشَهُّدَ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ بِالْأَقْوَامِ) الْمُقْتَدِينَ بِهِ كُلِّهِمْ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ: وَحِينَ يَسْجُدُ إلَى هُنَا مَعَ الْإِعْلَامِ بِتَسْمِيَةِ مَا ذُكِرَ بِصَلَاةِ عُسْفَانَ مِنْ زِيَادَتِهِ، هَذَا كُلُّهُ
ــ
[حاشية العبادي]
مَعَ مَجِيءِ الْجَمِيعِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْإِشْكَالِ إنْ أَرَادَ بِاخْتِيَارِهَا امْتِنَاعَ غَيْرِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ
(قَوْلُهُ: لِبَعْضِ إلَخْ.) مُتَعَلِّقٌ بِأَمْكَنَ (قَوْلُهُ: أَيْ: مَنْ يُحَارَبُ) أَيْ: لَا الْبَعْضِ (قَوْلُهُ: لِسَلَامَتِهِ مِنْ إيهَامِ عَوْدٍ إلَخْ.) ، وَلَا يُنَافِيهِ جَمْعُ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّهُ، بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: ثَانِيَ) ؛ لِأَنَّ ثَانَوِيَّةَ السُّجُودِ، بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ تَعَدَّدَ كُلٌّ مِنْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لَا تَفْسِيرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُنَاوَبَةِ) ، أَوْ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ: عَلَى الْمُنَاوَبَةِ، أَوْ لَا عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ) عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَبِالرَّفْعِ) عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا سَجَدُوا إنْ حُمِلَ عَلَى فَرَغُوا مِنْ السُّجُودِ مِنْ تَمَامِ رَكْعَتِهِمْ كَانَتْ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى فَرَغُوا مِنْ صَلَاتِهِمْ كَانَتْ بَطْنَ نَخْلٍ، وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ: لَمْ يُصَلُّوا عَلَى لَمْ يَسْجُدُوا مَعَك فَلْيُصَلُّوا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَيَكُونُ مَعْنَى، وَلِتَأْتِ أَيْ: مِنْ سُجُودِ رَكْعَتِهِمْ الْأُولَى الَّذِي انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ كَانَتْ صَلَاةَ عُسْفَانَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: نَسْخَهَا) أَيْ: صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ أَصْلِهَا لَكِنَّ فِي تَعْلِيلِ النَّسْخِ بِالتَّرْكِ نَظَرًا إذْ لَيْسَتْ وَاجِبَةً إلَّا أَنَّ هُنَاكَ تَغْرِيرًا بِالْمُسْلِمِينَ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَأَجَابُوا إلَخْ) قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ شُرِعَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِيمَا بَيْنَ سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَخَمْسٍ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا قِتَالٌ بَلْ خَوْفٌ، وَغَنِيمَةٌ، وَكَانَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَلَمْ تُفْعَلْ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهَا قَالَ شَيْخُنَا وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى أَحْوَالِ الْعَدُوِّ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ نَوْعٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ حَالَتِهِ
(قَوْلُهُ: عَلَيْهَا مُعْتَمَدٌ) نَصَّ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَلَى جَوَازِ كَوْنِ الْحَارِسِ وَاحِدًا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ غَيْرُ الْجَمْعِ، وَخَالَفَ م ر كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَلَيْهَا مُعْتَمَدٌ) بِأَنْ تَكُونَ مُقَاوَمَةً لِلْكُفَّارِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَارِسُ وَاحِدًا اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ. اهـ. م ر، وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْمَرْصَفِيِّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ الَّذِي تَحَرَّرَ فِي دَرْسِ شَيْخِنَا الْقُوَيْسِنِيِّ أَنَّ الْمُقَاوَمَةَ شَرْطٌ فِي عُسْفَانَ، وَكَذَا ذَاتُ الرِّقَاعِ، وَأَنَّهَا أَيْ الْمُقَاوَمَةَ فِيمَا زَادَ شَرْطٌ لِلسُّنِّيَّةِ فِي بَطْنِ نَخْلٍ فَبِدُونِهَا تَصِحُّ لَكِنْ لَا تُسَنُّ. اهـ.
وَقَوْلُهُ: تَصِحُّ أَيْ: وَتَجُوزُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغْرِيرٌ، وَإِلَّا حَرُمَتْ. اهـ. وَنُقِلَ عَنْ ع ش أَنَّ الْمُقَاوَمَةَ شَرْطٌ لِلسُّنِّيَّةِ إذَا جَازَ فِعْلُهَا فِي الْأَمْنِ كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، أَمَّا مَا لَا يَجُوزُ كَالْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَالْمُقَاوَمَةُ شَرْطٌ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَجُوزُ فِي الْأَمْنِ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ فَالْمُقَاوَمَةُ فِيهِ سُنَّةٌ، وَمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ كَصَلَاةِ عُسْفَانَ، وَصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِلْفُرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ فِيهِ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ، وَالصِّحَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْقِيَامِ) فَلَوْ وَجَدُوهُ رَاكِعًا رَكَعُوا مَعَهُ، وَسَقَطَتْ عَنْهُمْ الْفَاتِحَةُ فَإِنْ لَمْ