(إنْ يَكُنِ الْعَدُوُّ وَجْهَ الْقِبْلَةِ) لِيَتَمَكَّنَ الْحَارِسُونَ مِنْ رُؤْيَتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ الْعَدُوَّ لِيَأْمَنُوا كَيْدَهُ وَمِنْ كَثْرَتِهِمْ لِتَسْجُدَ طَائِفَةٌ وَتَحْرُسَ أُخْرَى كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ: (قُلْت:) مَحَلُّهُ إذَا كَانُوا (بِأَرْضٍ اسْتَوَتْ، أَوْ قُلَّهْ) أَيْ، أَوْ قُلَّةِ جَبَلٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ رَأْسُهُ (وَمَا لَهُمْ عَنْ الْعُيُونِ سُتْرَهْ) تَمْنَعُ رُؤْيَتَهُمْ الْعَدُوَّ (وَقَدْ رَأَى) أَيْ الْإِمَامُ (فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَهْ) وَقَوْلُهُ: وَمَا لَهُمْ عَنْ الْعُيُونِ سَتْرُهُ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ وَعِبَارَتُهُ فِي هَذَا النَّوْعِ صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَةِ، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا بِمَكَانِهِ أَوْ تَحَوَّلَ مَكَانَ الْآخَرِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ، فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ، بَلْ إنْ ثَنَّيْت ضَمِيرَ فِيهَا السَّابِقَ، فَقُلْت فِيهِمَا كَانَتْ ثَمَانِيًا وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ، لَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُصَرِّحُوا إلَّا بِالْأَرْبَعِ فَلْنُوَافِقْهُمْ فِي التَّقْرِيرِ اخْتِصَارًا، فَنَقُولُ كُلُّ الْأَرْبَعِ جَائِزَةٌ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ مِنْهَا أَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَلِجَمْعِهَا بَيْنَ تَقَدُّمِ الْأَفْضَلِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ بِسُجُودِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَجُبِرَ الثَّانِي بِتَحَوُّلِهِ مَكَانَ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْأَخِيرَتَيْنِ مَعَ الْإِشَارَةِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ إلَخْ.) أَيْ: أَوَّلًا (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا) أَيْ: فِي الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: بِمَكَانِهِ) كَيْفِيَّةُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: أَوْ تَحَوَّلَ مَكَانٌ) كَيْفِيَّةٌ ثَانِيَةٌ، وَالْمُرَادُ فِيهَا أَنَّ الثَّانِيَ يَتَقَدَّمُ، وَيَسْجُدُ أَوَّلًا، وَذَلِكَ هُوَ الْوَارِدُ فِي مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: أَوْ تَحَوَّلَ مَكَانَ الْآخَرِ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّحَوُّلَ فِي الِاعْتِدَالِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْكَمَالِ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى الْإِرْشَادِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ بِرّ (قَوْلُهُ: أَوْ تَحَوَّلَ مَكَانَ الْآخَرِ) أَيْ: تَحَوَّلَ، وَسَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ أَوَّلًا، فَيَكُونُ السَّاجِدُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ هُوَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ حِسًّا، وَالْحَارِسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ هُوَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ حِسًّا هَذَا مُرَادُهُ، وَهُوَ الْوَارِدُ فِي مُسْلِمٍ كَمَا يَجِيءُ، فَافْهَمْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الَّذِي يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ أَوَّلًا هُوَ الْمُؤَخَّرُ فِي الْحِسِّ، وَيَكُونُ مَعْنَى تَحَوُّلِ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَتَحَوَّلَ لِيَحْرُسَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادِ الشَّارِحِ قَطْعًا، فَاحْذَرْهُ، فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي مُسْلِمٍ هُوَ الَّذِي قَرَّرْته كَمَا فِي شَرْحِ الْكَمَالِ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرِهِ.
وَيُعْلَمُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي: لَكِنَّ الثَّانِيَةَ مِنْهَا، أَوْلَى إلَى آخِرِ مَا قَرَّرَهُ بَلْ، وَكَلَامُهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِرّ (قَوْلُهُ: وَبِعَكْسِ ذَلِكَ) هُوَ كَيْفِيَّتَانِ (قَوْلُهُ: إذَا ثَبَتَ ضَمِيرُ فِيهَا السَّابِقُ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِمَا، بِمَكَانِهِ (قَوْلُهُ: كَانَتْ ثَمَانِيَا) بَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يُفْرَضَ، بِسُجُودِ الْأُولَى فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ فَرْضِ تَقَدُّمٍ، وَتَأَخُّرٍ فِي الْأُولَى، وَعَدَمِهِ، وَمَعَ فَرْضِ تَقَدُّمٍ، وَتَأَخُّرٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَدَمِهِ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ، وَأَنْ يُفْرَضَ حِرَاسَةُ الْأُولَى فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ، وَعَدَمِهِ، فَهَذِهِ أَيْضًا أَرْبَعٌ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ، وَعَكْسِهِ مَعَ فَرْضِ تَقَدُّمٍ، وَتَأَخُّرٍ، وَعَدَمِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اثْنَانِ فِي أَرْبَعٍ، بِثَمَانِيَةٍ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الثَّانِيَةَ إلَخْ.) ، وَهِيَ سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّحَوُّلِ فِيهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ تَحَوُّلَ الثَّانِي لِيَسْجُدَ فِيهَا أَوَّلًا (قَوْلُهُ: مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى
[حاشية الشربيني]
يَرْكَعُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ هَوَى لِلسُّجُودِ. اهـ. ح ل وَح ف
(قَوْلُهُ: إنْ يَكُنْ الْعَدُوُّ إلَخْ.) هَذِهِ شُرُوطٌ لِلْجَوَازِ، وَالصِّحَّةِ فَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ لَا تَصِحُّ. اهـ. بج وَع ش.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى) أَيْ: وَيَحْرُسَ ثَانٍ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ، وَالسَّاجِدُونَ سَجَدَ مَنْ حَرَس، وَلَحِقَهُ، وَسَجَدَ مَعَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ. فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ، وَتَشَهَّدَ، وَسَلَّمَ بِالْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا بِمَكَانِهِ) ، أَوْ تَحَوَّلَ مَكَانَ الْآخَرِ قَالَ الْمَحَلِّيُّ هُمَا الْوَارِدَانِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ ق ل، وَأَمَّا الْعَكْسُ، وَهُوَ سُجُودُ الصَّفِّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، أَوْ بَعْدَ التَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ فَغَيْرُ وَارِدٍ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْعَكْسِ يَعُودُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَى مَكَانِهِ، وَيَسْجُدُ، وَيَتَأَخَّرُ الصَّفُّ الثَّانِي إلَى مَكَانِهِ لِيَحْرُسَ. اهـ. فَعَلَى كَلَامِهِ التَّقَدُّمُ، وَالتَّأَخُّرُ فِي الْأُولَى لِيُتِمَّ الْعَكْسَ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَبِعَكْسِ ذَلِكَ) أَيْ سُجُودِ الثَّانِي فِي الْأُولَى، وَالْأَوَّلِ فِي الثَّانِيَةِ كُلٌّ فِي مَكَانِهِ، أَوْ مَعَ تَقَدُّمٍ، وَتَأَخُّرٍ قِيَاسًا عَلَى الْوَارِدِ، وَهُوَ سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ مَعَ تَقَدُّمِ الثَّانِي فِيهَا لِلسُّجُودِ، وَتَأَخُّرِ الْأَوَّلِ فِيهَا لِلْحِرَاسَةِ قَالَهُ حَجَرٌ فِي التُّحْفَةِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْعُبَابِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ فَعَلَى الصِّفَةِ الْأُولَى أَيْ: سُجُودِ الثَّانِي فِي الْأُولَى، وَالْأَوَّلِ فِي الثَّانِيَةِ مُلَازَمَةُ كُلِّ صَفٍّ مَكَانَهُ أَفْضَلُ قَالَ فِي شَرْحِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ، وَفِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ. اهـ. ثُمَّ أَيَّدَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ ق ل لِأَنَّ اسْتِظْهَارَهُ فِيمَا إذَا فَعَلَ التَّقَدُّمَ، وَالتَّأَخُّرَ عَلَى خِلَافِ الْأَفْضَلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِعَكْسِ ذَلِكَ) الْعَكْسُ بِالنَّسَّةِ لِلْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَهُوَ الْمُقَيَّدُ بِدُونِ الْقَيْدِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ بِمَكَانِهِ، أَوْ مَعَ التَّحَوُّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْعَكْسِ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى تَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: كَانَتْ ثَمَانِيَا) ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِرْقَةٌ مِنْ صَفٍّ أَوْ فِرْقَتَيْنِ مِنْ صَفٍّ، أَوْ صَفَّيْنِ مَعَ تَقَدُّمٍ، وَتَأَخُّرٍ، أَوْ لَا فِي الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةِ زَادَتْ الصُّورَةُ.
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكْثُرْ إلَخْ.) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ التَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ بِخُطْوَتَيْنِ يَنْفُذُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَلَا يُشْكِلُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَإِنَّهُ اُغْتُفِرَ فِيهَا الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ الْمُتَوَالِيَةُ كَمَا يُعْلَمُ بِتَصَوُّرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا مَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِذْنُ هُنَا بِخِلَافِ هُنَاكَ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ بج (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْأَخِيرَتَيْنِ) أَيْ: فِي الْمُخْتَصَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا نَحْوُ «صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ» فَأَخَذَ كَثِيرُونَ لَهُ، وَقَالُوا: إنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَخْ. وَرَدَّهُ أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ بِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ فَقَدَّمَهُمْ بِالسُّجُودِ، وَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا جَمَاعَةً قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمِنْهَاجِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا فَقَالَ هُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute